رياضة

الدوري الكروي الممتاز بين الأداء العجيب والمستوى المفقود … ملاعب تئن وملاعب زُلزلت والجمهور عاتب … إستراتيجية التطوير تحتاج إلى عوامل مساعدة ومسابقات محدَّثة

| ناصر النجار

الساحة الكروية تشهد حالتين متناقضتين تماماً، الحالة الأولى ايجابية يبدأ اتحاد كرة القدم ببسط قواعدها وتسطير منهاجها تحت مسمى التطوير، والحالة الثانية: سلبية وهي تحاكي الواقع الكروي بكل جزئياته وتفاصيله دون الأمل بوجود حلول قريبة.

ومن الحالات السلبية نبدأ، حيث مشاهداتنا الكروية لا تروق لأحد إن استعرضناها نقداً وتحليلاً، ولكننا نجد من الضرورة أن نشير إليها ونسلط الضوء عليها ليتم معالجتها بوتيرة أسرع لأنها من الحاجات التي تدعم كل تطوير وارتقاء بكرتنا.

ولعل الملاعب هي قصة كل موسم لا نكاد ننتهي منها ولا نجد أن المعالجات والصيانات التي تطولها باتت مجدية، إما لأن الملاعب انتهت صلاحيتها وإما لأن القائمين على الصيانة غير مختصين بالملاعب، وفي الحالتين فإن كرتنا تدفع الضريبة باهظة حيال هذا الوضع السلبي الذي لا يساعد لاعبينا وأنديتنا على تقديم كل إمكاناتهم.

وللأسف فإن الصيانة لا تدوم أكثر من شهر أو شهرين، ولكن بعد مباراة أو اثنتين أو بعد هطل الأمطار نجد أن ملاعبنا تحولت إلى أسوأ من ذي قبل، وهذا يعتصر قلبنا ألماً على ملاعب غير صالحة وعلى مال مهدر دون طائل.

واعتمدت كرتنا على الملاعب الصناعية لتتخلص من الملاعب العشبية التي باتت مكلفة وتحتاج إلى (عقلاء) يزرعونها ويعرفون كيف سقايتها وعنايتها، ومع الزمن اهترأت هذه الملاعب وانتهت مدة صلاحيتها وصارت عبئاً على كرة القدم وخير مثال وشاهد على ما نقول ملعب الجلاء الذي يتحمل ضغط مباريات الدوري الممتاز والدرجة الأولى وشباب الممتاز، وإذا جردنا ملاعب العاصمة لوجدنا أن ملاعب العباسيين والفيحاء وتشرين معطلة، أما ملاعب الأندية فهي مخصصة لدوري الأحياء الشعبية وهي مؤجرة على الدوام وهي كملاعب العاصمة الرئيسية إما ذات عشب طبيعي، لكنه متصحر أو عشب اصطناعي مهترئ وفاقد للصلاحية ويمكننا استثناء ملعب المحافظة الذي ما زال محافظاً على نضارته.

وإذا كان مثالنا الحي من ملاعب العاصمة فإن ملاعب المحافظات أدهى وأمر وهي بوضع لا يسر صديقاً ولا عدواً.

ولو اطلعنا على الكثير من الملاعب وخصوصاً التي هي خارج دمشق لوجدنا أنها تفتقد المقومات الرئيسية لوجودها، فالمرافق الصحية معطلة وبات مكباً للنفايات، ومشالح الحكام والمراقبين والفرق في خبر كان وهي غير صالحة لاستضافة الخيول، فضلاً عن غياب التجهيزات والمستلزمات وفي أقلها لوحة تبديل اللاعبين وشباك المرميين المهترئة وكراس يجلس عليها المراقبون ومن في حكمهما.

الملاعب هي ركن أساسي من أركان كرة القدم ودون وجودها صالحة لن تطور كرة القدم لأن اللاعب لا يستطيع توظيف إمكانياته على مثل هذه الملاعب ولأن المدرب تتبعثر خطته على أرضيتها.

