شؤون محلية

مخول: قيصر غير قانوني ويجب رفضه بالقانون وبالإعلام.. وملندي: لا يوجد لدينا هيئة إغاثة وعلينا أن نبدأ من الصفر … اقتصاديون وحقوقيون يناقشون أفضل الطرق للاستفادة من التجميد الجزئي لقانون قيصر

| جلنار العلي - نوار هيفا

نظمت جامعة دمشق في قاعة رضا سعيد اجتماعاً شارك فيه دكاترة وأساتذة مختصين في كليات الاقتصاد والحقوق والعلوم السياسية، تناول قرار تجميد العقوبات الجزئي والمؤقت لقانون قيصر الأميركي.

تحدٍ كبير

وبدأ النقاش الدكتور في كلية الاقتصاد إبراهيم عدي الذي أكد أن كسر قانون قيصر من قبل بعض الدول كان بمثابة تحدٍ كبير للولايات المتحدة الأميركية، دفعها للإسراع بالخروج من هذا المأزق وإعلان ما يسمى تجميد العمل بقانون قيصر لفترة 6 أشهر.

وشدد عدي على ضرورة استغلال هذه الفترة والاستفادة من فتح الباب أمام الدول في تقديم مواد الإغاثة للمتضررين في مناطق الزلزال، والأهم هو اعتبار الحكومة السورية مركزاً معتمداً في تقديم المعونات، ولا شك أن القانون كبله الكونغرس ببعض الإشكالات عبر منع التعامل مع بعض الشركات الكبيرة، لكن ما يهمنا الآن هو الاستفادة من التحويلات واستغلالها، إلا أن هذه التحويلات ستصطدم بعقبات كبيرة خاصة بنظام «سويفت» وهو الرابط بين بنوك العالم والبنوك السورية، والتي نفتقر نحن اليوم لمستلزماتها التقنية.

وأشار عدي إلى ضرورة استغلال هذه الفترة باستيراد كل ما تحتاجه سورية في مجال الصحة وعملية إعادة الإعمار من بلدوزرات وآليات وغيرها.

عجز عن تقدير الخسائر

بدوره الدكتور عدنان سليمان أستاذ في قسم الاقتصاد بين أن المسألة الأولى التي يجب الحديث عنها هي عجزنا حتى اللحظة عن تقدير حجم الخسائر وذلك من أجل تقدير حجم الكلف في إعادة الإعمار، كاشفاً عن تقدير تقريبي لحجم الخسائر بين 500 – 1000 مليار ليرة، من دون قياس الأضرار المستقبلية لكارثة الزلزال.

وأشار سليمان إلى حجم الخسائر الكبيرة جداً جراء الزلزال والتي لا تقتصر فقط على الخسائر البشرية بل المادية أيضاً، والتي لا يمكن تحميلها على كارثة الزلزال وحده بل لوجود أسباب غير مباشرة مرتبطة بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية.

وأوضح سليمان أنه لابد من التفكير اليوم بإعداد إحصائية للمهجرين وكلف الإعمار وحجم الخسائر، إضافة إلى أن هناك منازل مهددة بالهدم والسقوط أيضاً لابد من معرفة أعدادها، مبيناً أن الأرقام ستكون مخيفة بسبب التضخم، فاليوم كلفة إنجاز أي بناء سكني تتجاوز المليار ليرة، وهناك أحياء كاملة في اللاذقية وجبلة وحلب دُمرت بالكامل.

ولفت إلى متطلبات مسألة تمويل إعادة الإعمار، فهي بحاجة لإدارة كوارث تبدأ بإحداث هيئة عامة لإدارة الخسائر، وإحداث صندوق يتبع لإحدى المصارف أو الجهات الأهلية أو الحكومية يقبل التبرعات من الشركات والحكومات والأشخاص، وأن يكون لدينا أدوات للاستفادة من هذه التبرعات.

الشفافية مطلوبة

وأشار إلى ضرورة الشفافية في التعامل مع هذه التبرعات وكيفية إدارتها، فنحن اليوم حتى اللحظة لا يوجد تصريح حكومي عن جهة إدارية تلقت التبرعات مالية أو عينية أو مادية، إضافة لعدم وجود خطة لإدارة هذه التبرعات لدرء أي تشكيك حول توجيهها، وبالتالي الحفاظ على استمرارها.

وشدد سليمان على أن العقوبات لم يتم رفعها، بل تم استثناء المواد الإغاثية وحتى هذه الفقرة تدخل بإطار التعقيدات، فسورية تحتاج لمعدات وآليات ومواد طبية لا يمكن استثناءها ولابد بعد أن تلقينا الصدمة من التوجه للتخطيط لما بعد الأزمة.

5 مليارات دولار

من جهته الدكتور في كلية الاقتصاد علي كنعان قدّم إحصائية تقريبية لحجم الخسائر التي خلفها الزلزال والتي بلغت 2 مليار دولار في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، في حين بلغ حجم الخسائر ما يقارب 2 مليار دولار في محافظة إدلب وحدها، والتقديرات الأولية تقول إن حجم الخسائر تجاوز 5 مليارات دولار.

وفيما يتعلق بموضوع رفع العقوبات وقانون قيصر أكد كنعان أن القانون بطبيعته لم يشمل الأدوية والأغذية، بل شمل فقط النفط والغاز والطيران والأسلحة، وبالتالي لم يُعد هذا القانون آنذاك المؤثر الكبير في الاقتصاد السوري، لكن الهيئات المالية العامة أضافت نظام التحويلات المصرفية والعلاقات المصرفية وحركة الاستيراد والتصدير وحركة الدولار، ما أدى لتجميد الاقتصاد السوري كلياً وشل كل قطاعات الاقتصاد الوطني، وأصبح الاقتصاد بحاجة لاستخدام طرق عديدة ليوصل ثمن المستوردات إلى المصدر الأساسي، وهو ما يعرف بزيادة حلقات التواصل وبالتالي زيادة الكلف التي تصل إلى 40 بالمئة من قيمة الصفقة.

خسائر شاملة

وقدم كنعان أرقام أولية للخسائر الناجمة عن قانون قيصر والتي يتعرض لها الاقتصاد السوري سنوياً والتي بلغت تقريباً 8، 8 مليارات دولار بين صناعة وتجارة واستيراد وسياحة وتصدير، مشيراً إلى هبوط مستويات الاستيراد إلى حد الكفاف والذي أصبح لا يتجاوز اليوم في الاقتصاد السوري 4 مليارات دولار، والذي لولا العقوبات لوصل إلى 20 مليار دولار.

وشدد كنعان على ضرورة عدم الاستسهال بتقدير عدد الخسائر التي خلفها قانون قيصر على الاقتصاد السوري وعدم تقديمها من دون دراسة، لما لها من أثر على الدول الأخرى من حيث تحجيم الكارثة وما خلفته على أرض الواقع، موضحاً أن الأثر غير المباشر لقانون قيصر أكبر من الأثر المباشر، لأن يتبعه تحويل عملة وحركة رأس مال ونزوح الشركات، وبالتالي تجميد الاقتصاد وهو ما يراهن عليه الغرب أو واضع هذه القوانين.

وأشار إلى الدور الحكومي بزيادة الضغط التي تسبب نزوح الصناعيين والتجار، فبدلاً من اتباعها سياسة سد العجز، لجأت إلى رفع حجم الضرائب على الصناعيين والتجار، بالتالي إعاقة حركة الإنتاج وتردي الاقتصاد.

واقترح كنعان تشكيل هيئة عليا تتبعها هيئات فرعية لصياغة القرار الاقتصادي والابتعاد عن الارتجالية وتفرد الوزارات باتخاذ القرار بشكل إفرادي، فلو وجدت هيئة لدراسة آثار قيصر لما وصلنا بآثاره اليوم لهذا الحد.

تسويق للسياسة الأميركية

للوقوف حول مشروعية قانون قيصر وشقه القانوني، دعا الدكتور في كلية الحقوق إبراهيم الدراجي لمعرفة هذا النص القانوني الذي يجب أن نتعامل معه بتحديد أثر هذا التجميد أو رفع العقوبات، أولاً هو يقتصر على الإغاثة لأعراض الزلزال فقط، ولا يشمل التعامل مع الحكومة السورية أو الأشخاص المرتبطين بها، وهو لمدة ستة أشهر وهناك قيد أخير مهم جداً في نصه القانوني، وهو أن هذا التجميد يطبق مع ضرورة التأكيد على عدم التعرض لقوانين أخرى للأمم المتحدة.

وأوضح الدراجي أن هذا التجميد جاء تسويقياً للسياسة الأميركية، كما أنه ورطة للحكومة السورية فبعض الأصوات الوطنية بدأت تنادي ببيان إنجازات الحكومة بعد رفع قانون العقوبات وفي الواقع لن تستطيع هذه الحكومة اليوم أن تفعل شيئاً، وأخيراً هذا التجميد جاء لرفع القيود عن بعض القيود على الشركاء المحليين وأطياف المجتمع.

ودعا الدراجي لضرورة استثمار القرار عبر موضوع الحوالات المالية، وتحديد المواد الإغاثية المرتبطة بتداعيات الزلزال، ومن هي الأطراف التي يمكن أن تصدرها للاستفادة من هذا الإعفاء خلال مدة ستة أشهر.

وأوضح الدراجي أننا اليوم بحاجة لمنظومة تعمل وفق آلية واضحة وشفافة ولا تكون ربحية لأي طرف يتسلم موضوع الحوالات الخارجية، وأن تكون هذه الحوالات بسعرها الحقيقي وتسليمها لمن يستحقها فعلاً، وأن يوثق هذا العمل بتقارير أسبوعية دورية.

آلية لتحديد المطلوب

وفيما يتعلق بالمواد الإغاثية المتعلقة بأضرار الزلزال، لفت الدراجي إلى ضرورة وجود آلية تخصصية لتحديد المواد التي نحتاجها فعلاً مستعينين بدول تعرضت لزلازل وما هي المواد التي قامت باستقدامها، لأننا أمام تحدٍ في موضوع الاستخدام المزدوج ضمن قانون العقوبات، فمثلاً لو طالبنا بالحصول على آليات ثقيلة، سيتم رفضها لارتباطها بأمور التسليح أو غيرها.

أخيراً يجب التركيز على الجهة الوطنية التي سوف تقوم بالمبادرة وطلب المواد على سبيل المثال ليتولى الهلال الأحمر هذه المهمة لأنه جهة غير حكومية ويمكن تسويقها ولديها علاقات وتقبل تمويلاً خارجياً وجهة لديها خبرة، كما يجب أن يكون لدينا خريطة للجهات التي يمكن أن نتعامل معها عن طريق الهلال الأحمر وما هي حدود الصلاحيات الممنوحة لها.

دراسة القانون الأميركي

وأضاف الدراجي إلى حاجتنا لدراسة القوانين الأميركية دراسة عميقة للقدرة على وضع استثناءات حول فقرة المساس بقوانينها ضمن قرار تجميد العقوبات المفروض على سورية.

وأشار الدراجي إلى أهمية «الالتزام المفرط» الذي تتخوف منه الشركات العالمية في حال تعاملت مع البنوك السورية والعقوبات التي من الممكن أن تُفرض عليها من قبل القوانين الأميركية، إضافة إلى فكرة الاستخدام المزدوج في الخدمات المطلوبة وبالتالي رفضها، وأخيراً الاستخدام السياسي والرافضون لرفع العقوبات، مبيناً أن الآلية الوحيدة للخروج من هذه الثغرات تكون عبر الشفافية ووضع خطة عمل تكون عبر مرحلتين: الأولى كيفية الاستفادة من مهلة الأشهر الستة، والثانية كيف يمكن تمديدها لسنتين، لأن قانون قيصر وضع فيه نص قانوني يشير إلى أنه يحق للرئيس الأميركي تمديد تجميد العقوبات لمدة أقصاها سنتان، وهو ملزم بعد 90 يوماً بتقديم تقرير يبرر ماذا حدث وهو ما ستدعمه التقارير الكشفية المقدمة من قبل الجهات الوطنية التي تعمل على الأرض.

الاستفادة من المجتمع المحلي

بدوره الدكتور في كلية العلوم السياسية خالد المصري شدد على ضرورة الاستفادة من سياسة بعض الدول العربية والغربية والتي بدأت بإعادة رسم سياستها مع سورية، داعياً للاستفادة من المجتمع المحلي السوري وخاصة بعد ما شهدناه منه خلال الكارثة، إضافة إلى تفعيل دور المؤسسات وإعادة ترميمها من الداخل والعمل بشفافية أكثر واغتنام الفرصة للخروج من قيود هذه العقوبات.

إجراءات قسرية أحادية

وفي السياق أكد عميد كلية الحقوق الدكتور هيثم الطاس أن قيصر هو إجراءات قسرية أحادية الجانب وليس قانوناً دولياً.

ودعا للاستفادة من المدة الزمنية والتعليق الجزئي على العقوبات الاقتصادية خاصة بما يتعلق بالأموال السورية المجمدة بالخارج في دفع التجهيزات الداخلة إلى سورية، والقدرة على تمديد العمل بهذا التجميد أطول مدة ممكنة.

وأشار إلى ضرورة عدم ربط طلب المواد الإغاثية بالوزارات المعنية بها، كالنفط، والكهرباء، والصحة الأكثر حاجة لهذه المواد الإغاثية، بل توسيع هذا الطلب من قبل جهات أخرى أكثر فعالية كالهلال الأحمر والأمانة السورية للتنمية.

القانون استثناء على الاستثناء

بيّنت رئيس قسم القانون الدولي في كلية الحقوق في جامعة دمشق الدكتورة أمل اليازجي أن ما ورد في تعليق قانون قيصر هو عبارة عن استثناء على الاستثناء، ذاكرة أن سلسلة الإجراءات الأحادية الجانب بدأت عام 1979، وما يهم حالياً أن تتم معرفة النوافذ التي يجب الاعتماد عليها في هذه السلسلة للتمكن من تحديد ما يمكن إنجازه خلال فترة 6 أشهر، إضافة إلى أننا نحتاج إدارة المال الذي يصل إلى المجتمع المدني وللجهات الحكومية بواسطة آلية شديدة الشفافية وربطها بالصندوق الذي أنشأته رئاسة مجلس الوزراء عندما أعلنت المناطق المتضررة أنها منكوبة، حيث يجب أن يتم رفع تقارير دائمة لكل التطورات إلى مجلس حقوق الإنسان والمنظمات الدولية.

واعتقدت اليازجي أن العمل لن يكون مثمراً في حال قام به المجتمع المدني فقط، فالأمر يحتاج إلى عمل حكومي مرافق، إضافة إلى تحديث يومي أو أسبوعي على الأقل يتعلق بحجم الخسائر البشرية وفي البنى التحتية المباشرة وغير المباشرة، منتقدة عدم وجود بيانات واضحة حول عدد ضحايا الزلزال وعدد الأبنية التي تهدّمت، وبذلك تصبح طريقة التفكير في العلاج أكثر منطقية.

التركيز على آلية الحماية المدنية

وشددت اليازجي على ضرورة ألا يقتصر التفكير اليوم على الاستثناء الوارد على قانون قيصر، إذ يجب أن يتم التركيز على آلية الحماية المدنية التي تقدمت سورية بطلب فيها للاتحاد الأوروبي وماذا تفتح من مجالات، وهذا الأمر يحتاج إلى عمل دقيق، لافتة إلى ضرورة الاستفادة من الأموال المجمدة للسوريين في الخارج لاختصار أبواب الفساد والحد من آثار النظام المصرفي العالمي، موضحة أن الأصول المجمدة للسوريين معروفة، ويستطيع مصرف سورية المركزي أن يحدد حجم هذه الأموال وأماكنها، مبينة أن حجم الأموال السورية في تركيا فقط يبلغ 92 مليون دولار، وأن توقعات الاستفادة من تعليق العقوبات تقترن بمقدار العمل الذي يقام به إذ يجب الإكثار من الإجراءات بقدر الإمكان.

الجاني الإغاثي والفيول

وأكدت اليازجي أنه يجب التركيز بالأزمة الحالية على جانبين فقط وهما الجانب الإغاثي، والتعافي الجزئي وتأمين فيول، إما عن طريق آلية الحماية المدنية أو بواسطة قرار رفع العقوبات الجزئي، مشددة على ضرورة تضافر وزارات الأشغال العامة والإسكان والصحة والنفط لوضع الكلف للأمور الأساسية بالنسبة لها، وفي هذه الحالة يمكن للمجتمع المدني السوري الموجود في الخارج أن يساعد في التأمين وليس فقط الحكومات، متابعة: «إن هذه الصدمة ستخرج أفضل ما لدينا، ولن يقف اللصوص في وجه الجهود المبذولة».

من ناحيته، اقترح رئيس جامعة دمشق أسامة الجبان اعتبار هذه المجموعة الموجودة في الاجتماع أنها مجموعة دعم القرار، وأن يكون هناك انعقاد دوري لجلساتها لتقديم توصيات ومقترحات لصناع القرار.

مهاجمة قانون قيصر

رئيس قسم القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة دمشق الدكتور عيسى مخول، أكد ضرورة قراءة سطور قانون قيصر بشكل صحيح ومابين السطور أيضاً، باعتبار أن الأهم هو روح القانون، مشيراً إلى أنه يجب ألا يكون الموقف فقط الدفاع عن سورية في وجه القانون، بل مهاجمته قانونياً وليس إعلامياً فقط.

وبيّن مخول أنه يجب تحديد كيفية الاستفادة من التعليق الجزئي للعقوبات من أجل الضغط على الحكومة الأميركية على كل الصعد، لإثبات أن ما يعيشه الاقتصاد السوري مردّه هذه العقوبات، لذا يجب الاستفادة من كل يوم من الـ180 يوماً لتحقيق دفعة اقتصادية، كما يجب تسليط الضوء حول الأحكام العامة في قانون قيصر التي ذكرت أن مدة سريانه هي 5 سنوات فقط، علماً أن القانون بدأ تطبيقه في بداية عام 2020، إذاً فنحن الآن أمام أقل من عامين لانتهاء مدته، وإذا ما تم احتساب مدة التعليق وهي 6 أشهر فيبقى هناك سنة ونصف، لذا يجب ألا يتم الاكتفاء بالضغط على الحكومة الأميركية لمدة ستة أشهر فقط بل يجب الاستمرار بذلك من خلال الهجوم بكل الوسائل القانونية والسياسية وغير ذلك، لعدم العودة إلى نقطة الصفر.

نهاجم القانون بالقانون

وفي ذات السياق، قال مخول: «نستطيع مهاجمة القانون من خلال القانون نفسه، فمثلاً في العنوان الأول من قانون قيصر يوجد تدابير فرضت على مصرف سورية المركزي مشروطة بإثبات أن هذا المصرف يقوم بعمليات غسيل الأموال، ولكن المصرف لم يقم بعد ذلك بأي إجراء لإثبات عكس ذلك، لذا فنحن دائماً نتلقى ولا نهاجم»، مشيراً إلى ضرورة تشكيل لجان قانونية واقتصادية لإثبات عكس ذلك بالوثائق وإبطال مفعول هذا القانون.

شكٌّ بالنيات الأميركية

بدوره، تساءل الأستاذ في القانون التجاري في كلية الحقوق بجامعة دمشق موسى متري ماذا تقصد أميركا بـ«الإغاثة»؟ هل يقصد بها الإغاثة الحالية أم إغاثة الجرحى أم الإغاثة لإعادة الإعمار؟، ولكن هذا لا يمنع من العمل على المدى طويل الأجل وقصير الأجل للاستفادة من التجميد الجزئي للعقوبات، الذي تعد أهم نقطة فيه هي الحوالات المصرفية، مشككاً بأن الحكومة الأميركية ستسمح بإرسال حوالات مالية كبيرة للسوريين، ولكن من الممكن إرسال الحوالات الصغيرة التي لا تتجاوز 5000 دولار، عن طريق شركات الصرافة، عاتباً على الحكومة السورية من خلال عدم توجيه المساعدات العينية والنقدية التي تم إرسالها للسوريين ليكون لها طريق معين، لتكون عن طريق الهلال الأحمر على سبيل المثال وتقوم بدورها بالتوزيع على الجمعيات لتتكفل بهذا العمل بشكل منظم، مشيراً إلى وجود بعثرة بالجهود بشكل لا يوصف.

14 مليار دولار

ومن جهة أخرى، أشار متري إلى أنه في عام 2010 كان أهم مورد للقطع الأجنبي في سورية هو حوالات المغتربين، وذكرت حينها إحدى الإحصائيات التي قدمتها شركة «ويسترن يونيون» أن مجموع حوالات السوريين وصلت إلى 14 مليار دولار، وهذا ما يجب تنسيقه من خلال إيجاد طريق لتصل حوالات السوريين في العديد من دول العالم، مقترحاً أن تطرح المشافي الجامعية مناقصة حول حاجتها من مواد طبية ومعدات تحت بند الإغاثة، معتبراً أنه يمكن تجاوز العقوبات الاقتصادية على المدى البعيد، مقترحاً تأسيس شركات مساهمة مغفلة من قبل المجتمع المدني مهمتها إنتاج الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية لتخفيف الضغط على الشبكة الكهربائية، باعتبار أن أهم المشكلات التي تعاني منها سورية هي مشكلة توافر الوقود.

شرعنة لقيصر

أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة دمشق الدكتور نجم الأحمد، أكد أن العقوبات الاقتصادية ليست حديثة العهد، وأن قانون قيصر غير قانوني من وجهة نظر القانون الدولي، حيث أحلت بعض الدول نفسها بدلاً من مجلس الأمن لفرض العقوبات الاقتصادية، خلافاً لأحكام المادتين 39 و41 من ميثاق الأمم المتحدة، وعلى الصعيد الداخلي لم يحدث أن تصدر أي دولة قانوناً ما ليطبق على دولة أخرى، وهذا الأمر على الرغم من أنه غاية في الغرابة ولكنه صادر عن الولايات المتحدة الأميركية.

وفيما يخص قرار وزارة الخزانة الأميركية المتعلق برفع الحظر جزئياً عن سورية، اعتبر الأحمد أنه جاء لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية بشكل أساسي، لسببين أساسيين، أولهما، أن هذا القرار أكد على محاولات شرعنة قانون قيصر كونه سيطبق لمدة 6 أشهر فقط، أما السبب الثاني أنه أراد ألا يحرج أميركا بعد أن باشرت الدول والمنظمات الدولية والأفراد بتقديم التبرعات، فأرادت أن تذكرهم أن هذا القرار سيطبق لمدة 6 أشهر فقط، فلا مانع إزاء الأزمات المتعلقة بالأزمات والكوارث الطبيعية، لذا فإن هذا القرار لن تكون له نتائج عملية على أرض الواقع إلا بالحدود الضيقة جداً، لكن الشيء اللافت بالأمر الذي يجب التعويل عليه كثيراً هو تلك اللحمة الوطنية الموجودة بين السوريين في الداخل والخارج من كل الأطياف والتوجهات.

لم يضف شيئاً

بدوره، أمين سر وزارة التعليم العالي وعميد كلية الحقوق في جامعة دمشق سابقاً الدكتور ماهر ملندي، اتفق مع عدة أكاديميين بأن قانون قيصر مخالف للقانون الدولي، فلا يجوز فرض تدابير قسرية إلا عبر مجلس الأمن الدولي، الذي لا يفرض عقوبات أصلاً وفق نظامه وإنما يفرض تدابير وإجراءات ومؤيدات، فقد صدر هذا القانون بسبب الأزمة التي حصلت في سورية، رغماً أنها ما زالت في حالة نزاع مسلح باعتبار أن جزءاً من أراضيها محتلة، بحيث يجب أن يطبق هنا القانون الدولي الإنساني، ولكن قانون قيصر صدر مخالفاً له كونه يهدف إلى تجويع الناس وقطع أرزاقهم، وبالتالي هو لا يوافق اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاته، لافتاً إلى أن الحصار الجائر الذي فرضه هذا القانون بعد تطبيقه أدخل سورية في مرحلة المأساة الاقتصادية.

وأشار إلى أن الاستثناء الذي أصدرته وزارة الخزانة الأميركية من قانون قيصر لم يضف شيئاً جديداً وإنما استثنى ناحيتين فقط من قانون قيصر وهما مواد الإغاثة ومواد الرعاية الصحية والمتعلقة بالنظافة والصرف الصحي وما إلى ذلك، كما ذكر هذا الاستثناء أنه لا يجوز التعامل وعقد الصفقات أو إرسال المواد الإغاثية والرعاية الصحية المستثناة من قانون قيصر إلا عبر المنظمات الدولية وغير الحكومية والحكومة الأميركية، أي إنه تم استثناء الحكومة السورية، أي ستتم هذه العمليات جميعها خارج إطار السلطة الشرعية، حتى أن الأفراد السوريين في حال كانوا معاقبين يجب أن يحصلوا على موافقة الحكومة الأميركية للاستفادة من هذه الاستثناءات، مؤكداً أن هذا الاستثناء استفادت منه أميركا دعائياً كونها ستسهم في أعمال الإغاثة، وأوصلت رسالة بأنها ستبقى مستبعدة للسلطات الشرعية السورية وكأنها لا تعترف بها، لافتاً إلى أنه على الفور أعلنت الوكالة الأميركية للتنمية عن تقديم 85 مليون دولار كمساعدة إغاثية، ولكنها ذكرت أنها سترسلها إلى شركائها المحليين وليس عبر الحكومة السورية.

ليس لدينا إحصائيات

وعلى المستوى الداخلي، قال ملندي: «نحن في سورية لا يوجد لدينا إحصائيات، ولا هيئة عليا للإغاثة أو قائمة بالحاجيات المطلوبة، ولا دراسات وخطط مستقبلية، لذا سننطلق للأسف من الصفر، وهذا الأمر يتطلب العمل بسرعة وبشكل مكثف وجهد مضاعف»، مؤيداً ضرورة الاعتماد في الحوالات على أفراد سوريين من الخارج غير معاقبين كي لا يتم اللجوء إلى أفراد معاقبين يضطرون للجوء إلى الحكومة الأميركية، مشيراً إلى أن الاستثناء لم يشمل المواد النفطية ولا التجهيزات الأساسية لعمل المشافي والآليات، أي تم استثناء شرايين الحياة الأساسية للإغاثة من القرار.

ودعا ملندي إلى ضرورة الابتعاد عن التسييس وأن يتم التركيز على الاقتصاد الوطني خلال مدة الـ6 أشهر، ليس فقط للإغاثة وإنما لإعادة الإعمار والبناء، متوقعاً أن تمدد أميركا فترة الاستثناء فيما بعد، لافتاً إلى ضرورة فتح نوافذ للاستغلال الأمثل لهذا القرار، متابعاً: «نحتاج في سورية إلى دراسة متأنية لما حصل وخصوصاً خلال العامين الأخيرين من الناحية الاقتصادية باعتبار أن الاقتصاد هو الذي يسيّر السياسة ولا يجب أن يكون العكس»، مؤكداً أن المآسي الاقتصادية خلال العامين الأخيرين كانت تعادل كل المآسي خلال فترة الأزمة مجتمعة، إذ يمكن تجنب القذيفة ولكن لا يمكن تجنب الجوع، لذلك يجب البدء بالعمل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن