ياغيل هانكين أحد المؤرخين العسكريين في الكيان الإسرائيلي يستشهد في بحث نشره بعنوان: «ما الذي يضمن استمرار وجود إسرائيل» في عدد كانون الأول 2016 في مجلة الأبحاث العبرية «هاشيلواح» بقول ذكره هنري كيسينجر، أحد أهم صنّاع السياسة الخارجية الأميركية خلال العقود الخمسة الماضية، جاء فيه إن «إسرائيل تحدد سياستها الداخلية وليس الخارجية»، ويستخلص هانيكين بأن هذا يعني أن السياسة الخارجية الإسرائيلية تعد جزءاً من السياسة الإستراتيجية الأميركية، وهذا ما يؤكده البروفسور الإسرائيلي ميخائيل ميلشتاين من مركز موشيه دايان للأبحاث، والدكتور راز تسيميت المختص بالشؤون الإيرانية في «معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» في تحليل نشر في صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 11 آذار الجاري بعنوان «اتفاق إيران والسعودية تجسيد لعدم وجود سياسة خارجية لإسرائيل» وجاء فيه أن «عودة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض يثبت هذه الحقيقة التي تحولت بأيدي الكتل السياسية الحزبية في إسرائيل إلى أداة نزاع بينهم خلال أربع سنوات من الفوضى السياسية الداخلية التي ولدت ضرراً فادحاً على الخطاب الإستراتيجي الإسرائيلي وبدأ هذا الضرر يقترب كثيراً من نقطة العجز عن إصلاح عدد من مضاعفاته».
ومع ذلك ينسى أو يتناسى هذان الباحثان أن الكيان الإسرائيلي من الطبيعي أن يدفع عادة ثمن إخفاق أي سياسة خارجية أميركية في المنطقة مثلما تدفع الولايات المتحدة ثمن أي هزيمة لحروبه في المنطقة، ففي عام 2003 حين قامت واشنطن بغزو عسكري للعراق تحرك رئيس حكومة الكيان أريئيل شارون لتوسيع حربه ضد المقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة واجتياح مدنها وقراها بعمليات القتل والاعتقالات، وحين احتلت وحدات أميركية بعض أراضي سورية في الشمال الشرقي من البلاد بدأ الكيان بتصعيد عملياته الاستخباراتية لدعم المجموعات الإرهابية المسلحة، وبعد هزيمة المخطط الأميركي – الإسرائيلي ضد سورية والعراق، وجه الطرفان تصعيدا على إيران اقترب في عام 2017 و2020 إلى درجة المواجهة العسكرية المباشرة.
وفي كل هذه المواجهات على هذه الساحات تراجعت قوة الولايات المتحدة وفقدت قدرتها على تحقيق أهدافها وهذا ما عكس نفسه على شكل تراجع متزايد في قدرة الكيان على تحقيق أهدافه وتمكنت إيران في الأشهر الماضية من إحباط الحرب الاستخباراتية السرية التي نفذتها واشنطن وتل أبيب وعواصم أوروبية لزعزعة استقرار إيران من الداخل عن طريق افتعال عمليات مسلحة داخل البلاد واستخدمت فيها كل أشكال التحريض المذهبي والاتني والسياسي والاجتماعي دفعة واحدة وحاولت هذه القوى الاستعمارية توسيع دائرتها لكي تشمل أكراد إيران بشكل مباشر وعلني وفي النهاية تمكنت القيادة الإيرانية من إلحاق الهزيمة بما يمكن رؤيته آخر ورقة تحاول هذه القوى استخدامها لتحقيق أهدافها، ولذلك كان من الطبيعي أن تؤدي هذه النتائج الإيجابية التي حققتها إيران وسورية والعراق والمقاومة بشكل مشترك إلى التمهيد نحو تحقيق انفراجات عربية وإقليمية بين دول المنطقة أهمها اتفاق طهران – الرياض برعاية صينية وتسير نحو إيقاف الحرب في اليمن ورفع الحصار عن سورية وانسحاب قوات الاحتلال من أراضيها، وبهذه الطريقة تتحقق هزيمة المخطط الإسرائيلي- الأميركي- الغربي الذي بدأت هذه القوى الثلاث بمحاولة تنفيذه ضد العراق وسورية وإيران واليمن منذ عام 2011.
ولذلك يوضح الباحثان الإسرائيليان في استنتاجاتهما بأن «اتفاق الرياض- طهران يدل على إخفاق كبير لإدارة بايدن وصفعة أخرى على وجهها في المنطقة وستدفع إسرائيل الثمن معها».
وفي ظل هذا الوضع الذي تجد واشنطن نفسها فيه عاجزة عن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بما يخدم مصالحها سيزداد الخوف الإسرائيلي أكثر فأكثر من الوضع الجديد الذي ستتمكن فيه دول المنطقة من الاتفاق على جدول عمل بما يحقق مصالح شعوبها في المستقل ودون ابتزاز أميركي وهذا ما يؤكد أن الكيان الإسرائيلي يواجه الآن أزمتين فادحتين الأولى نتجت عن ضعف الاعتماد الأميركي عليه في السياسة الخارجية والثانية نتجت عن تفاقم أزمته الداخلية والتناقضات التي تولدها على مستقبل وجوده وهذا ما يعترف به معظم المحللين المختصين داخل الكيان الإسرائيلي.