قضايا وآراء

غيظهم وثبات خطانا

| منذر عيد

لم يرق لصناع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأميركية منظر الازدحام الدبلوماسي على طريق دمشق وعواصم العالم العربي ودول المنطقة.. بل إن رياح التطبيع والتقارب التي هبت عبر أبواب تلك العواصم بعد فتحها على مصاريعها تجاه دمشق دفعت بأصحاب مشاريع التقسيم في الإدارة الأميركية ومن يعمل في مراكز القرار فيها إلى استلال سكين التقسيم لتقطيع الجغرافيا السورية.. وتثبيت أقدام قوات بلادهم المحتلة في سورية.. حيث لم يجدوا بداً من ذلك لوقف عملية الانفتاح المتسارعة على دمشق، وعودة المحيط العربي إلى بناء أسس جديدة إيجابية مع الحكومة السورية، بعد أن باءت جميع محاولات قادتهم في الحد أو إيقاف الحراك العربي والمحيط السوري، سواء عبر الترهيب أم الترغيب بالفشل.

ساسة وقادة عسكريون أميركيون سابقون بلغ عددهم أربعين مجرماً، إضافة إلى زمرة من التبّع الخونة ممن يحملون الهوية السورية، وضعوا مخططاً استعمارياً تخريبياً جديداً لدمار سورية، وذلك عبر رسالة بعثوا بها إلى رئيس إدارتهم جو بايدن، ترسم بشكل مفصل ملامح السياسية الأميركية التي يجب اتباعها في سورية، في ظل التطورات الإيجابية المتسارعة التي تشهدها، وملخص تلك السياسة:

– رفض أي شكل من أشكال المصالحة أو عودة المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الانفصالية، والتنظيمات الإرهابية إلى سلطة الدولة السورية.

– عمل الولايات المتحدة وحلفائها على تعزيز النفوذ وتهيئة الظروف التي تشجع على الترابط بين الشمال الغربي والشمال الشرقي لسورية.

– إبقاء قوات الاحتلال الأميركي في شمال شرقي سورية بالتنسيق مع التحالف الدولي.

– إضافة إلى جملة من التوصيات بما يعمل على تعزيز ما يسمى مساعدات إنسانية إلى المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، خارج موافقة أو مراقبة دمشق والحليف الروسي.

لم تكن مجموعة المسؤولين الأميركيين السابقين لتوجه رسالتها إلى بايدن، لولا شعورها بالكم الكبير من خيبة الأمل في نجاح مخططات بلادها بالمنطقة، ورؤية تقدم السياسة والدبلوماسية الصينية على ركام سياستهم ونجاحها في إيجاد آلية تقارب سياسية بين السعودية وإيران، الأمر الذي سيؤدي إلى فتح أبواب المنطقة على مصاريعها على مقاربات مماثلة تكون نواة لمنظومة إقليمية للأمن والتعاون، وتؤسس لاحقاً إلى دخول المنطقة عصر التعددية القطبية، إضافة إلى عدم قدرة واشنطن على فرملة الاندفاعة التركية نحو دمشق، ومعرفة أصحاب الرسالة أن الإعلان عن يوم محدد لاجتماع الرباعية في موسكو يعني أن ثمة تقارباً حصل ازاء عدد من النقاط منع في وقت سابق حصول أي اختراق سياسي بين دمشق وأنقرة، وأن دمشق استطاعت بشكل أو آخر الحصول على ضمانات حول الأسس والمبادئ التي تمسكت بها وهي انسحاب الاحتلال التركي من أراضيها ووقف دعم التنظيمات الإرهابية.

لا ننكر على ساسة ومفكري الولايات المتحدة الأميركية قراءتهم الجيدة للأحداث في العالم، وعلو كعبهم في تحليل ما بين السطور واستشراف الأحداث أحياناً، ونؤكد أيضاً أن تلك الصفات هي ما جعلت أولئك الساسة يصلون مرحلة الحنق والغيظ مما يجري في سورية، والدفع بهم إلى إرسال رسالتهم «السوداء» إلى بايدن ليقينهم أن قادمات الأيام ليست في مصلحة واشنطن، وأن ما عملت عليه الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ أكثر من إحدى عشرة سنة للسيطرة على سورية، والتحكم بأمور المنطقة سوف يذهب أدراج الرياح قريباً، إذا ما تواصلت مجريات الأمور بالمضي قدماً كما هي.

الساسة والمنظرون للسياسة الأميركية قرؤوا جيداً الرسائل التي تم إرسالها إليهم مؤخراً عبر استهداف قواعدهم غير الشرعية في دير الزور والحسكة، وأن تلك الرسائل عبارة عن إعلان مرحلة جديدة أول جملة فيها، هي خروج قوات الاحتلال الأميركي من سورية والمنطقة، الأمر الذي أدركه جيداً الرئيس جو بايدن وأسرع إلى الإعلان أن قوات بلاده لن تصعد أو تصل إلى مرحلة المواجهة مع إيران.

قد لا تكون الرسالة إلى بايدن بالجديدة أو الأولى التي يوصي أصحابها إدارة بلادهم بالتشدد تجاه دمشق، وإنما من وجهة نظرنا هي دليل على حسن الخطا التي تسير عليها دمشق وجميع الحلفاء، فغيظ عدوك دليل على نجاح خطاك.. لذا نستهجن ما ورد في رسالة دعاة الشر الأميركيين ولا نستغرب.

يكفي من بعث برسالة إلى بايدن قراءة ما كتبه رون بول عضو سابق في مجلس النواب الأميركي وأحد المرشحين لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2008، في موقع انتي وور الأميركي بالأمس، لمعرفة حقيقة الوضع الأميركي في سورية، والنظرة العامة للمواطن الأميركي إلى ذاك الوجود، إذا قال بول «ما مدى النفاق أن إدارة بايدن أنفقت 100 مليار دولار من دولاراتنا لطرد روسيا من أراض أقل نسبياً في أوكرانيا من أراض تحتلها واشنطن في سورية؟ وتزعم واشنطن أنها تؤيد «النظام الدولي القائم على القواعد»، بينما قضت على العراق وأفغانستان لم تهاجمانا، وقبل ذلك كانت صربيا لا يمكن أن تهددنا إذا أرادت ذلك» ويختم «إليك طريقة سهلة لحماية القوات الأميركية في سورية من المزيد من الهجمات.. إعادتها إلى الوطن، غداً، لا تنتظر يوما آخر!».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن