ثقافة وفن

أيها العمال أفنوا العمر كداً واكتساباً

| إسماعيل مروة

نداء للعمال الدراويش أن يفنوا أعمارهم في العمل، قصائد جميلة ومؤثرة نتداولها ندرسها وربما درسناها لطلابنا، ونحن نطلب من العمال أن يفنوا أعمارهم في الكدّ والاكتساب! وهم لا مشكلة لديهم، فقد أعطوا أعمارهم للعمل لا لشيء، وليس من أجل العمل وحده، بل من أجل كسب لقمة العيش والحياة الكريمة، وهم يعملون، فهل يحصلون على ما يريدون من الحياة؟

العامل الذي يفني يومه وعمره هل يأكل من الأغنيات، وهل يطرب للقصائد، والموظف الذي يمضي سحابة يومه وسنواته وعمره في وظيفته ماذا كسب من أغنيات المعمرجي (محمود ودرجي) والتي تضرب عصافير في وقت واحد، فهي تتحدث عن الوحدة الوطنية، إذ يشارك في البناء كل أبناء الوطن دون استثناء، وهذا الأمر مهم وعظيم ويحتاجه الوطن، لكن هل استطاع محمود ودرجي أن يحيا حياة مقبولة من عمله؟ وهل تشبع قصيدة أيها العمال البطون الجائعة عندما يعود العامل الذي استهلك عمره في العمل إلى بيته؟ وهل تشفيه عندما يدخل إلى مشفى من مرض بسيط أو خطير؟ هل تداوي العامل كل الأغنيات التي ننظمها له؟

وحسين السيد كتب وعبد الوهاب لحّن وغنى (محلاها عيشة الفلاح) هل حقاً هي حلوة عيشة الفلاح؟ هل جربها هؤلاء المبدعون؟ هل غاصت قدما واحدهم في الطين عند السقاية؟ وهل شعر بغصة الأرض والتعب وهو يشم الورد ويأكل الغذاء الذي يأتي من الفلاح؟!

التغزل بالعمال كما فعل زكي ناصيف (حيّ العمال حيّ الشغيل) هل استطاع أن يأتي بما يكفيهم، ودعوته للصلاة ليبقيهم الله هل هي نعمة أم نقمة؟

العامل يحتاج إلى تحية حقاً، ولكن التحية تكون بتأمين ما يستحقه لقاء جهده وعمله، ولا تكون مكافأته باكتناز الأغنياء على حساباتهم في كل زمن لابد من وجود العمال، ولا مكان لأي حياة بلا عامل وفلاح، ولكن الذي نحتاجه حقاً أن يتم النظر إلى العمال نظرة أخرى.

العامل يبني ويعمل بأمانة حين يكون قادراً على تحصيل حياته ولقمته.

والفلاح يسعد بأرضه ويجد حياته حلوة بقدر ما يجد مقابل ورده وغذائه. إن تخصيص يوم للعمال من الأمور الحسنة والتي تجبر خاطر العامل كما الأم والمعلم، ولكن لا يجوز أن يكون احتفال يوم وشقاء دهر لهذه الشريحة، وهذه الشريحة أكبر مما تتخيل، فهي كل المجتمع، وهي كل عامل، وهي كل موظف، وهي كل مستخدم، وهي كل عامل نظافة وغيرهم من الشرائح التي لا نلقي إليها بالاً.

العامل والفلاح أكثر من تسعين بالمئة من المجتمع، وليست نسبة قليلة، والنسبة الباقية هي النسبة التي تتلاعب بمصير هؤلاء العمال مهما كانت تسميتهم، من بورجوازية إلى إقطاع إلى أرباب عمل إلى تجار إلى أصحاب مواقع ومسؤوليات..

شبع العمال على امتداد حياتهم أغنيات وقصائد.. (عمرلي أوضة ودار) سيفعل وسيبذل جهده، وسيبني أحلى من الخورنق الذي نعرفه في التاريخ، ولكن العامل والفلاح بحاجة إلى تقدير الجهد تقديراً حقيقياً.

الحرب على سورية أكدت أن العامل والفلاح والجندي هم من عملوا على بناء سورية، وبقوا في عملهم وبساتينهم ومواقعهم، لذلك لم يجع السوري كما جاع غيره، ولذلك بقيت عجلة الحياة، فليتنازل الذين استفادوا من هؤلاء، وليقدموا لهم الشكر بحياة كريمة، ومكافئة لجهودهم.. من البورجوازيين إلى الإقطاع إلى المسميات كلها حياة لا تكتمل إلا بجهد العامل والفلاح، فلنبحث عما يؤويه ويسد رمقه ويعطيه حياة كريمة.

بعدها سيردد العامل بحب (أيها العمال أفنوا العمر)

وسيرقص الفلاح في طين أرضه ليظهر جمال عيشة الفلاح..

الأغنيات لا تبني وطناً، والقصائد لا تسيج وطناً، البناء والسياج بالإنسان العامل الحقيقي الذي يحوّل الحياة إلى جوهرة.

أخبرت السماء بأن عواصف التنين (النوّة) جاءت على البيوت البلاستيكية في الساحل، والفلاح والعامل (يتلأمص) أي (يتلمظ) أي يسترجع أمره بسعادة في عيد عماله، وسيفني العمر كداً واكتساباً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن