من دفتر الوطن

مسبّع الكارات!

| عصام داري

يحكى أن الأديب المصري توفيق الحكيم كان يقود سيارته الفولكس فاكن (الزلحفة) في القاهرة فتوقف على الشارة الحمراء وفي اللحظة نفسها توقفت سيارة الراقصة نجوى فؤاد المرسيدس (التمساحة) وفتحت الشباك وقالت له ساخرة بدلع: أستاذ توفيق.. هل رأيت بعينك الفرق بين الأدب وقلة الأدب؟

قد تكون القصة مجرد فبركة وكذبة بريئة، وقد لا تكون كذلك، لكنها تعبير عن الواقع، فقلة نادرة ممن اشتغلوا في الأدب والإعلام كانت أمورهم المادية جيدة، على حين الأغلبية كانت قريبة من خط الفقر.

فما رأيكم -والحال هذه- أن نغير مهننا من مهنة المتاعب، إلى مهنة الأطايب، وهي دعوة للزملاء؟.

وأول مهنة تخطر على بالي هي الحلويات، وهل أطيب من هذه المهنة، ثم أليست هي مهنة الأطايب: المبرومة والبللورية والآسية والنهش، وخاصة نحن على أبواب شهر رمضان المبارك؟

لكن المشكلة أن أسعار هذه الأطايب مرتفعة جداً، فسعر كيلوغرام واحد منها يعادل راتب موظف أو متقاعد، وأنا لا أبحث عن مهنة لصحاب الكروش بل لصحاب القروش، ومحدودي الدخل من فقراء بلدي، وجميعنا فقراء.

ورأيت أن المهنة الأقرب لي وللفقراء هي «الحمصاني» فقديماً قالوا: إذا فاتك الضاني «أي لحم الغنم» عليك بالحمصاني، وهو الذي يصنع المسبحة والفول والفلافل وهي جميعها أكلات شعبية مية بالمية.

لكنني لاحظت أنها أكلات تنكرت للشعب وبات الوصول إليها من المستحيلات وخاصة بعد أن صدرت التسعيرة الجديدة لها، بحيث إذا أرادت أسرة مكونة من أربعة أفراد أن تكتفي بالفلافل طوال الشهر فستحتاج إلى 240 ألف ليرة لا غير، شريطة ألا يأكل الفرد أكثر من شطيرتين، أي سندويشتين في اليوم (سعر السندويشة 2000 ليرة حسب تسعيرة الوزارة المعنية).. يا سلام! هذا ولم نأت على أي مصروفات للأسرة على الإطلاق:لا مواصلات ولا أجار منازل وكهرباء وماء وراوتر وموبايل وبلاوي زرقا غيرها كثيرة.

كيف يفكر المشرف على التسعير عندما يضع هذه التسعيرة الخيالية التي لا تتناسب بالمرة مع دخل المواطن المهدود؟

المهم، تركنا مهنة الحمصاني وقررنا- بعد الاتكال على اللـه والشعب- الخوض في تجارة البصل، فهي رائجة هذه الأيام، ومن أول شروط الربح فيها أن نصدر قراراً بفتح تصدير البصل والثوم لمدة شهرين لا غير بحيث يفرغ البلد من هاتين المادتين الضروريتين للمطبخ السوري، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع السعار، فنربح للمرة الثانية، ثم نستورد البصل بضعف السعر الذي صدرناه فنربح للمرة الثالثة، يعني كالمنشار طالع آكل ونازل آكل، وكفي اللـه المؤمنين القتال!

أيضاً لم تعجبني مهنة بيع البصل، ولا اللحوم ولا الألبان ولا الملابس والأدوات الكهربائية والإلكترونية والموبيليا وسواها، ورأيت أن (أفتح) على حسابي الخاص وزارة للتموين وسلخ جلد المستهلك.

في نهاية المطاف قررت أن أبقى واحداً من الذين جردوا أقلامهم في محاولة قد تكون خاسرة مسبقاً للدفاع عن جحافل الفقراء الصامتين الصابرين والمعترين، وأتمنى أن أستطيع النجاح بأي قدر كان ولله لا يحمل النفس إلا وسعها.

استناداً إلى كل ما تقدم أكون قد طبقت مقولة (مسبّع الكارات) ويقولون أيضاً: كتير الكارات قليل البارات، وفضلاً.. عودوا إلى بداية المقالة قد تدركون مصيبتنا كسوريين أولاً، وعاملين في الإعلام ثانياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن