من دفتر الوطن

الضارة نافعة

| حسن م. يوسف

عصارة ما علمتني إياه الحياة هو أنه ما من شيء في هذا العالم أحادي الدور أو أحادي الطبيعة، وقد أثبتت لي قراءاتي المتنوعة عن شركائنا في الحياة على سطح كوكب الأرض هذه الحقيقة، فعلماء الأحياء يؤكدون أن زوجاً من الفئران يستطيع خلال عام ونصف العام أن يتكاثر، بحيث يصبح عدد الأبناء والأحفاد وأحفاد الأحفاد أكثر من مليون! ويستنتج العلماء أنه لولا الأفاعي التي تأكل الفئران، لملأت الفئران العالم. أما الأفاعي فهناك أنواع نادرة منها تفقس بيوضها داخل رحمها، أي تلد، غير أن معظم الأفاعي تضع بيوضاً قد يصل عددها إلى المئة وتتركها لتفقس بعد شهرين أو ثلاثة، وخلال هذه المرحلة يقوم النمل بأكل الأغلبية العظمى من تلك البيوض، وقد قرأت مقالاً بعنوان: «شكراً للنمل» يقول كاتبه إنه لولا قيام النمل بأكل أغلبية بيوض الأفاعي لكانت الأفاعي ملأت العالم!

قبل فترة قرأت مقالاً عجيباً عن بلدة أميركية صغيرة اسمها (إنتربرايز) Enterprise، مثل اسم سفينة الفضاء في مسلسل الخيال العلمي الأميركي Star Trek (رحلة النجوم). تقع هذه البلدة في جنوب شرق ولاية ألاباما الأميركية، وما أكسبها الشهرة على مستوى العالم، هو أنها تقيم في منتصف الشارع الرئيسي الذي يخترقها نصباً تذكارياً يمثل امرأة جميلة ترفع فوق رأسها حشرة دميمة مؤذية هي خنفساء القطن!

في عام 1881 قام تاجر بسيط ببناء دكان له عند تقاطع دربين في المنطقة، معتمداً في رزقه على الفلاحين الذين يعملون في حقول القطن، فاجتذب دكانه عدداً من المستوطنين، وهكذا تأسست بلدة إنتربرايز.

في عام 1915 وقعت مصيبة كبرى على رؤوس سكان بلدة إنتربرايز الصغيرة إذ هاجمت أمواج من خنفساء القطن حقول البلدة ودمرت المحصول تدميراً تاماً، لا في بلدتهم وحدها، بل في مقاطعة كوفي التي تتبع البلدة لها، ما أدى لانهيار الاقتصاد في تلك المنطقة. وخشية تكرار المأساة في الموسم التالي، وجد المزارعون المفلسون أنفسهم مضطرين لزراعة أشياء غير القطن، فزرع معظمهم الفول السوداني، المعروف عندنا بـ(فستق عبيد) على حين زرع آخرون الذرة ومحاصيل أخرى.

وفي نهاية الموسم فوجئ من زرعوا الفول السوداني بأن دخلهم قد فاق ما كانوا يكسبونه من زراعة القطن بعدة أضعاف، فتوجه كل فلاحي المنطقة لزراعة الفول السوداني، ما أدى لازدهار المنطقة برمتها، وقد لقبت بلدة إنتبرايز فيما بعد بـ«المركز العالمي للفول السوداني». ولكيلا ينسى أهل تلك المنطقة فضل خنفساء القطن، فقد شيدوا لها نصباً تذكارياً في مركز المدينة، كي يتذكر كل من يروا ذلك النصب التذكاري الدور المفيد الذي لعبته هذه الحشرة المؤذية في حياة تلك البلدة! كلي أمل أن تضطرنا المأساة التي نعيشها- نحن السوريين- لأن نتخلى عن أنماط التفكير التي أثبتت عقمها وأن ندرك أننا نحن الحل لمأساتنا، وعندما يحل السلام في ربوع سورية الحبيبة، فلن أمانع في إقامة نصب تذكاري (للحشرات) المؤذية التي أجبرتنا على تغيير نمط تفكيرنا!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن