رياضة

قضايا الدوري الكروي على بساط البحث … هل هناك أزمة تحكيم وما الحلول لاسترجاع ثقة الحكام؟ .. عقوبات كثيرة وغرامات مالية تجاوزت الـ65 مليون ليرة

| ناصر النجار

الدوري الكروي السوري في مرحلة الذهاب كان كثير التوقف كثير المفاجآت، وكثير العقوبات، والمميز في هذا الموسم كان لجنة الانضباط والأخلاق بقراراتها الصارمة التي أحدثت في بعضها جدلاً واسعاً.

ولم ينج ناد من سيف العقوبات، فكل الأندية تعرضت للعقوبات وإن كانت متفاوتة من ناد لآخر حسب حجم المخالفة.

بكل الأحوال كان النشطاء على الفيسبوك من أنصار الأندية لا يفترون عن تصيد العقوبات وهذا هو الحال الذي قام عليه الدوري في القسم الأول منه.

لكن السؤال الملح: ما أسباب الشغب الذي سيطر على الكثير من مباريات الدوري؟

والجواب كان دائماً ملصقاً بالقرارات التحكيمية التي إما لم ترق إلى الصواب أو إن الصافرات لم ترض الجمهور وتوجهه وآماله وأحلامه.

ولأن المنافسة على الصدارة كانت ملتهبة ومزدحمة فمن الطبيعي أن تتحول هذه المنافسة في بعض فصولها إلى ما يشبه التشنج والعصبية والخروج عن أدب الملاعب.

تشنج مع الحكام

ويمكننا هنا التركيز على بعض المباريات التي كانت نقطة علام في الشغب وأهمها مباراة الكرامة مع جبلة والوثبة مع تشرين والوحدة مع أهلي حلب، أما المباراة التي كانت مؤثرة بقراراتها التحكيمية بوضوح فهي مباراة الفتوة مع الجزيرة، تليها مباراة الوثبة مع الكرامة.

والحادثة غير المعتادة أسفرت عن اعتزال الحكم الدولي مسعود طفيلية بعد اعترافه بالخطأ المرتكب باحتسابه ركلة جزاء للفتوة في الوقت بدل الضائع خسر من خلالها الجزيرة.

وتاريخنا الكروي يسجل حادثة الدولي باسل حجار الذي تعرض للضرب بعد لقاء الكرامة والطليعة في أواخر العقد الماضي، والثانية عندما اعتزل المرحوم عدنان بوظو التحكيم نهاية السبعينيات لعدم احتسابه جزاء صحيحة للكرامة، وفاز الجيش وقتها بهدف وحيد.

التحكيم كان مشكلة المشاكل هذا الموسم، واضطر اتحاد الكرة بناء على طلب نادي الفتوة للاستعانة بطاقم تحكيم أردني لمباراته مع جبلة، وتكرر الأمر بلقاء تشرين مع جبلة.

وعلى ما يبدو أن المسألة التحكيمية تمر بمرحلة مخاض عسيرة نظراً لضعف القاعدة التحكيمية من جهة ولقلة عدد الحكام المؤهلين لقيادة مباريات الدوري الكروي الممتاز، ودوماً الاعتماد على عدد محدد من الحكام بقيادة مباريات الدوري يفضي إلى مشاكل نحن بغنى عنها.

بيد أن الأمر الصعب يكمن في عدم تقبل بعض الأندية للحكام لدرجة أن بعض الأندية وضعت (فيتو) على بعض الحكام لحساسية سابقة ولظنها أن هذا الحكم ليس محايداً وقد يخسر الفريق بسبب ظلماً.

حلان لا ثالث لهما

لا يمكن الانتهاء من المشكلة التحكيمية إلا عبر طريقين يعرفهما القاصي والداني ويحتاجان إلى التطبيق الفوري والعملي، الطريق الأول هو العناية بالحكام من خلال العناية بنخبة الشباب الموهوب، وكما نعلم أن الاهتمام يجب أن يرافقه آليات، فتطوير الحكام ليس جهداً شخصياً يقوم به الحكم، إنما هو جهد جماعي مطلوب من اتحاد كرة القدم، فكما يقوم الاتحاد بإجراء معسكرات لمنتخباته والتعاقد مع مدربين أجانب، فعليه أن يفعل ذلك مع حكامنا ولا بأس من التعاقد مع خبراء لتطوير المسألة التحكيمية، الحديث في الكواليس يتم عن (خيار وفقوس) ضمن الأسرة التحكيمية، فهناك حكام مدعومون وآخرون مهملون، ووجود الخبراء قد ينهي هذه المشكلة فيتم اختيار الحكام الأفضل في عمليات التطوير والتأهيل والتكليف.

أيضاً لابد من دعم الحكام وحمايتهم وتوفير كل الوسائل المالية والتقنية والمعنوية ليقدم الحكم كل ما عنده من جهد وخبرة، وهذا الأمر بحاجة إلى بعض الوقت، وليس بالأمر السهل تحقيقه إنما يمكن بالاستمرارية والديمومة أن نعيد الهيبة والألق لحكامنا وتحكيمنا ولو بعد سنوات قليلة، وحتى يتم تحقيق هذا الحلم لا بأس من الاستعانة ببعض الحكام من دول الجوار عبر اتفاقات ثنائية وستكون هذه الاتفاقيات بمصلحة حكامنا الذين سيقودون مباريات في الدوريات العربية.

الطريق الثاني يكمن في بث الثقافة التحكيمية في لاعبينا وكوادرنا، فهناك الكثير من التعديلات على قانون التحكيم يجب أن يعلم بها الجميع، قبل أن يتم تقييم أي حالة أو الاعتراض على قرار أو صافرة.

هذه المهمة يجب أن تكون بالتعاون بين اتحاد الكرة والأندية عبر ندوات تثقيفية، وفي كل الأحوال فإن تحلي كوادرنا ولاعبينا بالثقافة التحكيمية الصحيحة يلجم الكثير من حالات الشغب المفتعلة، ونحن على يقين أن فتيل الشغب يبدأ من داخل الملعب قبل أن ينتقل إلى الجمهور على المدرجات.

منابع الشغب

من خلال المتابعة الدقيقة لكل بواعث الشغب ومسبباته نجد أن المنابع بالأصل فردية والشغب يبدأ فتيله من أرض الملعب قبل أن يشتد على المدرجات، ولو أن كوادر الفرق ولاعبيها التزموا بالانضباط لتراجعت حدة الشغب إلى أكثر من النصف، ومع أن لجنة الانضباط والأخلاق التزمت ببنود القانون واللائحة المعتمدة لكبح جماح الشغب وتنفيذ القرارات الانضباطية على المخالفين إلا أن هذا لم يؤت الثمار المطلوبة رغم تراجع حدة الشغب واقتصاره على مباريات قليلة على حين كانت المخالفات الصادرة عن الجمهور طبيعية دون أي جديد، فجمهورنا اعتاد الشتم والسب والقذف ورمي الحجارة والزجاجات الفارغة في أي حالة لا تعجبه القرارات التحكيمية.

ومن المخالفات المرصودة رمي المفرقعات والألعاب النارية واستعمال الشماريخ وإن كانت تعبر عن الفرح بالفوز أو تسجيل هدف إلا أنها مخالفة للقانون خشية حدوث أذى لمن على أرض الملعب أو من هم بين الجمهور كما حدث قبل موسمين عندما قضى نحبه أحد مشجعي حطين بفعل هذه الشماريخ.

الملاحظ أن العقوبات الفردية طالت رؤساء أندية وأعضاء إدارات ومديري فرق ومدربين بكل الاختصاصات ومنسقي فرق ولاعبين، واللافت أن أغلب اللاعبين الذين تعرضوا للعقوبات هم من أبرز لاعبينا دوليين سابقين وحاليين ومحترفين في الخارج ومن هؤلاء: خالد إبراهيم وأنس بلحوس ومحمد ريحانية ومحمد كامل كواية وهادي المصري ومصعب بلحوس وتامر حج إبراهيم وعبد الملك عنيزان وهمام أبو سمرة وإبراهيم العبد الله ومحمد كرومة وأخيراً وليس آخراً أحمد الصالح.

وإذا علمنا أن هؤلاء من المفترض أن يكونوا قدوة لغيرهم من اللاعبين لأنهم كانوا وما زالوا نجوم الدوري المحلي على الأقل وهم مطلوبون لأي ناد في الدوري.

ما يمكن تدوينه من ملاحظات في هذا الجزء المهم من الدوري أن أغلب أنديتنا تفتقد إلى الانضباط داخل أرض الملعب وهذا يدل على أن الأمور لا تسير في الأندية بسلاسة وضمن الأصول المرعية، فعندما يكون اللاعبون فاقدين للانضباط تكون تركيزهم الذهني ضعيفاً في المباراة، وأي مباراة فقد اللاعبون تركيزهم خسروها.

الوثبة (على سبيل المثال) اعترض على قرارات الحكم بلقائه مع تشرين، الاعتراض كان صاخباً ورافقه احتجاج من الجمهور طال الحكم من شتم وقذف وطال أرض الملعب بالحجارة والزجاجات الفارغة وأدت هذه إلى إصابة أحد لاعبي الوثبة!

النتيجة خسر مالياً بغرامات بلغت ستة ملايين وعقوبات توقيف طويلة لأفضل اثنين من لاعبيه غابا في (عز المنافسة) لثلاث مباريات.

في مباراة الوحدة مع أهلي حلب انطبق عليها القول: (مو رمانة، قلوب مليانة) فالمباراة كانت متوترة على صفحات الفيس قبل إقامتها وفضلاً عن التنافس الساخن بين الجمهورين كان وجود مدرب الوحدة السابق ماهر بحري على دكة فريق أهلي حلب زاد من التوتر وزاد منه هدف الأهلي غير الإنساني فتوترت المباراة وخرجت عن الآداب الرياضية المفترضة.

أما الكرامة فقد وقع ضحية العصبية وقرار الحكم باحتساب ركلة جزاء جدلية لمصلحة جبلة في الوقت بدل الضائع بعد أن كان التعادل السلبي سائداً في المباراة، الأحداث اتجهت بالمباراة نحو المجهول وتحول الملعب والمدرجات إلى هرج ومرج بات من الصعوبة بمكان السيطرة عليها. وبالمحصلة العامة فإن الكرامة وقع ضحية هذه التوترات بغرامات مالية بالملايين وإقامة مباراة بلا جمهور وإيقاف أربعة من أفضل لاعبيه لمدة ثلاث مباريات، وآخر الأمثلة التصرف الطائش الذي بدر عن مدافع سورية الدولي السابق وكابتن المنتخب ومدافع الجيش أحمد الصالح بالاعتداء على الحكم بالضرب فضلاً عن السب والشتم بأبشع العبارات وأقذرها وقد صدرت بحقه العقوبة المناسبة.

هذه الأمثلة التي أوردناها تدل على أن الشغب يحيق بأهله سوءاً وأذية ولا يغير من الواقع في شيء، ولأن كرة القدم لعبة أخطاء فإن الجميع معرض لكي يخطئ فيها، قد يكون الخطأ صادراً عن المدرب بعدم اختياره التشكيلة المناسبة أو أسلوب اللعب، وقد يكون هذا الخطأ مصدره مهاجم يضيّع الفرص السهلة هباء أو حارس مرمى مهزوز يتسبب بخسارة فريقه، وكل ذلك ليس عيباً في عالم كرة القدم، وهذه الأخطاء تحصل مع أفضل المدربين واللاعبين الدوليين النجوم، لكن المشكلة أن الجميع لا ينظر إلا إلى الأخطاء التحكيمية ومن هنا تبدأ المشكلة.

حقائق مهمة

في البنية الفكرية لأنديتنا أن موضوع الضبط ضعيف، والمفترض أن تكون لدى إدارات الأندية قواعد تضبط من خلالها كوادرها ولاعبيها، وفي هذا الخصوص نتمنى لو أن إدارات الأندية بادرت إلى معاقبة لاعبيها المخالفين قبل أن تصدر بحقهم العقوبات الاتحادية، أيضاً لابد من وضع آليات مجدية لحسن التعامل مع الجمهور والتواصل معهم للتخفيف من حدة الشغب، وهذا الأمر بحاجة إلى تحركات سريعة للوصول إلى تشجيع هادف بعيداً عن الشحن والعصبية والحساسية، ندرك أن الموضوع صعب لكن يجب أن يندرج ضمن الثقافة العامة للأندية وضمن خطط عملها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن