ثقافة وفن

إبراهيم ناجي.. الشاعر الطبيب… الأطلال ورحلة مع الرومانسية

| د.رحيم هادي الشمخي

ومشينا في طريق مقمر.. تثب الفرحة فيه حولنا.. وضحكنا ضحك طفلين معاً.. وعدونا فسبقنا ظلّنا..

كلمات بالغة الرقة والعذوبة التي تتدفق إحساساً وشاعرية، إنها بعض أبيات من قصيدة (الأطلال) لأمير الرومانسية الشاعر الطبيب (إبراهيم ناجي)، وكم تمنى هذا الشاعر أن تغني (أم كلثوم) من أشعاره، وشاء القدر أن تتحقق أمنيته، ولكن بعد وفاته بست عشرة سنة، حين اقترن اسم (ناجي) بقصيدة الأطلال التي لحنها (رياض السنباطي) وشدت بها كوكب الشرق أم كلثوم في عام 1969، أصبح يطلق على صاحبها (شاعر الأطلال)، رغم أن (محمد عبد الوهاب) غنى له أيضاً قصيدة (القيثارة).

ولد الدكتور إبراهيم ناجي بن أحمد ناجي القصبجي في محافظة الدقهلية في 31 عام 1898، وكان ترتيبه الثاني بين سبعة أشقاء، وقد ورث عن والده حب العلم والأدب مع الدأب على القراءة والقدرة على استيعاب اللغات، إذ كان يجيد الإنكليزية والفرنسية، وفي عام 1922 تخرّج إبراهيم ناجي في كلية طب قصر العيني، وعُيّن طبيباً في المستشفى نفسه ثم في وزارة الصحة ثم انتقل إلى الأوقاف حتى شغل منصب مراقب عام القسم الطبي في الوزارة، وظهرت موهبته الشعرية وعمره ثلاثة عشر عاماً حين كتب قصيدة (على البحر)، وبدأ يصقل موهبته وينهل من الثقافة العربية القديمة، فدرس علم العروض والقوافي وقرأ (المتنبي) و(ابن الرومي) و(أبو نواس)، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد (شيلي) و(بيروث)، واشتهر شعره باتجاه الرومانسي الوجداني، كان يقول عن الشعر «إنه النافذة التي أطل منها على الحياة، هو الهواء الذي أتنفسه، وهو البلسم الشافي الذي أداوي به جراح نفسي».

وكانت تربطه صداقات بثلاثة شعراء من الدقهلية أيضاً، وهم (صالح جودت) و(علي محمود طه) و(محمد عبد المعطي الهمشري) وكانوا يجلسون معاً على صخرة بكورنيش النيل الجميل في مدينة المنصورة، أطلقوا عليها صخرة الملتقى وكتب كل منهم ما قاله (ناجي) عنهم:

ساءلتك يا صخرة الملتقى

متى يجمع الدهر ما فرقا

صدر لـ(ناجي) أربعة دواوين (من وراء الغمام، ليالي القاهرة، الطائر الجريح، في الليل)، لكن ما لا يعرفه الكثيرون عنه أن ناجي له أعمال قصصية، منها (عالم الأسرة، ومدينة الأحلام)، كما قام بترجمة 150 قصيدة لشكسبير، وبودلير قصائد من ديوان (أزهار الشر)، وأصدر مجلة طبية باسم (الحكمة)، وكان (ناجي) طبيباً عاشقاً لمهنته وشعره، فأطلق عليه شاعر الأطباء وطبيب الشعراء، كان يمارس الطب بروح إنسانية، ومن قصائده:

الناس تسأل والهواجس جمة

طب وشعر كيف يتفقان

الشعر ملحمة القلوب وسره

هبة السماء منحة الديان

والحب مرحمة الجسور ونبعه

من ذلك الفيض العلي الشان

وتوفي الدكتور إبراهيم ناجي في 24 مارس من عام 1953، وهو يمارس عمله في عيادته، حيث وضع أذنه على صدر أحد مرضاه ثم أسلم الروح فجأة، وكان مدعواً لإلقاء محاضرة في دار الكتب في دمشق، وبينما كان محبوه في انتظاره لسماع محاضرته، وقف الأديب الراحل (سامي الكيال) على المنصة قائلاً للحضور: «أيها السادة، لقد جئتم لتسمعوا حديثاً منه فإذا بكم تسمعون حديثاً عنه، وأي حديث تسمعون، نبأ وفاته رحمه الله».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن