اقتصاد

هل تنتهي هيمنة الدولار..؟

| هني الحمدان

متغيّرات الحياة تقع يوماً بعد آخر، ولم يعد خافياً أن العالم في حالة تغيّر، ويمرّ اليوم بمرحلة مخاض، يبدو أنها طويلة، في ظل تكهنات وتوقعات عن مآلات ووجهات هذا التغيير، وما شكل التحوّل الذي سيطرأ، وما وقعه وآثاره على منطقتنا..؟ وهل سيأتي خيراً على شعوب المنطقة..؟ لا شك هو تحوّل مهم، حسب الوقائع التي بدأت ملامحها بالظهور على الساحة العالمية وساحتنا العربية، سيمسّ البنى القديمة التي استقر عليها النظام الدولي منذ السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية بهيمنة دول الغرب، ليس سياسياً بل اقتصادي وفرض عملتها على تعاملات وعلاقات شعوب المعمورة تعاطياً وتجارة. فالعالم سيتغير لا محالة، وستبرز أقطاب وأحلاف جديدة، تفرض إيقاعها وسطوتها الاقتصادية وقواها المالية أيضاً، بعيداً عن الارتهان لدول الغرب وأميركا وعملتها التي لحقها التصدّع مؤخراً.

الوقت ربما يبدو مبكراً على التكهّن السليم عن شكل التغيير المتوقع، وما انعكاساته على اقتصادات منطقتنا العربية، وهل سيسهم في أن يكون رافعة نموّ أو رافداً لخلق أجواء تحفّز قنوات النموّ في الاقتصادات وتغيّر من حسابات المعادلات السابقة..؟

الوقائع وما تذهب إليه التكهّنات، في ظل حالة التموّج الحاصلة، أن أميركا وبعض الدول الأوروبية باتت اقتصادياً تواجه تحدّيات وأزمات كبرى في الشأن الاقتصادي، ناهيك عن التداعيات الداخلية على صعيد كل بلد، وربما تتوسع دائرة الأحداث مع اشتداد تأثيراتها السلبية على الاقتصادات في تلك البلدان، ما قد يعزّز فرضيّة حصول الانهيارات الاقتصادية، وهذا ما يشرع الباب أمام إعادة تشكيل النظام الدولي على أسس ومقومات قوى اقتصادية، ورسم خريطة جديدة لقوى ومناطق نفوذ، فالتقاربات الحاصلة في دول الشرق تحت زعامة الصين باقتصاد آخذ بالتمدّد الكبير، مدعوماً بارتباطات اقتصادية منيعة مع روسيا وبعض دول منطقة الشرق الأوسط، ينبئ بتحولات اقتصادية مهمة مستقبلاً، ويضع حدّاً للارتهان للدولار الأميركي، بعد ظهور قوي لعملات جديدة، ربما ستشكّل أرضية غنية مدعومة بارتباطات واتفاقيات دول مع بعضها، يكون ندّاً قوياً للعملات الغربية، وربما يحقّق مكان الصدارة، ويتزامن كل هذا التحول مع العديد من الإشارات الواضحة على بدء انحسار هيمنة الدولار، وهاهي دول أوروبية «كفرنسا» بدأت تتحسّس مدى التحول السريع إلى نشوء وتشكّلِ عالم جديد غير مرتهن لأميركا وعملاتها، في إشارة منها إلى مدى التغيّر الذي قد سيطرأ لاحقاً..!

وعلى صعيد المنطقة العربية انخرطت دول عربية مع أخرى صديقة باتفاقات قد تؤسس لدور إيجابي يرفد أسس تشكّل النظام الجديد، وقد يحمل التقارب بين دول المنطقة نهجاً جديداً، يحمل الخير والسلام ويحسّن من العلاقات التجارية، ما يعزز من حلقات التعاون والتبادل التجاري وغيره من أوجه التعاون التي ستصب في خانة تحسن واقع معيشة العباد، فدول المنطقة العربية وجوارها دفعت على مدار عقود ثمن ترتيبات النظام العالمي الآخذ بالأفول،والتي جاءت على حساب وحقوق شعوبها.

فالقراءة تشير إلى انحسار وتراجع للدور الأميركي، وربما ازدياد خسائر عملاتها على مستوى العالم وفقدان منزلته المعهودة، وتوسع أدوار الصين وتقارباتها مع روسيا، وما قامت به من دور كبير للمنطقة برمتها وما فعلته بالتقارب السعودي الإيراني، وما سيفتح ذلك من قوة اقتصادية وسياسية أيضاً، فعلاقات القوة الجديدة تصاغ اليوم وفق معايير ومحددات واضحة، تنطلق من حق الشعوب في التمتع بحقوقها، وسياسة القطب الواحد ولّت إلى غير رجعة، فليس بإمكان أميركا التفرّد بسياستها وفرضها على إرادة بلدان المنطقة.

التغيّرات عاصفة في كل المجالات، والاقتصاد على رأسها، ولا يبدو أن الدولار،خلال العقد القادم، قادر على الصمود أمام التحولات الجادّة من الدول للابتعاد عنه بتجارتها ومعاملاتها، وبالتالي بوزنه في احتياطات الدول، ما ينذر بهبوط وتراجع بقيمته، وهذا قد يشكّل أزمات مالية لأميركا ولدول أوروبا في قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، ويقلّل من جذب الاستثمارات، وبالتالي يقلّل من هيمنة الدول الغربية، ويعزّز من بروز تكتلات جديدة وتمدد الأخذ بعملات أخرى.

والسؤال هنا: كيف انعكاس تلك المتغيرات على حال دول المنطقة العربية،ونحن من ضمنها..؟ هل تم رسم سيناريوهات للعمل وأخذ الحيطة إن الانتظار والترقب هما السمة الدائمة التي لا تتغير..؟ فحسب المؤشرات على الساحة الدولية والعربية أصبح العالم في مرحلة بداية نهاية الدولار، فما البدائل..؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن