قضايا وآراء

«سانت ليغو» مر فجراً على ضجيج صفارة

| أحمد ضيف الله

أندريه سانت ليغو عالم رياضيات فرنسي ابتكر عام 1912 طريقة حساب رياضية، اعتمدت في احتساب المقاعد الانتخابية وفقاً لأصوات الناخبين في الدول التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، والتي تقضي بتقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.3 تصاعدياً، ما يتيح للتحالفات الصغيرة الحصول على فرص أكبر للفوز بمقاعد نيابية.

في الـ27 من آذار 2023، صوت المجلس النيابي العراقي فجراً على قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية بصيغة «سانت ليغو 1.7» الذي يعتبر المحافظة دائرة واحدة، بحضور 218 نائباً من أصل 329 عدد نواب المجلس، وامتناع النواب المستقلين عن الدخول إلى قاعة الجلسة.

وكان المجلس النيابي قد انتهى من التصويت على 7 مواد من أصل 15 مادة من مشروع القانون الانتخابي المقدم في الساعة الرابعة من صباح الـ20 من آذار 2023.

النواب المستقلون عارضوا القانون الانتخابي المعدل، مطالبين بالإبقاء على نظام «الدوائر المتعددة» الذي جرت وفقه الانتخابات النيابية الأخيرة في الـ10 من تشرين الأول 2021، حيث يرون أن القانون المعدل يكرس سيطرة الأحزاب التقليدية على مجالس المحافظات والمجلس النيابي، عدا أنه يهمل أصوات الناخبين الذين صوتوا للقوائم الصغيرة إذا لم تبلغ قوائمهم العتبة الانتخابية المقررة لاحتساب المقعد الانتخابي في المحافظة، ما عدوه مصادرة لإرادة الناخب.

الاحتجاجات التي خرجت في بعض المحافظات الوسطى والجنوبية العراقية بشأن قانون «سانت ليغو» الانتخابي المعدل كانت متواضعة جداً، حيث شارك العشرات بها، كما فشلت دعوة «اللجنة المركزية للتظاهرات في العراق» للاعتصام أمام أحد مداخل المنطقة الخضراء ببغداد بانسحاب المتظاهرين وتفكيك الخيام بعد يوم واحد من الاعتصام.

الوقائع التي تناولتها فضائيات وصحف ومواقع عربية بشأن القانون الانتخابي المعدل كانت مظللة عن عمد، عارضة ما جرى على أنه صراع بين نواب مستقلين وقوى سياسية ناشئة من جهة، مع قوى سياسية تقليدية من جهة أخرى، مشيرة إلى أن قوى الإطار التنسيقي (الشيعي) استغلت غياب التيار الصدري عن المشهد السياسي، فصاروا يتحكّمون بمستقبل العراق، وبأن حرس المجلس النيابي أخرجوا النواب المستقلين من جلسة التصويت على القانون بالقوة لامتناعهم عن التصويت على القانون، مؤكدين أن التيّار الصدري، والحركات المدنية والمستقلين، لن يبقوا ساكتين، وسيخرجون لمجابهة من نهبوا العراق من الأحزاب الفاسدة، متوعدين بتظاهرات احتجاجية واسعة يوم الـ9 من نيسان الجاري، «لتأديب المتآمرين والفاسدين»، مطلقين لخيالاتهم (المدى) في روايات وتصريحات لا صحة لها، للتأسيس والتحريض على الفتن، ولإرباك الاستقرار السياسي الذي يشهده العراق منذ تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، وعلى طريقة: قال قيادي كبير اشترط عدم الإشارة إلى اسمه!

إن استمرار انعقاد جلستي مجلس النواب حتى ساعات الفجر، يعود في حقيقته إلى الخلافات الحاصلة بين الكتل الرئيسة بشأن بعض مواد القانون، فالنواب الأكراد عطلوا الجلستين لساعات وامتنعوا عن دخول قاعة المجلس النيابي ما لم يجر الاتفاق مسبقاً على بعض المواد الخلافية، من بينها موضوع محافظة كركوك وكيفية إجراء الانتخابات فيها وفق المادة 35 من القانون، ما أخر استمرار انعقاد الجلستين، واستمرار الجلستين حتى ساعات الفجر كان بسبب معارضة النواب المستقلين للقانون، وامتناعهم عن حضور الجلستين للإخلال بالنصاب القانوني المطلوب لعقدهما.

وما جرى، أن نحو 30 نائباً ممن كانوا يجلسون في «كافتريا» المجلس مقاطعين جلسة التصويت على القانون الانتخابي المعدل، اقتحموا جلسة التصويت على القانون، مرددين شعارات رافضة له، وقاموا بالضرب على المناضد المقابلة لمنصّة هيئة الرئاسة.

وفيما أخرج النائب المستقل فلاح الهلالي صفارة وبدأ يصفر داخل القاعة! حاول أحد النواب قلب طاولة اللجنة لمنعها من قراءة القانون، ما دفع رئيس المجلس النيابي محمد الحلبوسي إلى استدعاء العناصر الأمنية المكلفة بحماية المجلس، للتدخّل بإخراجهم من القاعة، مُحيلاً ما جرى إلى لجنة السلوك النيابي، ومن ثم استكملت عملية التصويت على الفقرات المتبقّية.

كل الانتخابات النيابية السابقة جرت وفق قانون «سانت ليغو» الذي يعتبر المحافظة دائرة انتخابية، والعراق 18 دائرة انتخابية، باستثناء الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت وفق نظام «الدوائر المتعددة» والعراق 83 دائرة انتخابية، الذي تسببت نتائجه في شلل سياسي دام نحو عام، وفي كلاهما سجل التيار الصدري مراتب متقدمة.

الاستقرار السياسي الذي يشهده العراق منذ تشكيل حكومة محمد شياع السوداني في الـ27 من تشرين الأول 2022 ملحوظ، وإطلاق «الصفار» لإثارة الفتن والقلاقل، والتهديد بالتظاهر والاعتصام مجدداً، أمر مستغرب ومقلق.

وإن كنت أرى أن ما جرى التسويق له «إعلامياً» ليس أكثر من ثرثرة بهدف التشويش وخلط الأوراق التي لا قيمة لهما.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن