اقتصاد

البسطات.. التجار الفقراء … حزوري لـ«الوطن»: شكل من أشكال اقتصاد الظل يحقق مكاسب ولا يخضع للضرائب

| جلنار العلي

تعد البسطات من أكثر الأنشطة التجارية رواجاً في معظم الشوارع الرئيسية والفرعية والحارات الشعبية، وذلك لكونها من المشاريع قليلة رأس المال، ولكن لم تعد هذه البسطات تقتصر على أصحاب رؤوس الأموال المحدودة، إذ بتنا نرى بسطات كبيرة تبيع جميع السلع والبضائع من ألبسة وأحذية وأدوات مطبخية ومستحضرات تجميل لماركات مقلدة بأسعار مخفضة لا تشكل أكثر من 20 بالمئة من أسعارها الحقيقية، وشواحن وإكسسوارات للموبايلات، بل وعمد بعض الأشخاص إلى بيع موبايلات مستعملة عليها من دون معرفة مصدر هذه الموبايلات، أما بالنسبة للبسطات التي تبيع المواد الغذائية والألبسة فأصبحت تزداد في شهر رمضان وبالأعياد.

اللافت في عمل هذه البسطات، أنها تعمل من دون أدنى رقابة فمنها من يبيع بأسعار مقاربة جداً لأسعار المحلات على الرغم من أنها معفية من الضرائب ورسوم الكهرباء وتكاليف المولدات، أو أنها تبيع ألبسة بأقمشة رديئة جداً أو سلع مختلفة سيئة الجودة قد تتسبب بالكثير من الأضرار للمشترين، ولكن هذا لا ينفي أن البسطات أصبحت اقتصاداً قائماً بذاته، وأنها باتت تشكل نسبة لا يستهان بها من عمليات الشراء وسوق المبيعات.

يصعب التنبؤ بها

الخبير الاقتصادي الدكتور حسن حزوري، اعتبر في تصريحه لـ«الوطن»، أنه يصعب على الباحثين فهم طبيعة ظاهرة البسطات وتحليلها؛ نظراً لكونها غير مسجلة في الدوائر الرسمية وغير محسوبة الأعداد، وبالتالي يصعب التنبؤ بشكل دقيق بمقدار مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي للمدينة أو الدولة، إضافة إلى تعدد النشاطات التي تشملها، كما تشكل هذه الظاهرة، حسب حزوري، إشكالية بالنسبة للجهات الرسمية من ناحية كيفية ضبطها أو التقليل من الآثار السلبية الناجمة عنها، خاصة التلوث والاختناقات المرورية وسط المدن الكبرى، والصراع بين أصحاب هذه البسطات وأصحاب المحلات التجارية.

ترتبط بالبطالة والفقر

ويرى حزوري أن البسطات ترتبط غالباً بمعدل البطالة والفقر بشكل وثيق في أي بلد، وعلى الرغم من أنها تمثل فرص عمل متناثرة، لكنها تشكل بمجموعها حركة اقتصادية تسهم بشكل كبير (نظراً لاتساعها) في تنشيط مختلف جوانب الإنتاج الزراعي والصناعي لكونها تعتبر أبواب تصريف كثيرة وواسعة وقادرة على زيادة حجم المبيعات، وفي الأغلب ينتج عن هذه الأنشطة صراع مع القطاع الاقتصادي الرسمي، ومع الجهات الرسمية في كل مدينة.

تنامت بسبب قلة الأجور

ولفت حزوري إلى ضرورة التمييز بين نوعين من باعة البسطات من حيث الدخل، النوع الأول يضم الفقراء محدودي الدخل أو حتى معدميه ممن لا يجد قوت يومه، ويضطره ذلك لامتلاك بسطة في أحد شوارع المدينة بحثاً عن مصدر رزق، أما النوع الثاني فيشمل التجار وأصحاب المحال التجارية التي إما يملكون بسطة ويديرونها بواسطة عامل وإما يستغلون الرصيف المحاذي لأبواب محالهم لعرض بضائعهم.

وفي السياق، اعتبر حزوري أن تنامي وسرعة انتشار البسطات في سورية يعود لأسباب عديدة في مقدمتها نتائج الحرب، وتدهور الوضع المعيشي للسكان وزيادة الفقر، وعدم كفاية الدخل الرسمي للعاملين بأجر ولاسيما في القطاع الحكومي، ولكن بكلا الحالتين تعد البسطات واحدة من أشكال اقتصاد الظل التي يتم الحصول من خلالها على مكاسب مادية من دون أن تخضع للنظام الضريبي.

عمل أكثر ربحاً

وأوضح حزوري أن أسباب تفضيل العمل في البسطات تعود إلى أنه مربح أكثر لكونه لا يخضع لأي ضريبة أو رسوم أو تكاليف، وذلك في حال تم استثناء ما يدفع أحياناً لموظفي البلدية للسماح لصاحب البسطة بالبقاء أو لعدم مصادرة البضاعة، إضافة إلى وجود أشخاص كثر غير قادرين على الحصول على فرصة عمل في القطاع الرسمي الحكومي أو الخاص، ما يجبرهم على العمل في البسطات، ناهيك عن ضعف الأجور في أنشطة الاقتصاد الرسمي، ولاسيما للعاملين في الدولة، ما يجعل البعض يفضل عدم التقدم لوظيفة حكومية، أو لجوء الموظف الحكومي للعمل في البسطة بعد انتهاء دوامه الرسمي من أجل تأمين دخل إضافي يساعده في تأمين مستلزمات المعيشة، متابعاً: «ويضاف إلى ذلك عدم توافر الخبرة للعمل في القطاع المنظم وخاصة في المهن التي تحتاج شهادات أو خبرات مهنية».

لا يمكن تنظيمها رغم مضارها

من جهة أخرى، اعتبر حزوري أنه على الرغم من أهمية البسطات ودورها في تأمين فرص العمل وتحسين الدخل وتصريف المنتجات الصناعية والزراعية، إلا أن لها سلبيات كبيرة أيضاً، منها عدم وجود أي رقابة على السلع المباعة فيها، فقد تكون مجهولة المصدر، ومضرة بالصحة العامة، أو مهربة، أو غير صالحة للاستهلاك ولا يوجد فيها أي ضمان، وبالتالي لا يستطيع المواطن من خلال البسطة ضمان حقه في ملاحقة من يبيع مواد مغشوشة أو مضرة بالصحة العامة.

ومع ذلك، يرى حزوري أنه لا يمكن بالوقت الراهن ونتيجة الحرب، تنظيم هذه البسطات مثل الدول المتقدمة، لأسباب عديدة، في مقدمتها، الوضع الاقتصادي وعدم قدرة الحكومة أو القطاع الخاص على خلق فرص عمل إضافية أو تأمين دخل يؤمن الحد الأدنى من المستوى المعيشي لحياة كريمة، إضافة إلى عدم توافر ساحات كافية في المدن لتمركز البسطات فيها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن