قضايا وآراء

مقاربات سياسية.. وتموضع إرهابي

| منذر عيد

يوحي المشهد العام لمجريات الأحداث في المنطقة، بأن ربيع المنطقة لن يكون كسابقه في السنوات الماضية، وبأن أجواء ساخنة سوف تسيطر عليه بشكل لافت، وذلك مع التطورات المتسارعة التي تشهدها سورية والمنطقة، لجهة الاستدارة العربية نحو دمشق، ومساعي كل من الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني لنسف طريق الوصول إلى العاصمة السورية، سواء الواصلة مع العواصم العربية أو أنقرة، حيث تسعى الإدارة التركية جاهدة وتسابق الوقت لطرق أبوابها قبل فتح صناديق الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الداخل التركي، ربيع قد يزيد من سخونة أجوائه ردة فعل الاحتلال الأميركي بعد حصاره في قواعده اللاشرعية شمال شرق البلاد، ورفع تنظيم جبهة النصرة الإرهابي من عملياته الانغماسية والإرهابية ضد الجيش العربي السوري والمناطق المحررة، بعد تلمسه رأسه على خلفية تخوفه من أن يكون كبش فداء تقدمه أنقرة على مذبح التقارب مع دمشق.

الحراك العربي على طريق دمشق الدبلوماسي.. ومساعي رئيس الإدارة التركية رجب طيب أردوغان للوصل إلى عتباتها، تؤكد أن سورية والمنطقة على أبواب مرحلة جديدة؛ تشبه في ملامحها فترة ما قبل 2010 وبداية الحرب الإرهابية عليها، وبأن ثمة مراجعات بدأت بالارتسام في عمق سياسات من تورط أو قرأ خطأ بأن ما خطط لسورية على أنه ربيع يمكن أن يثمر خيراً لشعبها وللمنطقة؛ لم يكن إلا سراباً، وورقة في مخطط عدواني يستهدف سورية في بنيانها ودورها، حيث عمل الغرب الاستعماري على إيهام الجميع أن ذاك «الربيع» يمكن أن يثمر «حرية وديمقراطية»، حراك يؤكد أن تلك الدول بدأت بقراءة وبمقاربة جديدة لحقيقة الوضع، وبدأت بتمزيق أوراقها الدبلوماسية إزاء سورية طوال اثنتي عشرة سنة مضت، في مشهدية تؤكد عودة الأمور، سياسياً، إلى ما قبل تلك القراءات الخاطئة، وليعود العالم العربي إلى سورية، وتركيا جارة كما كانت ولتبدأ في البحث عن حل لعقدة شدت وثاقها بيديها، وأزمة باتت في قلبها، بعد أن كانت رأس حربة في صناعتها على مدى سنوات الحرب الإرهابية الاثني عشرة عاماً على سورية.

تبرز في مشهدية الأحداث الحالية أربع صور رئيسة، أولها عودة العرب إلى سورية، وثانيها التطبيع التركي مع سورية، وثالثها الهستيريا الأميركية الإسرائيلية وردة فعلهما إزاء التعافي السوري، ورابعها حراك الإرهاب من جديد في مناطق إدلب.

الصورة الأولى برز فيها حديث وسائل الإعلام الأميركية، عن لقاء محتمل بين الرئيس بشار الأسد ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي قبل نهاية الشهر الحالي، وقرب قيام وزير خارجية المملكة العربية السعودية فيصل بن فرحان بزيارة دمشق وتسليم الرئيس الأسد دعوة رسمية لحضور القمة العربية في 19 الشهر المقبل، ليضع ذلك إذا ما تم، نهاية القطيعة بين العرب وسورية، وعودة التضامن العربي والعمل المشترك إلى سابق عهده، ليصب ذلك بشكل أو آخر في مصلحة الجميع.

في الصورة الثانية شكل الاجتماع الرباعي لنواب وزراء خارجية سورية وروسيا وإيران وتركيا في موسكو، نقطة مفصلية في العلاقات السورية- التركية، لمجرد الجلوس على طاولة دبلوماسية، بعد أن كانت تصر الإدارة التركية على رحيل جميع أركان الحكومة السورية، لتشكل تلك النقطة بداية إعلان هزيمة المشروع التركي في سورية، بانتظار إعلانها سحب قواتها المحتلة من جميع الأراضي السورية، ووقف دعم الإرهاب، وعدم التدخل بشؤون سورية الداخلية، وهذه هي الثوابت السورية، ليتم السير بخطا أكبر وأسرع على طريق التطبيع، إن كانت الإدارة التركية جادة في ذلك، وليس الاجتماع لدواع انتخابية، سورية غير معنية به نهائياً، الأمر الذي شدد عليه نائب وزير الخارجية والمغتربين أيمن سوسان خلال لقائه الوفدين الروسي والإيراني بالقول: «ضرورة إنهاء الوجود التركي غير الشرعي على الأراضي السورية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله».

اكتمال الصورتين السابقتين يدفع إلى بلورة الصورة الثالثة، وليبقى السؤال ثم ماذا بشأن الاحتلال الأميركي، ووجوب انسحابه من جميع الأراضي السورية؟ السؤال عن ذلك بات حقيقة تقض مضاجع قادة الإدارة الأميركية، ليقينهم أن عودة العرب وأنقرة إلى دمشق، يفضي بالضرورة إلى خروج جميع القوات الأجنبية غير الشرعية من سورية، هذا الأمر كان السبب الرئيس في دعوات الإدارة الأميركية المتكررة إلى عدم التطبيع أو التقارب مع دمشق، ليخرج منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي في أحدث تصريح حول ذلك بالقول: ليس من مصلحة أحد تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، وليذهب أبعد من ذلك في تخوفه من الحجيج السياسي تجاه دمشق، بزعمه أن «الجنود الأميركيين يعملون بشكل قانوني في سورية لحماية مصالح الأمن القومي»، دون أن يوضح أي قانون يجيز لبلاده احتلال أراضي دولة أخرى؟! وليخيط العدو الصهيوني بذات «المسلة»، ويكثف من عدوانه على الأراضي السورية، ليقينه والأميركي أن تلك الاعتداءات يمكن أن تفرمل أو تلغي عمليات التقارب من دمشق.

ولارتباط الاحتلال بالإرهاب، فإن الصورة الرابعة كما سابقتها رسمها الحراك في الصورتين الأولى والثانية، حيث بدأ متزعم تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي أبو محمد الجولاني بتلمس رأسه، على وقع خطوات التقارب بين أنقرة ودمشق، وإمكانية تفريط الأولى به للوصول إلى أبواب دمشق، وإصرار الأخيرة على ضرورة القضاء على جميع أنواع الإرهاب على أراضيها، الأمر الذي أكدته مصادر أن الجولاني قال خلال اجتماع مع متزعمي تنظيمه قبل شهر إن على تنظيمه التمدد خلال شهرين نحو المنطقتين اللتين تحتلهما تركيا في عفرين ومنطقة الباب وجرابلس بريف حلب، في حال طلب منه مغادرة إدلب وأرياف غرب حلب وشمال حماة وشمال اللاذقية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن