بفضل ثورة الاتصالات وما حققته من سرعة مذهلة في انتقال الأخبار والمعلومات بكل أشكالها، أصبح كل من يستخدم الهواتف الذكية «الموبايل» قادرا على الاطلاع على كمية كبيرة من المعلومات التي احتلت تطورات الحرب فيها درجة متزايدة في السنتين الماضيتين، لكن هذه الظاهرة التي تتمتع بها كل شعوب العالم وأحزابها المتنوعة، لم تدفع لتحرك الجمهور في أوروبا أو أميركا، وهما الطرفان الرئيسان في شن حرب غير مباشرة حتى الآن ضد روسيا والصين، ففي فرنسا تحرك الجمهور ومؤسساته النقابية في باريس من أجل حماية مكتسباته التقاعدية ولم يتحرك ضد دور الحكومة الفرنسية في تصاعد احتمالات نشوب حرب عالمية ثالثة، بل إن دولاً أوروبية كثيرة وبخاصة الأعضاء في حلف الأطلسي، لا تشهد حركة فعالة في الشارع للتحذير من مشاركة حكوماتها في التسبب بكارثة حرب عالمية تصيب أوروبا أكثر من غيرها للمرة الثالثة، وعلى الجبهة الأميركية الصينية في آسيا ما تزال خطط واشنطن وحلفائها تتزايد نحو تجنيد أكبر عدد من الدول ذات الصلة الجغرافية بالحرب الأميركية ضد الصين، وتسير إلى حد بدأت فيه واشنطن تعقد اتفاقات عسكرية دفاعية مع جزر صغيرة مثل «بابوا» أي غينيا الجديدة، القريبة من أستراليا الحليف الإستراتيجي الأساسي للولايات المتحدة ضد الصين في تلك المنطقة، وكذلك مع جزر المارشال الصغيرة، ومع أصغر دولة في العالم من حيث عدد السكان وهي ماكرونيزيا لاستخدامها ضد الصين بإستراتيجية أميركية أطلق عليها إستراتيجية المحيطين الهادئ والهندي الأميركية.
قبل أسبوع تقريباً، ظهر أمين عام حلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ وهو يعلن أن الناتو سيشارك في أي حرب أميركية ضد الصين، وكأن المرحلة الراهنة التي يبدو فيها الاستعداد لحرب عالمية بلغت درجة الإسراع في حشد كل القوى الاستعمارية التاريخية ضد روسيا والصين معاً هذه المرة، وليس ضد قوى نازية ألمانية وفاشية إيطالية ويابانية أرادت استعمار دول استعمرتها بريطانيا وفرنسا وأميركا، وهو ما حدث في الحرب العالمية الثانية 1936-1945، فالغرب الاستعماري جند هذه المرة الدول التي هزمها في تلك الحرب إلى جانبه، ومن دون أن نرى معارضة فعالة من جمهور هذه الدول تدعو لمنع حرب عالمية ثالثة قد يستخدم السلاح النووي في بعض أو كل ميادينها.
الناشط السياسي الأميركي المعارض للحروب الأميركية ومؤسس منظمة «طعام وليس قنابل» كيت ماكهنري، حذر في 11 شباط الجاري، في تحليل له نشره في مجلة «أنتي وور» الأميركية، من التجاوب مع من بدأ يشجع على حرب أميركية نووية ضد روسيا، وبعضهم من صناع القرار الأميركي الإعلامي والسياسي مثل وكيلة وزارة الخارجية الأميركية منذ عام 2021 فيكتوريا نولاند، وهي إحدى أوائل السياسيين الأميركيين الذين ورطوا الحكومة الأوكرانية بمعاداة روسيا منذ عام 2014، ويستشهد ماكهنري بما اقترحته حين قالت في مركز «بروكينغز» الأميركي للأبحاث قبل أشهر من قيام روسيا بالعملية العسكرية في أوكرانيا: «ربما أصبح من الضروري أن توجه الولايات المتحدة ضربة مسبقة أولى لروسيا»، ويضيف ماكهنري: «وكان زوجها روبرت كاغان أهم المحرضين في الساحة السياسية الأميركية على حرب نووية ضد روسيا قد كتب تحليلا في المجلة الفصلية الأميركية في أيار 2022 بعنوان: «ثمن السيطرة الأميركية: هل تتعلم أميركا كيف تستخدم قوتها»، ودعا فيه واشنطن إلى «تفضيل المخاطرة بمواجهة الدول المعادية بضربة استباقية لمنعها من التوسع العسكري وزيادة الطموح»، ويقول مؤسس «معهد يوركتاون للدراسات» سيت كروبسي إن «على واشنطن أن تري العالم أنها قادرة على الانتصار في حرب نووية»، وهو واحد من مقالاته الكثيرة التي تسعى إلى تحضير أميركا لحرب نووية.
في النهاية يتساءل ماكهنري: «هل تريد أميركا من الشعب الاعتقاد أن إرسال طائرات «إف 16» وصواريخ بعيدة المدى ودبابات لأوكرانيا سيجبر موسكو على إيقاف الحرب؟ وهل التهديدات بأن واشنطن هي التي ستنتصر في أي حرب نووية ستمنع وقوع حرب نووية عالمية»؟
ويجيب ماكهنري: «ربما قد لا يكون في مقدورنا إيقاف حرب عالمية ثالثة، لكننا يجب أن نعمل على منع وقوعها، ولهذا السبب نقوم الآن بتنظيم حملات شعبية غاضبة مقبلة ضد آلة الحرب الأميركية في يوم 19 من شهر شباط الجاري في واشنطن وفي سان فرانسيسكو».