الجمهور رضي بما قسم الله له من هذه الملاعب وبات يرتادها ليتابع معشوقته وفريقه المفضل، لكنه اصطدم في الإياب بقرار منع الجمهور من ارتياد الملاعب من باب الحيطة والحذر خشية تداعيات الزلزال على ملاعبنا، والزلزال مضى على حدوثه أكثر من شهرين وأعتقد أن اللجان المكلفة الكشف عن الملاعب وهي ثلاث من المفترض أن تكون قد أنهت هذا الكشف وخصوصاً أن الملاعب المعينة للكشف قليلة ولا تحتاج كل هذا الوقت والزمن الطويل، ومن خلال متابعتنا للمباريات بعد قرار المنع وجدنا أن بعض المقربين من الأندية تزحف إلى المباريات تباعاً وبات الحضور يقدر بين الخمسمئة متابع وقد يصل إلى أكثر من ألف.

موضوع الملاعب بحاجة إلى حل جذري، مسؤولية الملاعب وتجهيزها لا يقع عاتقها على اتحاد كرة القدم، إنما هي مسؤولية الجهات الرياضية العليا والحلول المطروحة بالوقت الحالي غير ملبية لأنها حلول طويلة الأمد، لذلك لابد من البحث عن حلول سريعة قد تكون عبر بعض الاتفاقيات مع الفيفا أو الاتحاد الآسيوي أو بعض المعاهدات مع الدول العربية والصديقة.

مستوى مفقود

في الدوري ملاحظات عديدة أهمها أن المستوى مفقود وهو ضعيف في أغلب المباريات، ولم نعد نرى فرقاً عالية المستوى وفرقاً ضعيفة المستوى، فالجميع يسير في مركب واحد ولا نجد أحياناً هذا التفاوت بالمستوى بين فرق المقدمة وفرق المؤخرة، فالفوارق البسيطة هي التي وزعت الفرق على جدول الترتيب، ولنا مثال في مباراة الفتوة وأهلي حلب، حيث شاهدنا أسوأ ما يمكن مشاهدته في عالم كرة القدم والمفترض أن يقدم لنا الفريقان مباراة قوية ممتعة وجميلة وخصوصاً أنهما يضمان في صفوفهما أفضل اللاعبين، لكننا ندمنا على متابعة مباراة مملوءة بالعك الكروي والكرات الطويلة وسوء الانتشار وضعف بناء الهجمات، كانت بالفعل مباراة فقيرة بكرة القدم، وغيرها من المباريات شاهدة على ذلك كتعادل الطليعة المتأخر مع جبلة المتوثب ليكون فارس الدوري، وفوز الوثبة الصعب على الوحدة بهدف، وتحقيق المجد أول فوز له في الدوري على حساب الكرامة في حمص، كل ذلك يدل على ضعف المستوى وغياب الحلول المجدية عند الفرق الكبيرة المملوءة بأفضل اللاعبين من النجوم أصحاب الخبرة ومن الشباب أصحاب الموهبة.

لكن المراقبين يرجحون سبباً خفياً غير مباشر يتعلق بعدم انتظام الدوري وكثرة التوقفات وهو يؤثر بشكل سلبي في جهوزية اللاعبين كما يسهم بدخول الملل والفتور إلى اللاعبين فضلاً عن توهان المدربين في توزيع برامج التدريب، فقد تكون التدريبات تسير في جهة لتتوقف مع أول توقف، ومع الإعلان عن الاستئناف يضطر المدرب إلى العودة إلى التدريبات الابتدائية التي تخص العامل البدني قبل الانتقال إلى الدروس التكتيكية مرة أخرى.

وهنا يتحمل المسؤولية عن ذلك اتحاد كرة القدم، وكم يتمنى عشاق كرة القدم أن تصبح لدينا روزنامة نشاط مقدسة وثابتة وخصوصاً أن كل دول العالم صارت برامجها ثابتة مع وضوح الرؤية بالنسبة للمشاركات الخارجية على صعيد الأندية والمنتخبات، نحن أكثر ما نكون أحوج إلى روزنامة ثابتة وأن نسعى باستمرار إلى ضبطها وإجرائها بمواعيدها وأن نلتزم بأيام الفيفا في مشاركاتنا الخارجية، وفي حال وجود استثناءات طارئة فستكون خفيفة وغير مؤثرة بشكل عام.

ولا يكفي هنا الحديث عن الروزنامة السنوية، بل إن المسابقات الرسمية بحاجة إلى تعديل جذري ليتواكب مع فكرة التطوير الذي يتبناها اتحاد كرة القدم وسنأخذ مفاعيلها في القريب العاجل.

هناك الكثير من الملاحظات على الكثير من المسابقات، ومنها كرة القدم الأنثوية، فليس المطلوب منا إقامة نشاط أنثوي فقط، بل مطلوب دعم الكرة الأنثوية بشكل جيد وفعّال، فالكرة الأنثوية تعاني سوء الانتشار وهي محصورة فقط بمحافظات السويداء وريف دمشق وحمص وحماة والحسكة، وكانت مزدهرة في جبلة واللاذقية ودمشق وحلب. نأسف أن أنديتنا الكبيرة لا تملك في صفوفها كرة أنثوية وهي الأولى برعايتها، وللأسف لا نجد أي تطوير في هذه الفئة أبداً، واللاعبات اللواتي يمارسن اللعبة مازلن على حالهن دون زيادة، وفي المواسم السابقة خسرنا أندية عديدة تمارس اللعبة مثل أندية المحافظة والوحدة وشرطة حماة، فبدل أن تزيد عدد الأندية ويزداد عدد اللاعبات الممارسات لها، لا نجد هذا الأمر الصحي معمولاً به، ورغم وجود بعض العناصر النشطة ضمن اتحاد كرة القدم إلا أن اهتمامهن محصور بأعمال قليلة بعيدة عن الانتشار وتحقيق النقلة التي نتمناها، قد يكون الكلام النظري سهلاً أمام التطبيق العملي، لكن البحث عن الحلول ودعم أي مشروع سيكون واجباً على كل من يتبنى هذه الفئة الكروية، لا يهم كثيراً أن كرتنا الأنثوية صار لها تصنيف آسيوي ودولي من خلال بعض المشاركات الخارجية لأن ما يهمنا أكثر هو رؤية هذه الكرة بخير ورؤية انتشار صحيح لها، وربما لو دخلنا المعاهد الرياضية لوجدنا الكثير من البنات الراغبات بكرة القدم، وربما لو شجعنا الكثير من الأندية الريفية لوجدنا أنها قادرة على تبني الكرة النسائية وهو أفضل بكثير من انتشار كرة الرجال بكثرة دون أن يكون لهذا الانتشار أي جدوى، وعلى سبيل المثال نجد أن نادي فيروزة ونادي السلمية تبنيا كرة القدم النسائية وهذا يدعم وجود أندية أخرى كمحردة والسقيلبية ودريكيش والسودا وصلخد وغيرها التي تذخر فيها الرياضة الأنثوية بالعديد من الألعاب.

الكرة الأنثوية إن لم تجد الانتشار المنطقي ستبقى تدور في حلقة مفرغة ولن تتطور قيد أنملة.

التطوير

الجانب الإيجابي في اتحاد كرة القدم إنشاء لجنة جديدة اسمها لجنة التطوير، الفكرة قائمة، والأعمال المكتبية بدأت، وحتى الآن يعمل في هذه اللجنة كادر كبير لم تتحدد معالمه بعد.

التطوير سينتهج فكرة العناية بالقواعد والبداية من فئتي الأشبال والناشئين عبر بطولة المحافظات وتبني هذه البطولات ووضع ميزانية خاصة لها.

ولن نخوض بالتفاصيل والمقترحات لكنها أفكار جيدة ضمن استراتيجية بعيدة المدى تخدم كرتنا لسنوات طويلة.

الاهتمام بالمنتخبات الوطنية، والالتفات إلى القواعد اهتماماً ورعاية عبر برنامج التطوير خطوة إيجابية، لكن هذا لا يكفي ويجب أن يواكب إجراءات أخرى كثيرة منها ما تحدثنا عنه من روزنامة مسابقات مقدسة وثابتة إضافة إلى تعديل النظم الخاصة ببقية المسابقات في دوري الشباب ودوري الدرجة الأولى وكأس الجمهورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن