قضايا وآراء

أوباما «مبشراً»: ليس في عهدي..

عبد المنعم علي عيسى

 

على مدار العلاقة الوطيدة بين دول الخليج والولايات المتحدة والتي تصل في بعدها إلى ذلك اللقاء الذي جمع بين روزفلت وعبد العزيز آل سعود (شباط 1945) والذي أرسى طبيعة تلك العلاقة بين الطرفين، كما حدد أيضاً موقع كل منهما بالنسبة للآخر، على مدار تلك العقود السبعة كان يتم تداول آراء وتحليلات بعضها كان ينسب في كثير من الأحيان لمسؤولين أميركان «رفضوا الكشف عن أسمائهم» ومفادها أن حالة «وضع اليد» الأميركية على فائض المال الخليجي هي حالة إيجابية وتصب في مصلحة دول الخليج أولاً ومصلحة دول المنطقة ثانياً، وتضيف تلك التحليلات: إن تلك الأكداس المالية إذا ما تركت لتتراكم وتتراكم فإنها ستكون مدعاة لإثارة المتاعب في المنطقة قياساً إلى تركيبة المنطقة الفسيفسائية وإلى «نظام الخيمة» الذي يحكم دويلات الخليج وهو لا يجد متنفساً له إلا عبر استمرار سيل الدم كوسيلة وحيدة للبقاء، وكثيراً ما كان يقول المناهضون – ونحن منهم- بأن تلك النظرية لا تعدو أن تكون ذريعة مفضوحة لسرقة المال الخليجي، إلا أننا اليوم نجد أنفسنا أمام رؤية مختلفة تماماً لتلك «الحكمة» الأميركية، بل نجازف بالقول بأننا يجب أن نكون أكثر تفهماً لها.
انطلقت فكرة القمة الأميركية- الخليجية منذ ذلك الحديث الشهير الذي نشرته نيويورك تايمز 6/4/2015 للرئيس الأميركي باراك أوباما والذي أشار فيه إلى أن المخاطر الحقيقية التي تتهدد دول الخليج تنبع من تنامي حالة السخط الداخلية، وهي لا تتأتى من خطر خارجي محتمل (إيران مثلاً) يتهدد وجودها، كان لذلك الكلام- وفي الأمر ما يدعو إليه- وقع أشبه ما يكون بـ«انغماسية سياسية» مارسها أوباما فسرعان ما شارفت ذخيرته على النفاد قام بتفجير نفسه في العمق الخليجي ضارباً بأركانه الهشة التي سريعاً ما تداعت لتحديد ماهية ما يجري، ثم هل يصل الأمر إلى تغيّر جذري في طبيعة النظرة الأميركية لأنظمة الخليج.
دفع ذلك اللغط الممزوج بالهلع بالرئيس الأميركي إلى توجيه الدعوة لانعقاد قمة أميركية- خليجية ارتأى أن تكون في كامب ديفيد وحدد موعدها أواخر الشهر المنصرم (نيسان الماضي) إلا أن الآمال السعودية المضمرة كانت قد دفعت بالعاهل السعودي لتأجيل موعد القمة حتى منتصف أيار الجاري، ومنها (الآمال) أن تحوي الجعبة السعودية بين ثناياها ما هو مفيد في ذلك اللقاء المرتقب والذي ستبيضُّ فيه- كما ستسوّد- وجوه يوم لا ينفع مال ولا بنون، على غرار مشاهد لرايات بيض يرفعها «أنصار الله» بوجه المقاتلات السعودية التي يقودها مرتزقة آسيويون ويوجههم من الأرض خبراء أميركان من غرفة عمليات لا تقع أصلاً على الجغرافيا الخليجية كلها.
خلال ذلك الوقت المستقطع (منتصف نيسان- منتصف أيار) ظهر هناك نوع من أداء سعودي متراقص في أكثر من اتجاه، فقد قيل (مثلاً) إن الرياض – ومعها الخليج- تسعى في اتجاه إثارة الغيرة الأميركية كأن تقوم بدعوة فرانسوا هولاند لحضور القمة الخليجية في الرياض 6/5/2015 في سابقة لم تحدث منذ أن أنشئ مجلس التعاون الخليجي عام 1981 وأن تلك الدعوة (من بين ما قيل) لم تكن سوى إشارة عاجلة إلى واشنطن أريد من خلالها إفهام هذه الأخيرة بأنها (الرياض ومعها الخليج) في طور البحث عن بدائل أخرى للمظلة الأميركية، وقيل.. وقيل..، والكارثة هنا إن كانت تلك الأقاويل صحيحة أو أن عملية صناعة القرار الخليجي تستند إلى قناعات كهذه، عندها سيكون هناك فعلاً حالة خلل كبير من النوع الذي لا يمكن أن يحدث إلا عند الانهيارات الكبرى يعتمد في هذه الأخيرة على حركة النواس بديلاً عن البوصلة في معرفة اتجاه الشمال، وعندها أيضاً سيكون صانع القرار الخليجي غير مدرك فعلاً لطبيعة المظلة الأميركية التي تظل الجميع بمن فيهم هولاند نفسه المستخدم لإثارة الغيرة الأميركية، بل وغير مدرك لأن الصفقات التي عقدتها قطر والإمارات (وقبلهما مصر) لشراء طائرات (رافال) الفرنسية بمبالغ تزيد على العشرين مليار دولار ما كان لها أن تتم لو لم تكن تقع داخل «الحيز» المسموح به أميركياً أو أن واشنطن أهدتها لباريس لقاء شيء آخر!!
عندما التقى باراك أوباما بضيوفه في كامب ديفيد 14/5/2015 فاجأهم بعبارة «أهلاً وسهلاً» بلكنة عربية لا تخفي على سامعها بأن قائلها قد حاول التمرن عليها لوقت قصير قبيل أن يقولها، وعلى الرغم من ذلك فقد غطى الحبور وجوه الأمراء على الفور، ولعل ما دار في أذهان البعض منهم آنذاك: هل الرئيس الأميركي من العرب العاربة أم المستعربة؟
في كامب ديفيد كان الخليجيون يحملون هاجساً واحداً هو أمن أنظمتهم حتى لا «تضيع بين الرجلين» في هذا الزحام الأميركي الإيراني المتصاعد على الدوام، كانت الآمال الخليجية المعقودة تأمل في الوصول إلى اتفاقية دفاع مشترك مع واشنطن وتلك بحد ذاتها تشكل حالة من اختلاط الرؤية حتى لم يعد من الممكن التمييز بين ما هو متاح وما هو مرغوب، لم يكن وارداً في أكثر الحسابات تفاؤلاً أن تجعل واشنطن من قوتها العسكرية العملاقة رهينة لمعارك قد يثيرها أي أمير خليجي على خلفية سباق للهجن أقامه ولم تَفُزْ ناقته فيه بالمرتبة الأولى.
من يقرأ السياسة الأميركية في المنطقة والعالم يرَ أن جميع محاورها تعمد إلى تمكين واشنطن من الاستمرار لعقود طويلة كقوة عظمى أولى في هذا العالم في ظل انطلاق مخيف للتنين الصيني وفي ظل شغب روسي لا يدعوان إلى الارتياح، ريثما تتبدى اختراقات أخرى في مجالات تراهن عليها واشنطن كثيراً لتعود المسافة فيما بينها وبين بكين وموسكو شاسعة من جديد كما كانت عليه قبيل بدء العقد الذي نعيش فيه.
نشرت نيويورك تايمز 16/5/2015 كاريكاتوراً ساخراً يشير إلى اعتماد المملكة السعودية على الأسلحة الأميركية ما يجعل منها «قادرة» على التخلي عن أميركا، الأمر الذي يقرأ بأن واشنطن كانت قد دعت الرياض (ومعها الخليج) إلى إجراء عملية «شد براغي» والاعتماد على نفسها أكثر، حتى وإن كانت القراءة الأميركية للتجربة السعودية الأولى تقول بأن السعوديين لم يكونوا ماهرين في خوض الحروب كما هم ماهرون في تمويلها، فقد أظهرت حرب اليمن بأن مهارتهم في الأولى (خوض الحروب) تعاني من ضعف على نحو استثنائي ولا يبشر بمستقبل واعد.
في الغضون كانت المشاورات الدائرة في جنيف تتلقف أصداء كل ذلك بدءاً من الوضع في الميدان وصولاً إلى وضع تصورات عما جرى في كامب ديفيد خصوصاً منه ما يعني السوريين، وهنا من الممكن لنا رصد محاولات الائتلاف السوري المعارض التي تمحورت في جنيف حول إمكان تعويم هذا الأخير ككيان سياسي (أو مرجعية سياسية) لجيش الفتح الذي تأسس في 25/3/2015 بزعامة جبهة النصرة ورعاية سعودية مطلقة، وهو ما يفهم منه بأن هذا الأمر (تعويم الائتلاف) سيكون الهدف الأسمى الذي ستسعى إليه الرياض في اجتماع المعارضة السورية المقبل الذي دعت إليه منتصف حزيران القادم.
ما يحبط التوجه السعودي الجديد الساعي إلى استثمار الفرصة الذهبية (إلى نهاية حزيران) هو ما جاء على لسان باراك أوباما عشية اختتام كامب ديفيد (15/5/2015 حين قال: إن لا حل عسكرياً للأزمة السورية، الأمر الذي يعني العودة بالأمور إلى المطارحات الأولى أو إلى المربع الأول، وإلى مزيد من سفك الدماء لم ينس أوباما أن يبشر السوريين به فقد أخبرهم أيضاً: بأن لا حل للأزمة السورية خلال عهده الميمون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن