قضايا وآراء

من صدوع الأرض إلى صدوع السياسة

| مازن جبور

صدوع الأرض التي حدثت منذ أسبوعين، عبر زلزال مدمر طال سورية، وراح ضحيته الآلاف بين قتلى ومصابين، ومئات الآلاف من المشردين خارج منازلهم التي دُمرت، هذا الصدع الأرضي، لم يتمكن من ردم الصدوع التي أحدثتها السياسة في مسار تاريخ سورية والسوريين منذ العام 2011 وحتى الآن.

الرئيس بشار الأسد أول من استخدم تعبير «خط الصدع» في مقابلة له مع صحيفة «ديلي تلغراف» في تشرين الأول العام 2011، مستعيراً التعبير من الجيولوجيا وبشكل خاص علم الزلازل، وذلك لتوصيف الحدث السوري وموقعه في المنطقة والعالم، استناداً إلى موقع سورية الجغرافي، وعلاقتها مع الفواعل الدولية، ودورها العربي والإقليمي والعالمي، إذ حينها، أي في الأشهر الأولى من الأزمة السورية، قال الرئيس الأسد: «إن سورية تعتبر الآن محور المنطقة، وهي خط الصدع في الشرق الأوسط، ومن يتلاعب بها سيتسبب في حدوث زلزال»، وأضاف: «إن أي مشكلة تقع في سورية ستحرق المنطقة برمتها، وإذا كانت خطة الغرب تقسيم سورية فإن ذلك سينسحب على المنطقة كلها».

إن التعبير الذي أطلقه الرئيس الأسد، وبغض النظر عن معناه اللغوي والعلم الذي يستخدم فيه، فإن استخدامه في السياسة ورد على لسان الرئيس الأسد للدلالة على عمق الشروخ والكسور التي ستحدثها الحرب على سورية في المنطقة والعالم، ومن ثم فإن على الجميع التنبه إلى الأثر الكبير الذي سينجم عن المساس بسورية، ومدى انعكاسه على المنطقة والإقليم والعالم، فهو كالزلزال، يدمر ويغير، وهو ما شهدناه وما زلنا نشهده حتى الآن.

مع حدوث الزلزال في تركيا وسورية، اعتقد الكثير من المتابعين، أن هذا الصدع الأرضي سيسهم في ردم الصدوع التي أحدثتها «الأزمة / الحرب» على مدار أكثر من عقد من الزمان، سواء الصدع بين السوريين أنفسهم، أم بين الدولة والمناطق الخارجة عن سيطرتها، أم بين الدولة ومحيطها الإقليمي والعربي، أم بين دمشق وباقي العواصم العالمية والمنظمات الدولية، لكن لم يحدث ذلك، فصدوع الأرض لم تتمكن من ردم صدوع السياسة، وإن كانت قد حركت بعضها وشكلت فرصة للبعض للتعبير بصراحة وبوضوح عن موقفهم الحقيقي من سورية وشعبها، إلا أن الأغلبية بقي ملتزماً بموقفه العدائي من سورية، تاركين شعبها لمواجهة كل مسببات الموت بمفرده.

منذ وقوع الحدث، فجر يوم الأحد 6 شباط الجاري، سارع السوريون لإغاثة بعضهم بعضاً، وبينما سارعت الدولة السورية لإعلان استعدادها للقيام بواجباتها تجاه مواطنيها المقيمين في المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية، إلا أن الأخيرة منعت ذلك ولم تتمكن حتى الأمم المتحدة من إقناعهم بالسماح للهلال الأحمر العربي السوري بإدخال قافلة مساعدات إلى محافظة إدلب لتوزيعها على المتضررين، رغم الحصول على موافقات مبدئية بذلك سرعان ما يتم التراجع عنها، بما يوحي بأن تعليمات تأتي من جهات دولية داعمة لتلك التنظيمات، تدفعهم لرفض ذلك.

في السياق ذاته، وبينما السوريون بأمس الحاجة لمصادر الطاقة من مازوت وبنزين وغاز، لانتشال الضحايا وإسعاف المصابين ورفع الأنقاض وتوليد الكهرباء للمستشفيات ومراكز الإيواء، لم نسمع عن صهريج نفط واحد أتى من مناطق سيطرة الميليشيات الكردية في شمال شرق البلاد، حيث يتم سرقة النفط السوري برعاية أميركية.

وبينما أبدعت الكثير من الدول العربية والصديقة في إغاثة السوريين، بقيت دول أخرى وجامعة الدول العربية تتفرج على أوجاعهم وتستمع إلى أنينهم تحت الأنقاض، لقد اتخذت بعض الدول من صدوع الأرض طريقاً لجسر صدوع السياسة، فهاتف وأبرق الكثير من الرؤساء العرب الرئيس بشار الأسد معزين ومعلنين عن دعمهم ووقوفهم إلى جانب سورية، ورفع البعض تمثيله الدبلوماسي في سورية، حتى السعودية أرسلت طائرات إغاثة وتتردد أنباء، من دون تأكيدها، عن زيارة محتملة لوزير خارجيتها إلى دمشق، في خضم هذا الحدث الزلزالي، وبقي الغرب منزوعاً من الإنسانية، فهو الذي اعتاد تسييسها خدمة لمصالحه، وآلام السوريين من الإرهاب طوال عقد ونيف تشهد على ذلك.

يبدو أن صدوع الأرض، سلاح ذو حدين، فهي وإن تمكنت من ردم بعض الصدوع التي أفرزتها «الأزمة / الحرب» في سورية، إلا أنها قد تزيد من عمق واتساع الصدوع الأخرى، التي لا تزال قائمة وهي الأغلبية، وبين هذا الحد وذاك، يبقى السوريون على أمل استقرار والتئام صدوع الأرض وصدوع السياسة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن