ثقافة وفن

تأثرت بزلازل عديدة على مر التاريخ … قلعة المرقب… سُجلت على لائحة اليونيسكو وأدرجت على قائمة مشروع «اليورميد»

| وائل العدس

تسبب الزلزال المدمر الذي ضرب عدداً من المدن والمحافظات السورية بخسائر بشرية ومادية كبيرة، وخاصة أن هذا الزلزال يعد واحداً من أقوى الزلازل على مستوى العالم.

هذا الزلزال سبب أضراراً متباينة الأثر على بعض المعالم الأثرية والتاريخية، منها قلعة المرقب التي تعرضت لأضرار طفيفة ومتوسطة، منها سقوط أجزاء من حجارة بعض الجدران أو واجهات المباني، إضافة إلى سقوط كتلة من برج دائري في الجهة الشمالية، حيث الأبراج الدائرية الشمالية.

هذا الزلزال لم يكن الأول، بل شكلت الزلازل عاملاً كبيراً أثر في بناء القلعة والتي وقعت خلال أعوام 1202 و1404 و1752 و1759 و1796 و1822 والتي سببت ضرراً بالغاً في بنيانها.

قلعة مهمة

تقع قلعة المرقب على بعد 5 كم شرق مدينة بانياس واعتبرها الباحثون الأثريون إحدى أهم القلاع التي بنيت في العصور الوسطى في العالم بأسره كما صنفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونيسكو قلعة تاريخية مهمة لاحتوائها على تراث إنساني عظيم وسجلت على اللائحة التوجيهية لليونيسكو.

ويعود بناء القلعة للسكان المحليين للمنطقة سنة 1062 لتقع تحت الاحتلال البيزنطي عام 1104 لفترة قصيرة، ثم كانت هدفاً دائماً للحملات الصليبية التي اجتاحت الساحل الشامي وتتالت عمليات احتلالها واسترجاعها حتى استردت نهائياً على يد السلطان المملوكي المنصور قلاوون في أيار 1285.

وبعد استرداد المرقب صرفت مبالغ كبيرة لإعادة تحصينها فظهرت عليها بعض الإضافات الجميلة ولكن بعد الطرد الكامل للصليبيين من المنطقة بدأت تفقد أهميتها وانعكس تضاؤل دورها في الفترة المملوكية والعثمانية على انخفاض التحسينات المعمارية على بنيانها.

وإضافة إلى تضاؤل أهميتها العسكرية شكلت الزلازل عاملاً كبيراً أثر في على بناء القلعة والتي وقعت خلال أعوام 1202 و1404 و1752 و1759 و1796 و1822 والتي سببت ضرراً بالغاً في بنيانها.

مدينة فريدة

ووصف أحد الرحالة الأجانب القلعة التي زارها في القرن التاسع عشر بقوله.: «المرقب أشبه بمدينة فريدة من نوعها تقع على صخرة كبيرة مشرفة على كل ما حولها يمكن الوصول إليها في حالة النجدة ولا يمكن الوصول إليها في أثناء القتال إلا النسر والصقر، وحدهما يمكنهما التحليق فوق أسوارها». ‏

عرفت قلعة المرقب من قبل اللاتين باسم مارغت وعند البيزنطيين مارغوتوم وأطلق عليها العرب اسم قلعة المرقب حيث يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان: «المرقب بالفتح ثم السكون ثم بالقاف المفتوحة هو اسم الموقع الذي يرقب منه».

وشكلها المعماري عبارة عن مثلث مساحته نحو 60000 م2 تتجه زاويته الحادة نحو الجنوب ويندمج حرفه مع الصخور المشكلة لجبل الأنصارية والتي كانت نقطة ضعف الموقع في الجهة الجنوبية والسبب في زيادة التحصين عند هذه الزاوية الدائرية لصد الهجمات المتوقعة من ذلك الاتجاه.

قلعة محصنة

تتألف القلعة من سور مزدوج أحدهما خارجي والآخر داخلي لزيادة تحصين القلعة ومناعتها، إضافة إلى القلعة الخارجية التي تشمل الأبنية السكنية والقلعة الداخلية التي تتضمن مجموعة الأبنية الدفاعية المحصنة بأبراج دائرية ومستطيلة يعلوها البرج الرئيسي والتي تسيطر على مساحة واسعة تمتد إلى كل الجهات زودت بمرامي السهام والحجارة ويحيط بالسور الخارجي من الشرق خندق عميق محفور في الطبقة الصخرية.

أما القلعة الداخلية فهي عبارة عن بناء مستطيل الشكل تقريباً له حلقتان من الأسوار تقع على الذروة الجنوبية للقلعة ويفصلها عن القلعة الخارجية قناة مائية عريضة في الجهة الشمالية من الحصن الداخلي.

يتم الدخول إلى القلعة عبر برج البوابة الرئيسي والذي يمكن الوصول من خلاله إلى الحصن الداخلي مشكلاً صلة وصل بين السورين الداخلي والخارجي، أما قاعات القلعة فموزعة في أبراجها ومن منشآتها مسجدها الذي بني بعد استرجاعها من الفرنج إضافة إلى وجود العديد من الاصطبلات والمخازن والمستوعادت المنفصلة وغيرها، وأما الكنيسة وهي أكثر الأبنية ارتفاعاً بين الأبنية المحيطة بالساحة الرئيسية وهو بناء موجه باتجاه شرق غرب وبشكل طولاني كما هي معظم الكنائس ومخططها شبيه بمخطط كنائس جنوب فرنسا في القرن الحادي عشر ويمكن أن نعيد بناء الكنيسة للربع الأخير من القرن الثاني عشر.

وأما البرج الرئيسي فهو أهم بناء في القلعة ويعد نموذجاً مثالياً للأبراج الدائرية التي أقيمت في القرن الثالث عشر حيث يبلغ قطره 21 متراً تقريباً مكون من طابقين مع متراس دفاعي.. والفخامة التي يتمتع بها هذا البرج من حيث الارتفاع والقطر وسماكة الجدران المجهزة تؤكد أن هذا البناء كان على الأغلب مخصصاً لقائد حامية القلعة.

التراث الوطني

ونظراً لأهمية القلعة تراثياً وطبيعياً فقد أدرجت على قائمة مشروع «اليورميد» التابع لاتحاد دول «اليورميد» وهي إسبانيا واليونان وسورية والبرتغال والجزائر ومصر بهدف توثيق التراث الدفاعي لدول البحر الأبيض المتوسط والمحافظة على القيمة الاقتصادية والحضارية للمواقع الدفاعية المطلة على مسطحات مائية.

وقامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بتنفيذ العديد من مشاريع الترميم والحماية منذ استملاك القلعة عام 1959م وتسجيلها أثرياً على لائحة التراث الوطني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن