قضايا وآراء

هستيريا أميركية.. إطلاق قذيفة مدفعية باتجاه بعوضة

| الدكتور قحطان السيوفي

الخلافات كثيرة بين الأعداء الشركاء؛ واشنطن وبكين: اختلال التوازن في العلاقات التجارية، وموضوع تايوان، والحرب الأوكرانية، والمنافسة في قطاع التكنولوجيا.

نُشير بداية إلى لقاء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نظيره الصيني وانغ يي في مؤتمر ميونيخ للأمن العالمي في ألمانيا الشهر الماضي، في وقت تشهد العلاقات بين واشنطن وبكين توتراً بعدما أسقط الجيش الأميركي منطاداً صينياً.

أبلغ بلينكن نظيره الصيني أن حادث المنطاد «يجب ألا يتكرر وحذره من «تداعيات» ستطول الصين إذا تبين أنها قدمت «دعماً مادياً» إلى روسيا في حربها في أوكرانيا، إلا أن بلينكن عاد وأكد لوانغ يي أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى «نزاع» مع الصين أو «حرب باردة جديدة»، وأن واشنطن تُبقي خطوط الاتصال مفتوحة مع بكين رغم خلافاتهما.

بدوره وزير خارجية الصين وانغ يي في مؤتمر الأمن، وجه جملة من الاتهامات إلى الولايات المتحدة معتبراً أن رد فعلها كان «سخيفاً وهستيرياً» على تحليق منطاد صيني فوق الأراضي الأميركية وأسقطته طائرة حربية أميركية في 4 شباط، وأضاف إن إسقاط المنطاد هو «إساءة استخدام للقوة بنسبة 100 بالمئة»، وإنه مجرد منطاد بسيط لأبحاث الطقس انجرف عرضاً إلى المجال الجوي الأميركي.

مضيفاً: «نحض الولايات المتحدة على عدم القيام بمثل هذه الأمور السخيفة لمجرد صرف الأنظار عن مشكلاتها الداخلية»، وأن رد الفعل الأميركي يُعَد انتهاكاً خطيراً ويهدد استقرار العلاقات الثنائية، وقال خبير عسكري صيني: إن الإجراءات الأميركية بإسقاط المنطاد، تشبه «إطلاق قذيفة مدفعية باتجاه بعوضة».

لقد أرجأ وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن زيارته للصين التي كانت مقررة على خلفية الحادثة، وفي سياق أزمة العلاقات الأميركية الصينية يلاحظ أن إدارة بايدن اتبعت نهجاً يمكن تحديد ملامح أبعاده، فدبلوماسياً أعلنت الخارجية الأميركية أن بلينكن، أرجأ الزيارة رداً على انتهاك السيادة الأميركية.

وعبّرت الصين عن رفضها لتدخل الولايات المتحدة في شؤونها الداخلية وآخرها في 30 كانون الثاني الماضي، حينما عبّرت متحدثة الخارجية ماو نينج، عن رفض بلادها لنهج واشنطن الساعي للتدخل في شؤون بكين، وكشفت حادثة المنطاد عن رسائل صينية منها عدم الترحيب بزيارة بلينكن.

كما شكّل صعود الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي ضغطًا إضافياً على إدارة بايدن في رسم علاقات الولايات المتحدة مع الصين، من خلال السيطرة على لجنة لمراقبة خطوات الإدارة الأميركية في إدارة التنافس مع بكين تضم جمهوريين وديمقراطيين.

بالنسبة للبعد العسكري التقني يثير امتلاك الصين قدرات تقنية عسكرية مخاوف الولايات المتحدة من تفوق بكين في أي صراع مستقبلي، وتهديد المصالح والأصول العسكرية والمدنية الأميركية عبر البحار وفي الفضاء، وتتمثل إستراتيجية واشنطن بتضييق الخناق على صناعة الدفاع الصينية.

إسترتيجياً أعادت الولايات المتحدة رسم خريطة تحالفاتها بمنطقة المحيطين الهادي والهندي في مواجهة الصين واعتبرت كأولوية أولى في توجهات الإدارة الأميركية الحالية، والاستجابة السريعة لأي تحرك عسكري صيني من شأنه تغيير الوضع في تايوان.

قالت شبكة «سي إن إن» الأميركية: تتفاقم الخلافات بين الولايات المتحدة والصين حول موضوع الأصول لـ«كوفيد 19»، وعن مخاوف من دعم الصين لروسيا بالسلاح في حربها ضد أوكرانيا، ما يثير الجدل حول أصل فيروس كورونا حرباً كلامية جديدة بين أميركا والصين كما أنه لا يوجد إجماع داخل حكومة الولايات المتحدة على أصول الوباء.

وزارة الخارجية الصينية حذرت أنه يجب على الأميركيين التوقف عن إثارة الجدل حول التسريبات المختبرية، والتوقف عن تسييس قضية أصل الفيروس.

من جانب آخر حذرت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي من أن الصين تفكر في إرسال مساعدات عسكرية لروسيا، وهذا سيؤجج الخلافات مع الولايات المتحدة.

صحيفة «ذا هيل» تقول إنه بالنسبة لواشنطن، فإن التهديد الأكثر إلحاحاً هو دعم بكين الضمني لحرب روسيا في أوكرانيا وتهديداتها لتايوان.

تجارياً من المعلوم أن الطرفين الأميركي والصيني يعتمدان على بعضهما، حيث يصل حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة حسب إحصائيات عام 2022 إلى نحو 750 مليار دولار، وقد صدر قانون التضخم الأميركي لمحاربة التقنيات الصينية.

ختاماً التطورات تنذر بتنافس محفوف بالمخاطر في منطقة المحيطين، فيما يحد من احتمالات التصعيد الرغبة الصينية في تغيير توازن القوى الدولي من دون صدام مع الولايات المتحدة، طالما احتفظت بخطوط فاصلة مع واشنطن عبر تعزيز التعاون الإستراتيجي مع روسيا وترميم العلاقات مع شركائها الإقليميين، والاحتمال الخطير بأن الولايات المتحدة والصين عالقتان في انزلاق كارثي محتمل نحو الصراع، ما يشكل تحديات خطيرة لنظام سياسي أميركي، من دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية بين الأعداء الشركاء، ويبقى إسقاط منطاد الطقس الصيني البسيط بأحدث الطائرات الأميركية، رداً أميركياً هستيرياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن