قضايا وآراء

حقائق العام الأول من العمليات الروسية الخاصة في أوكرانيا

| محمد نادر العمري

بعد مرور عام على بدء العمليات الروسية في أوكرانيا، باتت العناوين الأساسية في إطار ما تشهده الجغرافيا الأوكرانية من طبيعة وشكل وأطراف الصراع المتخاصمة أكثر وضوحاً بالأهداف والغايات المعلنة وغير المعلنة والدوافع التي تشكل دور كل فاعل سياسي وعسكري في هذه الرقعة.

ومن غير المعقول بالدرجة الأولى أن نعتبر ما يجري في أوكرانيا مجرد حرب عسكرية تقليدية بين روسيا الاتحادية المصنفة ضمن مستويات الدول العظمى، أو ما يعرف اليوم سياسياً بالدول الصاعدة لمصاف الدول العظمى، وبين أوكرانيا، إحدى الدول السوفييتية السابقة، بل إن ما تشهده الساحة الأوكرانية بكل المقاييس، هو صراع دولي، لكون هذه الجغرافيا تشهد مشاركة العديد من القوى والفواعل السياسية والعسكرية بما في ذلك التكتلات العسكرية الجماعية، وهنا نقصد بشكل تحديد «حلف شمال الأطلسي»، كما أن الأهداف الكامنة خلف هذا الصراع هو خلق واقع جيو إستراتيجي جديد يتمثل بالنسبة للروس وحلفائهم بالحد من هيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي، وحماية الأمن القومي الروسي، ووقف زحف «ناتو» في تمدده الجغرافي نحو الشرق، أما بالنسبة للغرب فإن الهدف الجيو إستراتيجي يتمثل في أكثر من مسار، أولها احتواء روسيا ووضعها بين فكي كماشة «ناتو» وجعلها في حالة تهديد مستمر، وثانيها وقف تأثيرها ونموها السياسي والعسكري، وثالثها استنزاف مقدراتها المختلفة، كما أن تعدد الأطراف الفاعلة في هذا الصراع بشكل فردي أو جماعي وفي إطار التنوع في المواقف بما فيها الحياد، يجعل هذا الصراع دولياً، ومما يؤكد هذه الحقيقة أيضاً تنوع أدوات المواجهة المختلفة وعدم حصرها في الإطار العسكري، إذ إن العام الأول من العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، أغلق آخر فصوله بعدما شهد في كل مرحلة شكلاً جديداً ومتنوعاً من المواجهة العسكرية والاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية والاجتماعية والدينية.

ومن الحقائق الأخرى التي أظهرتها أيام العام الأول من هذا الصراع الدولي، تتمثل في مروحة من النقاط يكمن أبرزها على النحو الآتي:

أولاً- من المؤكد أن نتائج هذا الصراع لن تقتصر فقط ضمن الحدود الجغرافية لأوكرانيا، بل ستطال تأثيراتها على مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية للنظام الدولي، لذلك كل طرف من الأطراف سواء كانت روسيا الاتحادية مع حلفائها أم الغرب بدوله وتكتلاته، يضعون كل ثقلهم لحسم هذا الصراع لمصلحتهم، ومن شأن النتائج المترتبة على هذا الصراع، أن يعيد رسم ومعالم وشكل وطبيعة النظام الدولي، فإما أن نكون أمام نظام دولي جديد تتراجع به هيمنة أميركا في حال حسم الصراع لمصلحة الروس، أو إننا قد نشهد نظاما دوليا ينتقل نحو التفاهم والتعاون في حال تغير الموقف الأميركي أو طاقم إدارتها عام 2024، أو نكون أمام نظام دولي قائم على الفوضوية والصراعات المختلفة في حال استمرار الصراع على ما هو عليه.

ثانياً- بعد فرض الحصار الاقتصادي وسلة العقوبات الغربية على روسيا، فإن ذلك أدى لتبلور صيغ تحالفات جديدة أو سرّع من تمتين هذه التحالفات، مثل التقارب الصيني الروسي من جانب، وعودة العلاقات المتينة ما بين الأطلسي وواشنطن بعد فترة الجفاء التي شهدتها العلاقات بين الجانبين أثناء ولاية الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، حيث شكل الدفع الأميركي للغرب في الانخراط بالأزمة الأوكرانية، فرصة لإدارة جو بايدن بأن يتخلى الأوروبيون وخاصة الفرنسيين والألمان، عن فكرة الجيش الأوروبي الموحد على سبيل المثال لا الحصر، كما أن هذا الدفع حقق أحد أهم أهداف واشنطن الجيوإستراتيجية والمتمثلة في إنهاء حالة الغزل والتقارب بين روسيا والأوروبيين.

ثالثاً- هذا الصراع لا يبدو أنه سيكون قريب الحل، بل هو قد يمتد لأعوام، على الأقل حتى انتهاء ولاية بايدن، والدليل على ذلك هو تقديم الأميركيين والأوروبيين كل الإمكانات المتنوعة لأوكرانيا لمواجهة روسيا.

رابعاً- هذا الصراع كان يحضر له منذ عام 2014 من الغرب، بهدف جر روسيا إلى مستنقع من الاستنزاف أو دفعها للقبول بالأمر الواقع، وما يؤكد ذلك تجهيز مجموعة «أزروف» وتدريبها وتسليحها، وتغير القيادات العسكرية الأوكرانية المدربين من السوفييت بقيادات مقربة من الغرب.

خامساً- أكد هذا الصراع أن المنظمات الدولية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لحل الأزمات والصراعات والحروب بالطرق والوسائل السلمية وفق القوانين والمعاهدات الدولية، هي مجرد مؤسسات وشعارات براقة، فقد تحولت هذه المنظمات إلى منصات تدار من الغرب للضغط على روسيا، وباتت القوانين مخترقة بكل المعايير والمقاييس، وهو ما يهدد بالفعل بسقوط آليات العمل والتعاون الجماعي.

سادساً- أظهر الصراع في أوكرانيا أن هناك وسائل وآليات للمواجهة أشد بكثير من الحرب العسكرية الكلاسيكية، فقد بات الإعلام والحرب النفسية أحد أبرز هذه الآليات، كما أن توظيف المرتزقة وتحولهم لإحدى الأدوات الفاعلة للسياسات الخارجية للدول من الأدوات الفاعلة في الصراعات التي يشهدها النظام الدولي، وباتت الوسائل الأمنية والتجسسية والبيولوجية من أبرز أشكال الصراعات.

سابعاً- أكثر الأطراف تضرراً من هذا الصراع هي الدول الأوروبية، فعلى الصعيد السياسي بدأت بعض الأنظمة تشهد صعود اليمين المتطرف وتتسع صيغ العنصرية والتطرف، أما الجانب الاقتصادي فشهد تدهوراً من حيث التضخم وزيادة في النفقات الحكومية، أما الجانب الاجتماعي فلم يكن أفضل حالاً بل باتت مسألة الأمن الاقتصادي والطاقوي والأمني للفرد أو الجماعات في حالة تهديد، كما أن الجانب الأوروبي بات رهينة الغلاء الفاحش لمصادر الطاقة الأميركية، في حين أن تركيا والصين قد تستفيدان من هذا الصراع، إذ إن عدم الانخراط التركي في فرض العقوبات على روسيا ساهم بتحولها لوسيط دولي بين الجانبين لرعاية المحادثات الدبلوماسية وتصدير المواد الزراعية والطاقوية وهو ما يعود عليها بالفائدة سياسياً واقتصادياً، كما أن الصين تجد في الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا فرصة للحد من احتمال ذهاب الغرب نحو استثمار قضية تايوان، وقد يكون للصين في المستقبل القريب الدور الأكبر لرعاية المحادثات وطرح المبادرات، انطلاقاً من أن «مصائب قوم عند قوم فوائد».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن