قضايا وآراء

الحرب الأميركية على روسيا وانتكاساتها المقبلة

| تحسين حلبي

في 22 تشرين الأول من العام الماضي نشر الموقع الإلكتروني الرسمي للبيت الأبيض تحت عنوان: «إستراتيجية الأمن القومي» ويقول الرئيس الأميركي جو بايدين فيها: «منذ الأيام الأولى لرئاستي طرحت بأن عالمنا يشهد نقطة انحراف وستكون طبيعة ردنا على التحديات الهائلة والفرص غير المسبوقة التي نواجهها اليوم هي التي تحدد الاتجاه الذي يسير فيه عالمنا وتحمل تأثيرها على أمن وازدهار الشعب الأميركي لأجيال مقبلة، وأن إستراتيجية الأمن القومي للعام 2022 تحدد الخطوط العريضة لكيفية قيام إدارتي باغتنام السنوات العشر المقبلة والحاسمة لتحقيق المصالح الحيوية الأميركية في التغلب على المنافسين الجيوسياسيين وفي معالجة التحديات المشتركة ووضع عالمنا بثبات على الطريق نحو غد أكثر ضياء وأملاً».

تدعو هذه الإستراتيجية بموجب هدفها المعلن وبلغة صريحة إلى المحافظة على بقاء الولايات المتحدة قائدة أحادية على العالم من أجل «مواجهة المنافسين الذين يرغبون في تشكيل مستقبل النظام العالمي».

منذ ذلك الوقت أصبح الصراع على الساحة العالمية والساحات الإقليمية يدور بين محورين عالميين: أحدهما محور الولايات المتحدة وهدفه إبقاء نظام الهيمنة الأميركية الأحادي الذي استبد في سياساته العدوانية خلال العقود الثلاثة الماضية، وبين المحور الثاني بقيادة القوتين العظميين موسكو وبكين الذي تصطف معه كل الدول والشعوب التي ترفض الخضوع للنظام الأميركي- الغربي وتطالب بوضع نظام جديد يضمن السلم وحقوق الشعوب ومستقبلها المستقل.

فبعد الحرب العالمية الثانية فرض النظام الغربي الأميركي تقسيم كوريا وفيتنام والصين وأنشأ دولاً وكيانات جديدة تحت وصايته أهمها بنظره الكيان الإسرائيلي، وبقي هذا الوضع حتى الآن ضد إرادة الشعوب ومصالحها المشروعة، ثم نجح بعد الحرب الباردة بوساطة سياسات الحصار والعدوان والابتزاز عام 1991 في تفكيك كتلة الدول الاشتراكية المناهضة لهيمنته، وسارع إلى فرض سياساته الاحتكارية الإمبريالية على دول عديدة لاستخدامها في محاصرة دول كبرى مثل روسيا الاتحادية والصين الشعبية وهذا ما نتج عنه الحرب التي وظف لها أوكرانيا ضد موسكو، وتايوان ضد الصين دوليا، وإسرائيل ضد طهران وسورية إقليميا، بهدف استمرار احتكار الغرب للسيطرة والهيمنة على كل دول العالم ومنع وجود نظام متوازن متعدد الأقطاب ينهي ما فرضه الغرب من عقود كثيرة من بقايا الاستعمار والانقسامات بين الشعوب وما فقدته من سيادتها في أوطانهم، ويرى المفكر السياسي الأميركي جون ميرشايمير أن التعددية القطبية بدأت تتأكد منذ عام 2017 قبل خمس سنوات، وهذا ما كانت تخشاه واشنطن التي حاولت حشد دول كثيرة معها ضد القوتين الكبريين منذ عام 2014، وبعد إعلان بايدن عن إستراتيجية الأمن القومي في تشرين أول من عام 2022 تبين له أن دولاً كثيرة رفضت سياسته في أوكرانيا وتوظيفها ضد روسيا حتى ولو كانت قد رفضت العملية العسكرية الروسية، فالخسارة الأميركية تكمن هنا في أن كل من رفض العقوبات على الصين وروسيا أصبح خارج ساحة توظيفه ضد موسكو وبكين مثل الهند وباكستان وبقية دول البريكس ومعظم دول إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وهناك من يؤكد أنه طالما بقي الحال على هذا الوضع من ناحية عجز واشنطن عن حشد دول تشاركها في حربها ضد روسيا والصين فإن الغرب وواشنطن لن يتجرؤوا على تصعيد أكبر مما فعلوه حتى الآن ضد موسكو وبكين، وهذا هو العامل الذي يمكن أن يبقي الحرب الغربية على روسيا ضمن درجة لا تتجاوز العقوبات، وتشير بعض التوقعات في الغرب إلى احتمال متزايد نحو فتح ثغرة في سدود التفاوض بين أوروبا وروسيا، كما أن أي خلاف بين واشنطن وأوروبا على كيفية توظيف الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي ضد روسيا سيدفع باتجاه أزمة داخل القيادة العليا نفسها في أوكرانيا ما يشجع قادة عسكريين على الاستقواء بموقف أوروبي يحقق هدنة ما أو تفاوضا على هدنة على الأرض، ولذلك يرى مختصون عسكريون في أوروبا أن هذا ما تعول عليه موسكو بوساطة تكثيفها للعمليات العسكرية الروسية لدفع القيادة العسكرية الأوكرانية نحو إدراك أن طريقها بدأت تزداد عراقيله نحو الصمود أمام القدرة الحربية الروسية، وهذا ما قد يولد الخلاف داخلها وخاصة أن زيلينسكي يفتقر الخبرة العسكرية وقد يراه البعض منهم مجرد ممثل يضع المخرج الأميركي له نص الدور ولا يخالف.

ولا شك أن الخيارات بدأت تضيق أمام الجيش الأوكراني ولم يبق سوى خيار متوافر هو التفاوض الذي لا ترغب فيه واشنطن، الآن لأنها تراهن على فرصة تتيح لها ضمان انضمام دول كثيرة تجمعها في جبهة حربية مباشرة ضد روسيا وتضمن لواشنطن اللجوء للصدام المباشر الحربي ضد الجيش الروسي على الأراضي الأوكرانية، وهذه الفرصة مجرد مقامرة تتآكل مؤشراتها شهرا تلو الآخر بسبب التقدم العسكري لروسيا على الأراضي الأوكرانية وحالة الانهيار المعنوي التي ستزداد داخل الجيش الأوكراني بموجب التقارير المحايدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن