اقتصاد

هـل أدلـّكم عـلى نفط المستقبل؟ «صناعـة أشباه الموصـلات»…!

| د. سعـد بساطـة

جدد الرئيس الأميركي تأكيده أن إدارته تعمل على استعادة الصدارة بصناعة أشباه الموصلات عالمياً، كون فقدانها لريادة تصنيع هذه الرقائق يُعد «ثغرة أمن قومي».! وتعد الولايات المتحدة من البلدان التي تواجه مأزقاً بالاعـتماد على تايوان لتأمين هذه الواردات.

وقال «الولايات المتحدة هي من اخترعت الرقائق الإلكترونية.. وعلى مدى 30 عاماً كانت تصنّع 40 بالمئة من إجمالي إنتاج الرقائق العالمي، ثم حدث شيء ما وأصبح العمود الفقري لاقتصادنا أجوف». «وبدل انتقال المنتجات، بدأت الشركات هي من تنتقل إلى خارج الحدود. وكنتيجة لذلك، نحن اليوم نصنع 10 بالمئة فقط من الإنتاج العالمي للرقائق الإلكترونية». يبلغ حجم سوق الرقائق العالمية حوالى نصف تريليون دولار، وتستهلك الصين نحو ثلثي الإنتاج العالمي، بينما تهيمن تايوان على 60 بالمئة من إجمالي التصنيع العالمي لتلك الرقائق.

وقادت تلك المخاوف الأميركية واشنطن لتخصيص 52 مليار دولار لدعم قطاع الرقائق الإلكترونية على أراضيها. كما أنها أوقفت تصدير الرقائق وأشباه الموصلات للصين، كحرب تكنولوجية تشنها على بكين. الآن الحملة الصينية تهدف لتحقيق الاكتفاء الذاتي بالتكنولوجيا المتقدمة.

من طرف آخر؛ أعلنت كوريا الجنوبية عزمها إنشاء مجمع ضخم لصناعة الرقائق الإلكترونية في سيئول، بتكلفة تبلغ 230 مليار دولار بمشاركة عملاقة التكنولوجيا سامسونغ.

تسبّب نقص الرقائق في إحداث دمار في العديد من الصناعات، لذلك تبذل الولايات المتحدة جهوداً واضحة للاستثمار في صناعة أشباه الموصلات التي يعدّها البعض «النفط الجديد». وتدخل تلك الرقائق في الصناعات المختلفة (الهواتف الذكية وأفران المايكرويف إلى السيارات والصواريخ والطائرات).

الرقائق الإلكترونية قطع صغيرة مصنوعة من السيليكون، يتم تغليفها في حاوية من الخزف تسمى الحزمة، وتعمل على تضخيم الإشارات الكهربائية، وتعمل كمفتاح تشغيل بتطبيقات الحاسب الآلي، وهي دائرة متكاملة تعـادل مجموعة مترابطة من الترانزستورات.

تتكون الرقائق الإلكترونية من (الموصلات- العوازل- شبه الموصلات مثل السيليكون). وتصنـّف ضمن السلع النادرة بسبب (تكلفة التصنيع – ارتفاع الطلب العالمي – اعتمادها على مواد نادرة (التنغستن والتانتالوم والكوبالت والغاليوم)).

وأهم الدول المشهورة في تصنيع تلك الرقائق الإلكترونية

1- الولايات المتحدة الأميركية: وتعدّ من الدول الرائدة في تصنيعـها (شركة إنتل وآبل).

2- اليابان: قطاع كبير ومتطور (شركة سوني وتوشيبا).

3- كوريا الجنوبية: (شركة سامسونغ وإل جي).

4- تايوان: تنشط هناك بشدة (شركة تايوان سيميكوندكتور وتايوان ستار).

5- الصين: تعدّ من الدول الناشئة في هذا المضمار(شركة هواوي وشياومي).

إلى وقت قريب، كانت أميركا تصمم وتصنع أسرع الرقائق، وحافظت على ريادتها باعتبارها القوة العظمى؛ لكنها بدأت تتراجع، ويقوّضها منافسون في تايوان وكوريا وأوروبا، وقبل كل أولئك الصين. سيكون التحكم في تصنيع الرقائق في القرن الـ21 أشبه بالتحكم في إمدادات النفط خلال القرن الـ20، فيمكن للدولة التي تسيطر على هذا التصنيع خنق القوة العسكرية والاقتصادية للدول الأخرى. وحالياً تمثل تايوان نحو 92 بالمئة من الإنتاج العالمي لصناعة أشباه الموصلات بدقة عـالية، مما يجعلها المزود الرئيس للأغلبية العظمى من الرقائق التي تشغل أكثر الأجهزة تقدماً في العالم.

في المقام الأول، تكتسب هذه الصناعة، أهمية عسكرياً، لأن كل الأسلحة باتت محوسبة الآن إلى حد كبير، وفي الحرب لا بد أن تكون كل دولة قادرة على صنع رقائقها؛ فيعتبر تصنيع أشباه الموصلات نشاطاً عالي القيمة المضافة للغاية.

على نحو مماثل، يهدف الاتحاد الأوروبي لتعزيز «سيادته التقنية» من خلال استثمار يصل إلى 30 مليار يورو، كي يرفع حصة أوروبا بسوق الرقائق العالمية إلى 20 بالمئة من 10 بالمئة الحالية.

تقول اليابان: إن إحياء صناعة أشباه الموصلات هو «مهمة وطنية»، لا تقل أهمية عن تأمين الغذاء والطاقة، والحكومة مستعدة لوضع أموال ضخمة وراء هذه الأحلام.

ودعمت الصين صناعة الرقائق بتخصيص 1.4 تريليون دولار لها ومع هذا، لا يلغي هذا الدعم المادي الحاجة لتايوان؛ ولكن مع قيام واشنطن بإعاقة تقدُّم الصين، هناك تكهنات بأن تلجأ الصين لسرقة عناوين بروتوكول الإنترنت الخاص للشرائح.

باختصار أشباه الموصلات هي الحلقة المركزية لتطويـر وسائل الإنتاج، في خضم لحظة الاقتصاد المعرفي التي تمر بها البشرية أو يمر بها بعضها على الأقل، إذ إنّ بعضها الآخر ما فتئ لا يكترث كثيراً إلى الفرق بين الرقاقات الإلكترونية، موضع الصراع العالمي، ورقاقات البطاطا المقلية Potato Chips بنكهاتها المختلفة.

لكنّ تصميم الرقاقات شيء، (وهو ما تحوز الولايات المتحدة الأميركية قصب السبق فيه)، وتصنيعـها شيءٌ آخر. أما جمع مكوناتها وتعبئتها واختبارها، فهو شيءٌ ثالث، وقصب السبق فيه عالمياً للصين.

يتندر البعض بالقول: إن الصين فرضت حظراً على تصدير الرمال لتايوان، والرمال المكـّون الرئيسي للسيليكون لتصنع أشباه الموصلات… وهي أشبه بـ«قرصة أذن» فليس هدف الصين أن يتوقف إنتاج تايوان من الرقاقات، ولكن في ظل أزمة إنتاج الرقاقات عالمياً، يزيدها الحظر الصيني على تصدير الرمال إلى تايوان حدةً وتكلفةً، والرمال في تايوان تمثل البر الصيني رمزياً.

ختاماً: من كان يصدق أن رمال الصحراء العربية، التي تبلغ 80 بالمئة من مساحة الوطن العربي، ستصبح ثمينةً لهذا الحد في عصر الرقاقات الإلكترونية؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن