قضايا وآراء

تباً للسياسة!

| منذر عيد

تبا للسياسة، عندما تنزع الضمير الإنساني والرحمة من قلب أخ تجاه أخيه في نكبته، فتضعه لحسابات شخصية، أو لتبعية ما لهذا أو ذاك الطرف على هامش جغرافيا الوطن العربي في أقصى الشرق وأقصى الغرب، تبا للسياسة عندما تعلو على الأخلاق ونداء الضمير، لدى مجتمع غربي يدعي الديمقراطية ويحمل لواء الإنسانية زوراً وبهتاناً، فتتقدم مصالحه على حياة إنسان يئن تحت ركام منزله.

من المخزي بحق الإنسانية أن يحول الغرب المتوحش أحداث الزلزال الذي ضرب سورية إلى ساحة للرقص على آلام وأوجاع السوريين، ويعمل جاهداً وكذباً لنشر ما يدعيه عن ممارسات الحكومة السورية تجاه شعبها، سواء في مناطق الدولة السورية، أو في المناطق الخارجة عن سيطرتها، بينما الحقيقة تجافي ذلك وتؤكد ان مرتزقة ذاك الغرب من التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «جبهة النصرة» رفضوا وأكثر من مرة محاولات الحكومة السورية إدخال قافلة مساعدات إلى مناطق إدلب المنكوبة، ليؤكد الرئيس بشار الأسد بالأمس لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث ضرورة إدخال المساعدات العاجلة إلى كل المناطق في سورية، بما فيها تلك الخاضعة للاحتلال التركي وسيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة.

لا ندعي زوراً إذا قلنا إن الزلزال كشف بشكل كامل عورة المتشدقين بالإنسانية، ليؤكد موقع «ميدل إيست آي» البريطاني إن الزلزال «كشف عن الوجه الحقيقي لأوروبا والغرب عموماً، وأثبت للعالم أن الغرب مهتم بالتدمير والحرب أكثر من اهتمامه بالتعمير»، ليعرب الكاتب البريطاني ديفيد هيرست عن دهشته واستنكاره تقديم بلاده 6 ملايين دولار لإغاثة 23 مليون شخص ضربهم الزلزال مقابل 2.3 مليار دولار لأسلحة لاستخدامها في حرب أوكرانيا، ولتعكس مجلة «شارلي إبدو» الفرنسية من خلال نشرها رسماً كاريكاتورياً يظهر مبنى مدمراً وسيارة مدمرة وكومة من الأنقاض مع التعليق: «لا داعي لإرسال دبابات»، مستوى الانحطاط الأخلاقي، والتحجر الإنساني لدى ذاك الغرب، تحت مسمى «حرية التعبير»، ليعكس بشكل أو آخر إن ذاك الرسم الوقح، يعكس حقيقة ومشاعر القيمين على الأمر في الغرب.

نؤكد أننا لا نرتجي من قعر الجحيم نعيماً، ولا يمكن أن يخرج من «بطن الدبور الأميركي عسلاً»، بل على الخلاف من ذلك لا نخفي ارتياحنا بأن من نتائج الزلزال المدمر انهيار منظومة الكذب الأميركي- الغربي، بأن عقوباتهم الجائرة الأحادية لا تستهدف الشعب السوري، وإنما كما يدعون الحكومة السورية فقط، لنتساءل من ضحايا الزلزال ومنكوبيه، أليسوا من الشعب السوري، الذي أنهكته عقوباتهم، وأودت به الدرك الأسفل من الحاجة والعوز؟ لا نخفي بأننا سعداء رغم غور الجراح النازفة، بأن الزلزال أكد المؤكد وكشف جوانب أكبر من لؤم وخسة ودناءة الغرب والولايات المتحدة الأميركية تحديداً.

لقد منَّ الله علينا بأن أنتجت البشرية جهازاً لقياس شدة الزلازل، وبات على تلك البشرية أن تعمل على إنتاج جهاز آخر، لا بد أنه سيشكل أهمية اكبر من مقياس الزلازل، وهو جهاز لقياس قسوة القلوب والعقول البشرية، ومقياس شدة التوحش البشري فيما بينهم.

ربما لا تكفي زاوية أو مقالة أو تقرير، لكشف زيف السياسات الأميركية والغربية، ومعاداتها لجميع من يناصبها خلاف الرأي، لنختم بما كتب موقع «ميدل إيست آي» رداً على ما قاله المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس هذا الأسبوع إن نهج الولايات المتحدة تجاه الحكومة السورية لم يتغير، ورفضها إجراء محادثات مع الحكومة السورية بشأن الإغاثة من الكوارث، ليكتب الموقع: «لم يطلب أحد من الأميركيين التفاوض مع الرئيس بشار الأسد، المسألة تتعلق بمساعدة الشعب السوري».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن