من دفتر الوطن

شهادات شرف

| عصام داري

لم تنته آثار الزلزال المدمر بعد، إن كان على صعيد الخسائر البشرية والمادية، أو على صعيد مواقف وتصرفات الأفراد والشعوب والدول، وكذلك على صعيد الحالة النفسية التي ظهرت بشكل واضح خلال هذه الظاهرة الطبيعية المدمرة.

ربما ليس من حقي الشخصي أن أوزع شهادات حسن السلوك على الناس، وعلى الدول أيضاً، لكنني أتمسك بالتعبير عن رأي شخصي قد يوافقني عليه آلاف الأشخاص في سورية وخارجها.

بهذا المعنى يمكنني بكل ثقة منح الجزائر شهادة شرف عليا تقديراً لموقفها الإنساني المشرف الذي قامت به خلال الأزمة ومبادرتها بإرسال المعونات إلى سورية متحدية كل القرارات و«القوانين»: الأميركية.

وشهادة شرف للأشقاء في العراق الشريك في الدم والهم والاهتمام على مر التاريخ، ومن حق كل مواطن عراقي أن يفتخر بهويته الوطنية والقومية التي ظهرت من جديد خلال الكارثة التي تعرض لها السوريون، والعراق كان سباقاً في مد يد العون لسورية في كل الظروف، ولا ننسى دوره خلال حرب تشرين التحريرية.

والشعب الأردني الشقيق يستحق كل الشكر على تعاطفه مع أشقائه السوريين في أحلك الظروف، وهؤلاء «النشامى» يستحقون أيضاً شهادة الشرف بامتياز.

لن نعدد الدول والحكومات التي تستحق شهادات الشرف لأنها أصبحت معروفة بالمواقف ومنها الإمارات وإيران ولبنان وغيرها، لكننا نتوقف ملياً أمام الدولة الصديقة فنزويلا حكومة وشعباً فقد كان موقفها مشرفاً وهي الدولة الواقعة ما وراء المحيطات، لكن ذلك لم يمنعها من المبادرة وإرسال المعونات التي استغرق وصولها اثنتي عشرة ساعة طيران.

كل ما تقدم يعبر عن علاقات الأخوة والصداقة المتينة بين سورية وشعوب الأرض، من دون النظر إلى المواقف السياسية مسبقة الصنع التي تتخذها دول كبرى ودول صغيرة التزمت وارتبطت بالأوامر الأميركية ضاربة بالإنسانية عرض الحائط.

ربما علينا أن نعطي شهادة الشرف الأولى للسوريين الذين قدموا أروع صورة للتكاتف والتعاطف والمحبة والغيرية والعطاء إلى درجة أنهم قدموا كل ما يملكون للتخفيف من آثار الزلزال على إخوتهم المتضررين في المناطق التي تعرضت للضربة الزلزالية القوية والمدمرة.

على امتداد خريطة سورية كان التفاعل مذهلاً، ظهرت الروح السورية كأروع ما يكون، وبرهن السوريون على أنهم أبناء الحياة، وأصحاب النخوة والكرامة والعزة، فكان كل ما جرى تجربة مرة لكن نتائجها كانت ترجمة عملية لروح وطبيعة السوريين من دون استثناء.

على هامش ما جرى وبعيداً عن ميكافيللي ومقولته غير الأخلاقية المبنية على قاعدة (الغاية تبرر الوسيلة) شهدنا جدلاً واسعاً سببه تحريض بعض الناس وخاصة الفنانين في الداخل السوري على التبرع، وبشكل خاص بحليب الأطفال، فإن هذا الجدل البيزنطي ما كان يجب أن ينتشر أصلاً، فالقضية تتلخص بأن سورية بحاجة لمساعدات عاجلة تتضمن كل شيء، ومن طالب الفنانين بالتبرع لم يخرج عن الطلب العام، ومن ودون أن ننسى أن المعني بهذه المساعدات هم الأطفال، وعلينا أن نقدم الشكر لكل من لبى النداءات الحكومية الرسمية والنداءات الفردية، فكل هذه المعونات والمساعدات ضرورية للتخفيف من آثار الزلزال،.. نقطة أول السطر.

اليوم علينا التفكير بما بعد الزلزال من إعادة إعمار وترميم البيوت والنفوس معاً، ومن ثم نأتي إلى الأسئلة الكبرى حول المستقبل وربما محاسبة المقصرين والفاسدين، فالسفينة يجب أن تعود إلى مسارها الصحيح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن