ثقافة وفن

أنين الزلزال.. وما زال الأنين مستمراً

| منال محمد يوسف

وما زالت الأيام تمتثل لنا «كابوساً مرعباً» ولا تزالُ الأقلام ترتجفُ وتعجز عن كتابة ما حصل، وما زلنا نتمنى أن يكون ما حدث «كابوساً» نستفيقُ منه بسلامٍ، ونجد هدوء الفعل الماضي قبل الزلزال»، نجد البيوت مرفوعة، ونسمعُ ضحكات الطفولة والأطفال، ونرى وجوههم الملائكية غير خائفة.

ما زلنا نتمنى أن نستفيقُ من ليلٍ مُظلمٍ أخذ «وجوه الأحبة» وشرّد الكثير وتركهم بلا بيوتٍ

لا نزال نتمنى حدوث كلّ ذلك.

نتمنى أن تُحدّثنا أقلامنا وتقول لنا: (هذه رواية من بنات الخيال وليس لها صلة بالواقع)، نتمنى أن يحن علينا الزمن وتأتي أيامه لتترك بلسمها على خريطة معظم الجروح.

ولكن هل يحدث ذلك؟ أم «وقعتْ الواقعة» وحلَّ البلاء، وأصبحنا نحتارُ ويحتارُ الأدب معنا من أين نبدأ الكتابة؟ وكيف تستطيع أقلام الأدب تصوير قساوة ما حصل؟ وهل سيختفي وجع الزلزال بعد حين؟ أم إن قدريّة الأيام والأشياءِ ستكشفُ عن حقيقة بحر الوجع الذي يُحاصر السوريين من كلّ حدبٍ وصوبٍ..

وكأنّه قد أصبح قدراً قد أتى في ماضي الأيام والأفعال، وقد نرى هذا القدر كيف يأتي مع مُضارع الأيام الذي نعيش.

كلّ هذا يجعلنا نسألُ: أهو الألم واللون الأسود حقاً يليقُ بنا؟ أحقاً أصبحنا نقف على حدود الموت الذي لا يملُّ من المجيء إلى بيارات وقتنا؟ أحقاً صدق من قال بأن «أولادنا ليسوا لنا»، وأكثر من ذلك، كلّ ما نمتلك أصبح «ليس لنا»، لقد أصبح في مهبِّ الرّيح وعصف الزلزال وتكاثر الوجع كأنّه «يوم القيامة» يأتي وتأتي معه «أوجاعٍ قد لا تُحتمل»، وقد تعجز صنوف الأدب عن تصوير بعضها، وكذلك قد تعجز الكلمات عن وصف دمع الأطفال، وصرخة الثكالى، وصبر الرجال، قد تعجز عن كتابة بعض ما يمسح «دمع الأيام عن خدّهم».

قد تعجز عن كتابة شيءٍ يخصُّ «أوجاع الزلزال، وأوجاع السوريين» أبناء الوجع الحقيقيّ الذين تحدوا «ركام الأيام والأزمان معاً»، وكانوا خير من يُحقّق إبداعاً مميزاً في ابتكار لغات وعناوين الصبر الحقيقيّ، كانوا أبناء الحياة، وخير من يقول: إننا خير من تحدى ولا يزال يتحدى عصف الأزمات التي لم تمل من العصف بنا وببلدنا الحبيب، وخير من يقول: إننا أبناء هذه الأرض التي نُقدّس، نعشقُ الحياة رغم كلّ ما يمرُّ علينا.

ونحن من يقول دائماً: بأننا محكومون بالأمل رغم ألم الزلزال وأنينه الذي لا يزالُ مستمراً، محكومون بالأمل وسنبقى كذلك رغم «أنين الزلزال» وغيره من نوائب ألمّت بنا على مرّ العصور.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن