ثقافة وفن

الفنان الليبي الذي مات دمشقياً … عشرة أعوام على استشهاد «ياسينو» الحائز وسام الاستحقاق

| وائل العدس

قبل عشرة أعوام، استشهد الممثل السوري الليبي ياسين بقوش جراء قذيفة هاون أطلقتها مجموعة مسلحة على سيارته أمام منزله في مخيم اليرموك بدمشق عن عمر 75 عاماً.

وينتمي الراحل إلى جيل مؤسسي الكوميديا السورية، الذي انطلق في بداية ستينيات القرن الماضي مع أقطاب الكوميديا السورية دريد لحام ورفيق سبيعي وناجي جبر ونهاد قلعي بدور «ياسين» صاحب شخصية الإنسان البسيط والساذج.

هو واحد من أولئك العمالقة الذين أرسوا الكوميديا السورية سينمائياً ومسرحياً وتلفزيونياً، وأحد الأركان المهمة في الدراما السورية، حيث تخصص بشخصية مستقلة تماماً استطاعت أن تدخل قلوب الجماهير العربية والجماهير السورية.

«ياسينو» صاحب المسيرة الإبداعية المتميزة ترك فراغاً لا يستطيع أحد ملأه، لأن التميز والخصوصية كانتا أهم سماته خلال هذه المسيرة التي لا يستطيع أحد ملامستها.

مجد وشهرة

بعدما شبّ ياسين بقوش نمت ميوله الفنية، وراح يحتاج إلى فضاء يعبر فيه عن ذاته ومكنوناته، فاندفع باحثاً عن فرصة يثبت فيها موهبة يقدمها ويحكي فيها هموماً يومية.

اكتشفه القصاص الشعبي حكمت محسن وأشركه معه في سلسلة إذاعية كانت بعنوان: «متعب أفندي» حيث كانت المحطة الإذاعية الأولى له وبعد هذه الفترة انتقل إلى المسرح القومي.

ورغم أن مجده صنع برفقة مؤسسي الكوميديا السورية دريد لحام ونهاد قلعي ورفيق سبيعي وناجي جبر وسامية الجزائري ونجاح حفيظ، إلا أن البداية كانت على يدي عبد اللطيف فتحي الذي أسس فرقة «المسرح الحر» حيث عمل ياسين معه منذ عام 1956، ثم انتقل إلى «مسرح العرائس»، وكان واحداً من ممثلي المسرح القومي، وعمل في مسرحية سعد اللـه ونوس «سهرة مع أبي خليل القباني» للمخرج أسعد فضة، إضافة إلى عمله أواخر الستينيات مع عمر حجو في «مسرح الشوك».

وفي عام 1974، أسس شراكة فنية مع يوسف حرب وشكلا فرقة أطلقا عليها «التجمع النقابي»، الفرقة الدرامية التي قدمت مسرحيات كثيرة تجاوز عددها الثلاثين، منها «الليلة عرسي» و«حبي ومستقبل غيري» و«زوجتي مليونيرة».

بداياته المسرحية مهدت له الانتقال إلى الدراما التلفزيونية بعدما انتشر التلفزيون وصار له جمهور واسع ينتظر المسلسلات والتمثيليات التي يبثها، وقد كانت مشاركة ياسين الأولى في مسلسل «رابعة العدوية» عام 1961 ثم مسلسل «مساكين» عام 1969. كما قدم مع المخرج الراحل شكيب غنام مسلسل «زقاق المايلة» عام 1972.

«ياسينو»

لكن كل ذلك كان نقطة في بحر الشهرة التي حصدها الكاراكتر الذي صنعه نهاد قلعي، فرسخ «ياسينو» في ذاكرة الجمهور ولم تتمكن سنوات غيابه الطويلة من محو أثره.

من «صح النوم» إلى «مقالب غوار» و«ملح وسكر» و«وادي المسك» و«عريس الهنا» و«تلفزيون المرح»، ظل بقوش أسير شخصية تولف الطيبة والفرح الذي يولد من رحم السذاجة.

ورغم بساطته في أدواره الفنية إلا أنه كان فناناً مثقفاً يقرأ كثيراً.

قدّم عشرات الأعمال التلفزيونية والسينمائية الكوميدية، ومنها ما اعتمد عليه كممثل رئيسي مثل «ياسين تورز» و«ياسين في المطبخ».

وفي عام 2003 استطاع الخروج من قالب الشخصية التي أمسكت به عشرات السنين عندما جسد دور حاخام يهودي في المسلسل التاريخي «سيف بن ذي يزن»، وشخصية تاريخية في «بهلول أعقل المجانين» الجزء الثاني عام 2008، وكان آخر مسلسل له «صايعين ضايعين» عام 2011.

في السينما

سار ياسين بقوش في العمل السينمائي إلى جانب أعماله الدرامية مع دريد ونهاد، فاشترك في أفلام عديدة يجسد الشخصية ذاتها بطيبتها وبساطتها، مُركزاً تنميطه في إطارها في تلك الأفلام، مثل «غزلان» (1969) و«الثعلب» (1971) و«مقلب حب» و«شقة ومليون مفتاح» و«رحلة حب» (1972) و«عروس من دمشق» (1973) و«عنترة فارس الصحراء» و«غوار جيمس بوند» و«الغجرية العاشقة» و«النصابين الخمسة» و«غراميات خاصة» (1974).

وفي العام الذي يليه (1975) شارك في «المزيفون» و«الاستعراض الكبير» و«صح النوم» و«العندليب»، حتى قدم في عام 1980 «حارة العناتر» و«تفضلوا ممنوع الدخول» و«أمطار صيفية» (1984).

وعاد مجدداً إلى السينما عام 2000 في «حارة الطنابر» ثم «الرجل الضاحك» عام 2002، إلى أن جاء المخرج محمد عبد العزيز وانتشله سينمائياً من إطار «ياسينو» في فيلم «نصف ميليغرام نيكوتين» عام 2009 عندما قدمه بدور عارض سينما، ومرة أخرى جعله مختاراً في فيلم «دمشق مع حبي» عام 2011.

وسام الاستحقاق

أصدر السيد الرئيس بشار الأسد المرسوم رقم 96 للعام 2013 لمنح بقوش وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة تقديراً لجهوده وإنجازاته في خدمة الفن، سلمته الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية لعائلته.

ونوهت العطار وقتها بما قدمه الفنان ياسين بقوش إلى جانب رفاق دربه من إنجازات للفن والوطن في رحلة عمر حملت مشاعل الإبداع ترك فيها بصماته في حياتنا الفنية الناشئة منذ بدايات ستينيات القرن الماضي في المسرح والسينما والتلفزيون.

وأكدت أن يد الإجرام الأسود التي اغتالت بأبشع طريقة فناناً جماهيرياً أحبه الناس هي نفسها التي تعيث في أرضنا وتختطف أحباءنا ومناضلينا والصفوة من أبنائنا وشبابنا وتعمل على تدمير بيوتنا ومنشآتنا ومساجدنا وكنائسنا ومستشفياتنا ومدارسنا ودور الأهل الآمنة في أحيائنا وتقوم بتدمير اقتصادنا وتراثنا وتستلب لقمة العيش من أطفالنا.

وأشارت إلى أن الفنان الراحل ينضم إلى قوافل المجد من كتاب وإعلاميين ومبدعين كما المناضلين من أبناء جيشنا البواسل الذين أعددناهم لحماية أرضنا من كل عدوان متوقع ولم نتصور مطلقاً أنهم سيقضون على أيدي إخوة لهم من سورية مغرر بهم أو من الوطن العربي الذي كنا وما زلنا على استعداد لافتدائه بالروح وبكل ما نملك.

وشددت على أن سورية احتضنت ياسين بقوش ابن ليبيا الشقيقة وتبنته كما تبنت كل عربي وجد فيها ملاذاً لم يشعر يوماً أنه ليس ابن سورية وهو القائل: «لم أشعر يوماً أنني من ليبيا.. هذا البلد الأمين سورية لم يعلمني سوى الخير والمحبة.. هذا البلد عشت فيه كل حياتي تربيت وكبرت وعملت وتزوجت وأنجبت في كنفه ولن أغادره إلا إلى الموت ولن أغادره ولو مت أنا وأطفالي من الجوع».

وقالت: «إن ياسين بقوش باقٍ في قلوبنا وفي ذاكرتنا وفيما ترك من أعمال.. سلام عليك شهيداً يا أبا الهيثم وسلام على كل شهدائنا الذين رووا أرضنا بدمائهم أطفالاً ونساء ورجالاً.. وسلام على أبطالنا البواسل من قواتنا المسلحة الذين قضوا وهم يدافعون عن أهلهم ووطنهم وسلامه واستقراره وما بدلوا تبديلاً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن