قضايا وآراء

الصين في الشرق الأوسط والدور المهم

| الدكتور قحطان السيوفي

بقيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي فاز بولاية جديدة، عملت الصين على توطيد علاقاتها مع دول الشرق الأوسط ووضعت برامج سياسية واقتصادية ركزت من خلالها على الطاقة والتجارة والنقل، وتسعى لتعزيز علاقاتها ومصالحها الاقتصادية وخاصة استمرار إمدادات النفط.

تحاول الصين الموازنة في علاقاتها بين القوى المتصارعة، لتصبح راعية للحلول في عالم تتبدل فيه أحجامُ الأدوار، ولقد شــهد عــام 2016 حدثــاً مهمــاً فــي العلاقــات بيــن الصيــن والشــرق الأوسط تمثل بالزيارة الأولى للرئيــس شي إلى بعض دول الشرق الأوسط، كما أصدرت بكيــن أول ورقــة سياســة عربيــة فــي 13 كانون الثاني 2016 بعنــوان «وثيقــة سياســة الصيــن تجــاه الـدول العربيـة» والتـي تلخّـص رؤيـة الصيـن للمنطقـة.

وتضمنت الورقـة معادلـة التعـاون 1+2+3، إذ يمثـل الرقـم 1 الطاقـة بوصفهـا مصلحـة أساسية، ويمثــل الرقــم 2 البنيــة التحتيــة وكذلــك التجــارة والاسـتثمار، بينمـا يمثـل الرقـم 3 التعـاون فـي مجـالات الطاقـة النوويـة، والأقمـار الصناعيـة، ومصـادر الطاقـة الجديدة، إضافة إلى وثيقة ثانية قبلها هي «خطــة الرؤيــة والإجراءات» عــام 2015 التــي تضمنــت مبــادرة «الحــزام والطريــق»، ووثيقة ثالثة بعدها هي «الإعلان التنفيــذي الصينــي العربــي» عــام 2018.

سياســة الصيــن تجــاه الشــرق الأوسط قائمة بالحفاظ علــى تــوازن دقيــق بيـن الأولويات، وتنـأى الصيـن بنفسـها عـن أن تكـون طرفاً فـي النزاعات أو الخلافــات الإقليميــة.

وتقيــم الصيــن علاقــات إستراتيجية شــاملة مع عدد من دول المنطقة وعلاقـات ثنائيـة مميــزة مدفوعــة بالمصالح المشتركة.

ويمكن تلخيص مبادئ الصين في المنطقة بالنقاط التالية:

أولاً: عـدم التدخـل فـي الشـؤون المحليـة لـدول الشـرق الأوسط، ثانياً: تدعــم الصيــن اســتقرار البنيــة السياســية لــدول الشــرق الأوسط، ثالثاً: لا تهتــم الصيــن بطبيعــة الأنظمة السياســية الحاكمــة فــي المنطقــة، وبترويــج أيديولوجيتهــا فــي الخــارج.

ويركـز إطار التعـاون الموضـح فـي هـذه الوثائـق علـى مجـالات التجــارة والاســتثمار والطاقــة، وإقامة البنــى التحتيــة.

نمــت العلاقــات التجاريــة بيــن الصيــن ودول الشــرق الأوسط نمــواً مطـرداً الأمر الـذي شـكل مصـدراً للقلـق لـدى الـدول الغربية، والصيـن شـريك مرغـوب فيــه لوفــرة بضائعهــا وأســعارها الرخيصة للاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط بالنسبة للطاقة، وعلــى إثر النمــو الاقتصــادي الســريع فــي الصيــن، فقــد تزايــدت احتياجاتهــا مــن الطاقــة وأصبحــت الصيــن أكبــر مســتورد عالمــي للنفـط الخـام.

فــي عــام 2013 أعلن الرئيــس الصينــي شــي عــن خطــط «مبــادرة الحــزام والطريــق»، وترتكـز علـى إنشاء طـرق تجاريـة تربـط بيـن كل مـن: آسيا وأوروبـا وإفريقيا ومنطقـة الشـرق الأوسط حيــث تربــط بيــن أوروبــا وإفريقيا وأســواق آســيا، إذ يشــير «الحــزام» إلى عــدّة مشــاريع بريــة تربــط الصيــن بأوروبــا عبــر آســيا الوســطى والشــرق الأوسط، على حين يشــير «الطريــق» إلــى مشــاريع مرتبطــة بطــرق بحريــة.

المشروع يمتد 10 آلاف كيلومتر براً أو بحراً، ويمثل مشروعات لبنى تحتية وخدمات من موانئ ومصافي النفط وسكك القطار وغيرها، وقّعـت 9 دول عربيـة علـى وثائـق تعـاون في إطار مبادرة الحـزام والطريـق، إضافة إلى توقيـع 5 دول عربيـة علـى التعـاون فـي مجـالات الطاقـة الإنتاجيـة، وهنـاك 7 دول فـي المنطقـة العربيـة قـد أصبحـت مـن الأعضاء المؤسسـين في البنك الآسيوي للاسـتثمار فــي البنيــة التحتيــة.

في كلمة للرئيس شي ألقاها في ختام الدورة السنوية للبرلمان، شدد على أن «الأمن هو أساس التنمية» على حين أن الاستقرار شرط أساسي للازدهار، وذلك بعد أن أدت الأزمة الأوكرانية إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، وسط مخاوف من حدوث نقص شديد في المعروض وتوسّع الصراع.

ولعل أكثر ما يبرز دور الصين توجهاتها ودورها الهام هو اتفاقُ بكين السعودي- الإيراني والذي هو حدثٌ كبيرٌ بكل المعايير، وأولُ نتيجةٍ وُلدت في اتفاق بكين، عودة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين منذ عام 2016 خلال شهرين.

قرار عودة العلاقات السعودية- الإيرانية بمواكبة صينية حدثٌ كبيرٌ بالنسبة إلى العلاقات الثنائية بين دولتين مهمتين في منطقة الشرق الأوسط.

بعض التجارب السابقة تحضُّ على انتظارِ المسار الذي سيسلكه القطار الذي انطلق من المحطة الصينية، مع التساؤل: لماذا الصين؟ لأنَّها الشريك التجاري الرئيسي لكل من السعودية وإيران.

وهي وسيط قادر على تقديم نفسها ضامناً، وللصين مصلحة كبيرة في إنهاء النزاع السعودي- الإيراني، والتوصل إلى أمن إقليمي يحمي مصالحها.

إن المسـتقبل يوحـي بزيـادة تركيـز الصيـن علـى مصالحهـا الحيويـة في الشرق الأوسط، وستزيـد مـن مشـاركتها الأمنية والعسـكرية والدبلوماسـية، كما استحقت الصين هذا الدور بسبب ما فعلته في العقود الأربعة الماضية.

تخلَّت الصين عن مشروع تغيير العالم بالاختراقات الآيديولوجية والتفتت إلى الداخل، المدرسة والمصنع ومكافحة الفقر، البحث العلمي والتكنولوجي، فتح النوافذ والابتكار ومراكمة الإنجازات.

نجحت الصين في إخراج 700 مليون مواطن من دائرة الفقر، واستحقت موقعَ الاقتصاد الثاني في العالم، لذا فقد أصبح لدى الصين سعي للتدخل المباشر لحماية مصالحها المتنامية في ظل التراجع الأميركي، بل لها دور واعد بالتحول من إدارة الأزمات إلى راعية الحلول لأزمات الشرق الأوسط.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن