قضايا وآراء

ميلي وأوستن وطبول العدوان

| منذر عيد

في قراءة لما وراء ما جرى ويجري من أحداث في المنطقة، وحكماً سورية منها، وفي بعض التداعيات التي بدأت بالخروج إلى العلن، فإن ثمة مؤشرات تؤكد نية الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، بأخذ المنطقة إلى حرب، أو تصعيد ما، بما يشكل رافعة تخرج الطرفين مما يعانون من مشاكل على مستويات أخرى، سواء في داخل الكيان الإسرائيلي، وانزلاق المجتمع هناك إلى حرب أهلية، بما يهدد بأن تكون بداية دمار الكيان، أو لجهة إخفاق الإدارة الأميركية في حصاد أي نتائج في الحقل الإيراني، وعدم تمكنها من عرقلة الانفتاح العربي والدولي على سورية.

بداية لا يمكن تبرئة ما قام به رئيس هيئة أركان الجُيوش الأميركية الجِنرال مارك ميلي من اعتداء على سيادة سورية، وتسلله إلى شمال شرق البلاد، بطائرة تجارية رمادية، كلصوص الليل، وما جرى لاحقاً، في سجن علايا في مدينة القامشلي الذي يضم مسلحين من تنظيم داعش الإرهابي، وتسيطر عليه ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد»، من أعمال فوضى وشغب، تؤكد العديد من التسريبات، أنها كانت غطاء لإخراج عدد من مسلحي التنظيم، وبأمر من واشنطن، قياسا لسيناريو الهجوم على سجن الثانوية الصناعية في مطلع العام الماضي وما جرى في 19 حزيران الماضي في سجن الرقة المركزي، بما يضمن بقاء تهديد داعش لاتخاذه ذريعة لاستمرار الحرب على سورية، الأمر الذي أكدته أوساط سياسية مقربة من الحزب الديمقراطي أن زيارة ميلي لا علاقة لها من حيث الأبعاد اللوجستية والمهنية العسكرية والفنية بوضع قوات الاحتلال الأميركي في سورية، كما ادعى ميلي، بقدر ما لها علاقة بجانب الاستطلاع، وللرد على السياسيين المطالبين بتمرير قرار يقوده النائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي مات غايتس يقضي بسحب القوات الأميركية من سورية.

زيارة ميلي لا يمكن فصلها عن زيارة وزير الدّفاع الأميركي لويد أوستن إلى كل من العراق والكيان الإسرائيلي ومصر والأردن، حيث تصبان في مجرى واحد وهو التصعيد ضد دمشق، وعرقلة الانفتاح العربي عليها، الذي وصل بعد كارثة الزلزال إلى مستويات، تجاوزت خطوط واشنطن الحمر المرسومة حول سورية، وكسرت بشكل ما جدار «قيصر» الجائر في عدة زوايا، إضافة إلى أن موضوع ملف إيران النووي، لم يكن بعيداً عن زيارة ميلي وأوستن بأي شكل من الأشكال، لتؤكد جميع التقارير أن الرجلين بحثا مع قادة الكيان الإسرائيلي إمكانية شن عدوان محدود في العمق الإيراني يستهدف منشآتها النووية، الأمر الذي دفع بمجلة «فورين بوليسي» الأميركية إلى التحذير من التداعيات الكارثية لذاك العدوان المحتمل على المنطقة برمتها، وتحديداً على الكيان الصهيوني.

عدوان ميلي السياسي بخرقه سيادة سورية، يساويه بالتداعيات والأهداف العدوان الإسرائيلي بالأمس على مطار حلب، الذي يستقبل طائرات إغاثية لمساعدة منكوبي الزلزال، تضاف إليها، محاولة قادة الكيان تصدير أزمتهم الداخلية، وتخفيف الضغط في الشارع الصهيوني، الذي يقبع على بركان يهدد بخراب الكيان برمته، مع نفاذ الخلافات السياسية إلى المؤسسة العسكرية الصهيونية، وتأكيد وسائل إعلام إسرائيلية أن 90 بالمئة من طياري السرب 69، وهو سرب المقاتلات الإستراتيجية في سلاح الجو الإسرائيلي، قرروا عدم الامتثال للتدريب المقرر إجراؤه اليوم الأربعاء، ما دفع برئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال الإسرائيلي هرتسي هليفي للقول إن التصريحات المطالبة برفض الخدمة العسكرية في الجيش «تشكل خطراً على إسرائيل ومواطنيها، وتضعف الردع الاستراتيجي».

خسران واشنطن هيبتها في أوكرانيا، وعدم فاعلية وجود قواتها المحتلة في سورية، وغليان الوضع في الداخل الإسرائيلي، يدفع بالطرفين إلى تصعيد الأمور في المنطقة، بهدف خلط الأوراق برمتها، وصولاً إلى إعادة ترتيبها من جديد وفق مخططاتها، أو ذهابها باتجاه تطبيق فكرة إشعال حريق «ميداني» كبير في المنطقة يأكل الحرائق «السياسية» الصغرى في الكيان والولايات المتحدة الأميركية، ليبقى السؤال، إذا كان قرار بدء الحرب بيد إسرائيل وأميركا، فهل يملكون قرار إنهائها، أو التحكم بمجريات واتجاه نيرانها؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن