قضايا وآراء

أنقرة فوق الشجرة

| مازن جبور

معادلة «لا إدلب بعد إدلب»، تضع النظام التركي على رأس الشجرة بانتظار وسيلة متاحة أو ممكنة للنزول، في وقت تتعذر فيه مساعدته فهو الذي صفق وهلل وحشر عناصر التنظيمات الإرهابية في المحافظة السورية المتاخمة لحدوده للاستثمار في الملف لاحقاً، إلا أن وضعه الداخلي الانتخابي المتعثر جعله في موقف حرج، إذ لا إدلب جديدة ينقل هؤلاء المرتزقة إليها.

يعد ملف التنظيمات المسلحة في إدلب، أكثر الملفات تعقيداً في مسار التقارب السوري- التركي، خصوصاً أن للملف أبعاده الدولية والإقليمية المتضاربة، التي تجعل منه ملفاً شائكاً يحتاج حله مساراً طويلاً وصعباً من المحادثات، على العالم أن يساعد في هذا المسار وبشكل خاص الدول التي ينتمي هؤلاء المسلحون إليها، الذين يتجاوز عددهم حسب تقارير إعلامية 70 ألفاً، في ظل غلبة وسيطرة لجبهة النصرة الإرهابي في المنطقة، الأمر الذي يضيق من خيارات الحل لهذه المعضلة المتنامية وسط السلاح الكثيف المنتشر وتعدد الولاءات والانتماءات.

تتنوع التنظيمات المسلحة المنتشرة في إدلب بين ما يسمى «الجبهة الوطنية للتحرير» وما يسمى «الجيش وطني» وجبهة النصرة الإرهابي، والأخير يضم الكثير من الإرهابيين غير السوريين، مثل الإيغور وغيرهم من إرهابيي آسيا الوسطى ودول أخرى، استقدمتهم الدول التي قادت ودعمت بالمال والسلاح الحرب الإرهابية على سورية، ومن ضمنها تركيا، إذ إن الأغلبية العظمى من هؤلاء العناصر عبروا الحدود التركية نحو الأراضي السورية، تحت نظر أجهزة الاستخبارات التركية وبإشرافها، وعلى الرغم من أنهم، ذوو انتماءات وولاءات متعددة، إلا أن معظمهم يدين بالولاء الكامل للنظام التركي، ومن لا يدين بالولاء الكامل له يرتبط به استخبارياً ومالياً، وهو ما يجعل النظام التركي مسؤولاً عنهم والأقدر على إنهاء ملفهم، خصوصاً أن هناك رعاية روسية وإيرانية لهذا الملف.

التعقيد السابق الذي يمكن وصف حال الوضع في إدلب به، والذي يرخي بظلاله على ملف التقارب السوري – التركي، يضع مسلحي التنظيمات الإرهابية المنتشرين في إدلب وما حولها، وراعيهم التركي، أمام خيارين: الأول، التسوية، والثاني، الترحيل، ومن يشذ منهم عن هذين الخيارين، مصيره التصفية، على غرار من رفض الانصياع لملف التسوية في باقي المناطق السورية التي كانوا يسيطرون عليها خلال السنوات السابقة.

موقف دمشق واضح، وتصر عليه، إذ لا تقارب مع أنقرة، قبل ضمانات بانسحاب تركي من الأراضي السورية المحتلة، والانسحاب التركي يقتضي على الأقل إنهاء ملف المرتزقة، أو الضغط عليهم من خلال قطع التمويل والتسليح عنهم، بحيث يخضع السوريون منهم لتسوية، وأن تعمل أنقرة على نقل أصحاب الجنسيات الأخرى منهم إلى أراضيها أو إلى جبهات أخرى، أو أن ترعى موسكو وطهران هذه الجزئية بحيث تتوسط لدى بلدانهم لإعادتهم إليها والتعامل معهم، ويبقى خيار التصفية خياراً قائماً في مواجهة المعترضين منهم، وعلى موسكو وطهران وأنقرة مساعدة دمشق في القضاء عليهم.

إن التعقيد والتشابك اللذين يتسم بهما هذا الملف سيجعلان منه ملفاً صعباً، ويحتاج حله إلى مساحة زمنية كبيرة، ويمكن النظر إلى حله على أنه السلّم الذي سيساعد أنقرة في النزول عن الشجرة، ومن هنا يمكن فهم الفرق بين الانسحاب التركي الفوري من الأراضي السورية المحتلة، وبين جدولة الانسحاب، إذ إن الجدولة مهمة في المرحلة الحالية نظراً لوجود دور تركي يجب أن يكون فاعلاً في إيجاد حل واضح ونهائي لملف التنظيمات المسلحة في إدلب، وفي هذا السياق يمكن فهم مطالبة دمشق بجدولة الانسحاب، وبضمانات لقيام تركيا بذلك، وهو ما سيجد النظام التركي نفسه مضطراً للموافقة عليه، خصوصاً أنه يسابق الزمن بالإعلان عن خطوات لاحقة في التقارب مع دمشق، لم تحصل بعد، بهدف تحقيق مكاسب انتخابية ما يضطر الأخيرة لتكذيبه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن