من دفتر الوطن

الخروج من الكابوس

| عصام داري

تغير المشهد بين ليلة وضحاها، بل ربما تغير بعد أربعين ثانية لا غير، وصارت العودة صعبة إلى ما كنا عليه قبل الكارثة.

الكتابة أصبحت غير، والكلمات تبدلت، لكننا سنعود عاجلاً أو أجلاً، فلا شيء يستمر إلى ما لا نهاية، هذه سنة الحياة وطبيعة الأشياء، يساعدنا في ذلك نعمة النسيان، لكننا لا ننسى بسهولة.

أريد الخروج من حالة الصدمة إلى حالة الوعي والاعتراف بأن الحياة ستستمر مهما كان حجم الكارثة، وأرى أن هذه العودة صعبة جداً وتحتاج إلى مزيد من الوقت، فالجراح لا تندمل بالسرعة التي نريدها، كما أن الإساءة اللفظية أو الفعلية لا يمكن غفرانها أيضاً.

أجد نفسي مضطراً لتوجيه رسائل عتاب، وبرقيات انتقاد شديد لبعض الناس الذين لم تعلمهم الأيام والتجارب والكوارث معنى الإنسانية والأخوة والمحبة.

مصيبة أن يستغل ضعاف النفوس الأزمات كي يزيدوا رصيدهم في المصارف والبنوك، وأن ترتفع أسعار كل شيء حرفياً بعد ساعات قليلة على وقوع الزلزال المدمر، فهذه الأسعار قفزت في الوقت الذي كانت مجموعات من البشر تعمل على إنقاذ الأرواح والأجساد المكومة تحت الأنقاض!.

ويل لهؤلاء الذين رفعوا أسعار كل شيء بما في ذلك أجار البيوت في وقت فقدت أسر بيوتها وأحباءها تحت ركام تلك البيوت، فكانت مصيبتهم مضاعفة، وخيبة أملهم كبيرة، فهل نزعت الرحمة والشفقة من الصدور ليحل محلها الجشع والطمع والتوحش بلا حدود؟.

مصيبة أن نتابع في حياتنا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أشخاصاً كل ما يقومون به أنهم ينتقدون كل شيء فينطبق عليهم مقولة (لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب) مع أننا في شعبان.

انتقادات بالجملة والمفرق وهم لا يحركون ساكناً، ولا يكلفون أنفسهم عناء مشاركة المنكوبين في مصابهم الأليم، ولو بكلمة تعاطف، أو بجهد يسهم- ولو قليلاً- في تخفيف آثار الكارثة وتضميد الجراح ومواساة الثكالى والمتضررين!.

غريب أن يحاول بعض المتنمرين انتقاد أشخاص أو مجموعات أو حتى دول بزعم التقصير في مساعدة سورية، أو من يحاول الإساءة لمن يعمل على الأرض مدفوعاً بعواطف وطنية وإنسانية، في حين لا يبادر هو إلى المساهمة في العمل الإنساني لتخفيف الآلام وبلسمة الجراح!.

أريد الخروج من حالة الصدمة، لكنني لا أستطيع، فصدمتي وصدمة السوريين كبيرة بعد كل الذي حصل، وكأن ما جرى لا يعني شيئاً لفئة من الناس اعتادت العيش على عذابات المعذبين، والتكسب على حساب الفقراء، وسرقة اللقمة من أفواه الجائعين!.

نحتاج إلى وقت كي نصدق أن ما حصل كان حقيقياً وليس مجرد كابوس مزعج علينا أن ننساه ونتجاوزه بسرعة، قبل أن يقطع أنفاسنا ويقتلنا!.

المشكلة أن قلة من الناس هي التي تعكر صفو الأكثرية التي تتحلى بالطيبة والغيرية، وهذا ما ظهر جلياً خلال أزمة طويلة تجاوزت اثنتي عشرة سنة، وليس فقط خلال وبعد كارثة الزلزال، وهذه القلة لا تنتمي إلى البشر، ولا تعرف معنى الإنسانية والتراحم، وهي خارج الزمان والمكان، ولكنها مع شديد الأسف هي التي تتحكم بالمشهد برمته، وأظن أنه قد آن الأوان لمحاسبتها.

سورية تستحق الأفضل، والتجارب الماضية أكدت ذلك، وفي الغد القريب سنحصد نتيجة ما زرعنا، والغد ليس بعيداً جداً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن