رياضة

أخطاء متراكمة ومركبة في اتحاد كرة القدم تحتاج إلى الحلول … روزنامة المسابقات تصطدم بالمعوقات والفكر الكروي مازال غائباً

| ناصر النجار

انطلق إياب الدوري الكروي للدرجة الممتازة في رحلة تنافسية مثيرة بين نصف فرق الدوري على الصدارة واللقب، وبين النصف الثاني على الهروب من المؤخرة ومن الهبوط.

وكما نلاحظ فإن برامج مسابقات الدوري بكل الفئات والدرجات تجري على قدم وساق وقد انتهى بعضها، وبعضها الآخر في طريقه إلى الوداع.

من المسابقات التي انتهت بطولة دوري شباب الممتاز وقد حاز أهلي حلب اللقب للمرة الثالثة على التوالي وتموضعت بقية الفرق في مواقعها في أغرب دوري لا يخدم شيئاً وليس فيه أي فائدة.

بعده سينتهي دوري السيدات الذي قطع أكثر من ثلثي مشوار الإياب.

وبعد العيد سنشهد نهائيات الدرجة الأولى للرجال والشباب، ومما لاشك فيه أن اتحاد كرة القدم سيحاول زج مباريات كأس الجمهورية بعد العيد ضمن مباريات الدوري الممتاز.

نلاحظ زحمة المباريات، كما نلاحظ أن اتحاد كرة القدم يشغل كل أيام الأسبوع بالمباريات، والمفارقة العجيبة أن المتابع لا يجد أحياناً أي مباراة في شهرين بينما يجد زحمة غير طبيعية من المباريات في يوم واحد، وهذا يدل على سوء إدارة المسابقات الرياضية فضلاً عن الأسباب الطارئة التي تتحكم بمجريات الأمور، وهذا الأمر يقودنا إلى الروزنامة السورية ومدى جدواها وفائدتها، وخصوصاً أن هذه الروزنامة يشوبها التعديل والتبديل ألف مرة في الموسم.

كرة القدم عندما نتحدث عنها، لا نتحدث عن لعبة رياضية ترضي عشقنا وشغفنا وتمتع ناظرينا، نتحدث عنها من مبدأ العلم، لأن العلم هو أساس التطوير، وعملية التطوير لها مقوماتها وأسبابها والآليات التي يجب أن تسير عليه.

وكرة القدم ليست هباءً منثوراً، إنما هي خطوات ودرجات، وكلما خطوت هذه الخطوات بسرعة وثقة كلما وصلت خط النهاية قبل الآخرين.

في مطلع الثمانينات الماضية درب فريق الجيش المدرب الإنكليزي وليم بيل، وكان العقد يشير إلى بقاء المدرب مدة سنة قابلة للتجديد، لكن المدرب لم يتم السنة وطلب فسخ عقده قبل إتمام السنة مع العلم أنه نال المركز الثالث في بطولة العالم العسكرية خلف الكويت وقطر.

لماذا طلب المدرب الإنكليزي فسخ عقده، لأنه لم يجد أجواء كرة القدم الحقيقية ولأنه وجد (الواسطة) أساس كرة القدم إضافة لعدم وجود الرجل المناسب في المكان المناسب، وعندما سئل في مؤتمر صحفي، كيف نطور كرة القدم؟ قال: لا يمكن لكم طرح هذا السؤال! عندما يصبح لديكم ملعب جيد تستطيعون طرح مثل هذا السؤال!! إذاً عندما لا نملك مقومات كرة القدم فمن المستحيل أن نتطور، وهكذا نجد أننا مكاننا سر، فمنذ أكثر من أربعين سنة كرتنا تمشي خبط عشواء، فلا ملاعب جيدة، ولا روزنامة مدروسة بطريقة متناسبة مع المباريات ولا يوجد الرجل المناسب في المكان المناسب، ومازال الجهلاء يتصدرون المشهد وأهل الخبرة على مقاعد الانتظار يتابعون انهيار كرتنا ورياضتنا على حد سواء.

الروزنامة

روزنامة النشاط تعتبر من أهم الخطوات في اتحاد كرة القدم، المفترض ألا تكون عبثية، وأن توضع وفق منهج علمي متوافق مع الروزنامة الخارجية، ومواكبة للأحوال المعروفة التي تعتري كرتنا من ملاعب وأندية وكوادر مؤهلة لتعود هذه الفرق والمباريات، دوماً تصطدم الروزنامة بالنشاط الخارجي مع العلم أن النشاط الخارجي بات معروفاً ومعلوماً للجميع الصغير قبل الكبير، حتى الجمهور يعلم ما ينتظرنا من نشاطات خارجية على مستوى الأندية والمنتخبات، فعندما نقرر أن نضع جدول مباريات دوري الشباب علينا معرفة المشاركات الخارجية سواء في غرب آسيا أو البطولات الآسيوية ويجب التواصل مع لجنة المنتخبات لنعرف ما المعسكرات المزمع إقامتها لمنتخب الشباب والمباريات التي يخوضها، هذا التواصل يفضي إلى اتفاق وإلى جدول يسير وفق المأمول دون أي عثرات، والشيء الجيد أن الاتحاد الدولي وضع مواعيد ثابتة لإجراء المعسكرات والمباريات، وهذه المواعيد التي تسمى أيام الفيفا تكفي لتحضير المنتخبات، وعلينا ألا ننسى أن تأهيل المنتخبات وتجميع اللاعبين يأتي بنهاية الموسم، وهذه فرصة لاختيار أفضل اللاعبين بعد أن تمت مشاهدتهم في الموسم الكروي الكامل، وإعادة تأهيل اللاعبين وأثناء الموسم تقام المباريات والمعسكرات الخارجية ضمن أيام الفيفا، وبمثل ذلك تسير بقية الدرجات والفئات.

في المسابقات هناك بطولات لا تتأثر بالنشاط الخارجي كبطولة الدرجة الأولى بفئتي الرجال والشباب إضافة إلى بطولة الدرجة الثانية التي تقام على مستوى المحافظات، ومن هنا ندرك أن المشكلة محدودة بالدوري الممتاز وكأس الجمهورية، وهذه تحتاج إلى دقة في العمل وتركيز عالٍ، فكل أسابيع الدوري الممتاز (22) أسبوعاً على مرحلتين، ولا نجد أنه من الصعوبة تمرير الذهاب دفعة واحدة كل مرحلة في كل أسبوع، وبعد الميركاتو الشتوي يبدأ الإياب، أما المستغرب جداً فهو مسابقة كأس الجمهورية المهملة، ولأن المشاركة فيها باتت واسعة فإننا نستغرب تأخيرها إلى الشهر الرابع، ومن المفترض أن تقام أدوارها الأولى قبل الميركاتو الشتوي وأن توزع مبارياتها ضمن روزنامة منضبطة مثلما نشاهد في البطولات العربية والدولية، وهذا أفضل من حشر المسابقة، هذا الموسم انسحب أكثر من خمسة وعشرين فريقاً ليس بسبب الزلزال، فالزلزال كان حجة فقط لأن أغلب المنسحبين لم يكونوا ينتمون إلى مناطق الزلزال، والسبب المباشر في انسحاب أغلب الفرق أن الموسم الكروي الخاص بها، ولم يعد بإمكانها تجميع اللاعبين وفتح أبواب اعتماد مالية جديدة، بينما لو أقيمت هذه المباريات وسط الموسم لكان الوضع أفضل وخصوصاً أن كل الفق بمختلف الدرجات تكون في أتم الجاهزية والاستعداد.

روزنامة المسابقات تحتاج إلى تكتيك خاص وإلى دراسة معمقة وتفكير طويل قبل إصدارها، لأن المهم أن تنفذ بحذافيرها لا أن تكون حبراً على ورق وتشهد كل يوم تعديل جديد.

الإمكانيات المتاحة

العمل الجيد يقتضي تحويل الإمكانيات المتاحة إلى إمكانيات جيدة، وعندما يباشر اتحاد كرة القدم بمشروعه التطويري فهو أمر إيجابي جداً ومطلوب، وكلنا مع هذا المشروع ونتمنى نجاحه، لكن لضمان نجاح هذا المشروع فهو يحتاج إلى وجود آليات كثيرة وعوامل مساعدة مهمة.

في الدرجة الأولى يسعى اتحاد كرة القدم لتبني بطولات للأشبال والناشئين على مستوى كل المحافظات وسيتحمل كل التكاليف بما فيها أجور الكوادر الفنية والإدارية ونفقات المباريات والفرق وغير ذلك.

السؤال الأول: هل نملك المدربين الاختصاصيين القادرين على تدريب الفئات العمرية وتطوير موهبة ومهارة اللاعبين؟

فالخطوة الأولى تبدأ من عملية تأهيل الكوادر الفنية، وكلنا يعلم أن التدريب في بلادنا عبارة عن اجتهاد شخصي وسعي ذاتي من المدربين وهذا لا يكفي، لذلك لابد من مساعدة المدربين الشباب المواهب عبر إلحاقهم بدورات متقدمة وفترات إعاشة مع بعض الفرق من الدول العربية والصديقة، ولأن اتحاد كرة القدم كما يخبرنا عن جولاته الخارجية أنه يبرم اتفاقيات مع الاتحادات الوطنية فإننا نتمنى أن تشمل هذه الاتفاقيات تأهيل الكوادر الإدارية والتنظيمية والفنية، ولا بأس أن تشمل هذه الاتفاقيات بقية الاختصاصات المهمة كالأطباء والمعالجين والمدلكين وكذلك الحكام.

فالتطوير ليس أن نجمع لاعبين وأن نقيم بطولات وأن نصرف وندفع، بل هو علم قائم بذاته يحتاج إلى فكر وثقافة كروية نيرة وإستراتيجية طويلة المدى.

ولأننا مازلنا في الحديث الفني فإن الاقتراح الذي نرفعه إلى اتحاد كرة القدم يقتضي باستغلال وجود المدربين الأجانب وخصوصاً الهولنديين لإقامة بعض الدورات الضرورية والأساسية لبعض المدربين المتفوقين في تدريب الفئات العمرية.

بعيداً عن تأهيل الكوادر، فإن الملاعب هي ركن أساسي من أركان التطوير، وكما نقلنا حديث المدرب الإنكليزي وليم بيل فقبل الحديث عن تطوير كرة القدم علينا ان نتحدث عن الملاعب، فعندما تكون الملاعب الجاهزة والصالحة نسأل عن كيفية تطوير كرة القدم.

الملاعب أصبحت في حالة يرثى لها وكما نشاهد فإن الملاعب الصناعية باتت في وضع سيئ وقد انتهت مدة صلاحيتها، وها هو ملعب الجلاء الملعب الوحيد في دمشق في حالة يرثى لها.

عملية تجهيز الملاعب كما قالوا مكلفة وليس لدى الاتحاد الرياضي العام الاعتمادات المالية الكافية لذلك، وهو كلام حق بالمطلق، لأن إعادة تجهيز ملعب واحد يحتاج إلى مئات الملايين، لذلك فإن حل هذا الموضوع يحتاج إلى قرار مسؤول، ويجب البحث عن حله من الداخل ومن الخارج، ونقصد بالخارج إعانات الفيفا والاتحاد الآسيوي الخاصة بتجهيز الملاعب، إضافة لاتفاقيات مع الدول العربية والصديقة للمساهمة بحل هذه المشكلة، وهناك (كما علمنا) زيارات من شخصيات كروية رفيعة موعدها بعد شهرين ومن الممكن تسليط الضوء في هذه الزيارات على الملاعب من أجل المساعدة بإعادة إعمارها وتجهيزها.

لكن الملعب ليس مدرجات وأرضية عشب فقط، الملعب مرافق صحية وغرف ومشالح وتجهيزات ومستلزمات عديدة وضرورية، والمشكلة أننا نهمل هذه الملاعب بكل جزيئاتها وتفاصيلها.

وكم من ملعب وخصوصاً الملاعب الصناعية وملاعب الأندية وملاعب المحافظات تفتقد المرافق الصحية وغرف ومشالح الحكام والفرق، وكم من فريق غير ملابسه على أرض الملعب، وكم من مدرب أعطى درسه النظري على أرض الملعب، فضلاً عن عدم وجود لوحة تبديل جيدة ونقالة إسعاف، وشباك مهترئة ورايات مزعجة بشكلها.

عملية تأهيل هذه الملاعب لا تحتاج إلى النفقات الباهظة التي تكسر الظهر، ومن المفترض بالأندية أن تبادر لإصلاح مرافق ملاعبها وتأمين التجهيزات السليمة الجيدة، وكذلك اللجان التنفيذية بالمحافظات عليها أن تبدأ مشروع تجهيز الملاعب بشكل جيد لنحصل على ملعب مريح في مرافقه على الأقل، لكن الطامة الكبرى أن بعض المراقبين اشتكوا عدم وجود كراسي ليجلسوا عليها وعدم وجود طاولة ليكتبوا تفاصيل المباراة حالة حالة.

نعود فنقول إن مشروع التطوير الذي سيعمل عليه اتحاد كرة القدم مشروع جيد بالمطلق ونتمنى له النجاح، ولكن يحتاج إلى آليات وعوامل مساعدة على اتحاد كرة القدم أن يلحظها، كما يحتاج إلى مساندة كل الأندية ولو بالنواحي الفنية ويد واحدة لا تصفق ولا بد من تكاتف الجميع لنجاح هذا المشروع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن