ثقافة وفن

الأزياء هي أهم اتصال بصري يقدم الشخصيات … رجاء مخلوف لـ«الوطن»: الزير سالم وضعني في واجهة المشهد الدرامي العربي

| مصعب أيوب

الملابس عنصر جوهري للعمل الدرامي وهي جزء لا يتجزأ من هوية العمل الفني برمته، فتستطيع إيصال صفات الشخصية وخصائصها للمتلقي ولأي طبقة تنتمي وما هي طبيعة تفكيرها وحتى حالتها المادية، وللملابس دور كبير في التعبير عن طبيعة الشخصية وحالتها النفسية، وهي ركيزة مهمة لإظهار الشكل الخارجي والداخلي للفرد، في الدراما لا يهم أن تكون الملابس جميلة أو قبيحة ولكن الأهم أن تكون محاكية للشخصية وتظهرها في المواقف الدرامية متكاملة الأبعاد النفسية والاجتماعية والجسمانية وهذا ما يستدعي التعمق في دراسة الشخصية، لكل عمل درامي عوامل النجاح التي تتضافر فيما بينها لإظهاره في أبهى وأجمل صورة تبقى راسخة في ذاكرة الجمهور ومن هؤلاء المشاركين أسماء لا تعطى كثيراً من الأهمية لكن فنهم هو العنوان والصورة والمشهد.

الاستفادة من تجارب الآخرين

«الوطن» التقت المصممة رجاء مخلوف سيدة صناعة الأزياء الدرامية بامتياز التي تركت بصمتها الساحرة والملفتة في أجمل الأعمال الدرامية السورية فارتدى ألبستها نجوم كبار وعبرت عن شخصيات لا ينساها المشاهد من خلال تصاميمها.

بينت مخلوف أن كثرة مطالعتها الكتب وبحثها ومتابعتها للسينما التي وصلت لمكان بعيد مهد لها الطريق للانخراط في القطاع الفني فقد تأثرت كثيراً بها وتعلمت الكثير من الثقافات الأجنبية وبينت أن بعض الأفلام شكلت جزءاً من ذاكرتها الوجدانية ومعرفتها البصرية ومن أمثلتها فيلم الملكة اليزابيث الذي قدمت بطولته «كيت بلانيشت» والأغلبية تعلم أن هذا العمل حلّق عالياً في عالم الأزياء، كما أردفت أن الأفلام المعاصرة أيضاً تعلمها الكثير وكيف يتعامل السينمائيون مع الأزياء ولا سيما بعد دراستها الكثير من كتب العمل للدراما والدراسات الأكاديمية حول ذلك وعن علاقة الأزياء بالضوء والمكان والبيئة.

الزند ذئب العاصي

عن مشاركتها في مسلسل الزند بينت أن اللمسة الأهم هي محاولة جعل ملابس الشخصيات بألوانها ونوعية القماش تتماهى مع المكان والحالة النفسية، كما بينت أنها لا ترسل الرسائل عبر الأزياء بل تقدم وجهة نظر، ففي دمشق أو أي مدينة سورية أخرى هناك أزياء شعبية وأزياء تقليدية وأخرى مدنية والذي من الممكن أن يكون متأثراً بالحضارة الأوروبية، وأشارت إلى أن ملابس شخصية نجاة التي تؤديها الفنانة الشابة دانا مارديني توحي بأنها سيدة أرستقراطية من بيئة متنورة متعلمة لذا كان من المنطقي أن تكون ملابسها تتماشى مع البيئة التي تنحدر منها فلا بد أن تكون مختلفة عن باقي شخصيات العمل الذي يكون في أغلبيته من طبقة الفلاحين والمزارعين.

صدارة المشهد العربي

كما أضافت أن مسلسل الزير سالم شكل التحدي الأول لرجاء ووضعها في واجهة المشهد الدرامي العربي من خلال المسؤولية الكبيرة التي ألقيت على عاتقها ولاسيما في ملحمة تاريخية عظيمة كمسلسل الزير سالم الذي كان عليها الاهتمام بكل تفصيل مهما قل شأنه من ناحية الملابس والأزياء، وأفادت بأن العمل القريب إليها هو الظاهر بيبرس لأنه كان في مرحلة نضجها وإدراكها لجميع أبعاد العملية الفنية ومحاولة تقديم وحدة لونية متجانسة.

وعن الطريقة التي يتم فيها التعاون بين مصمم الملابس والقائمين على إنتاج العمل التلفزيوني بينت أنه يتم تقديم المقترحات للمخرج بعد جلسات عديدة وبعد قراءة النص بشكل جيد ومدروس وتتم الاستعانة ببعض الدراسات التاريخية والكتب الأكاديمية التي تروي قصص تلك الحقبة الزمنية والحالة المجتمعية والبيئية العامة، فيتم عقد لقاءات متتالية مع المخرج والمنتج وحتى المؤلف، وبينت أنها تحاول دائماً إنجاز أفضل صورة ممكنة لتحقيق نوعية أزياء مقنعة تكرس الشخصية في ذهن المشاهد.

دراسة معمقة

عن وصف مهنتها بالصعبة والمعقدة تقول مخلوف إنه بالفعل مرهق وشاق لكنه ممتع جداً بالنسبة لها وهي تعشق بناء الزي كما لو كان هيكلاً معمارياً له أساسات ودعائم ولا بد أن تكون له جماليات متناغمة.

كما بينت أن الأنواع الدرامية على اختلافها تحتاج لدراسة معمقة لتصميم الأزياء المناسبة لها حتى وإن كانت اجتماعية فلا بد أن تتناسب ملابس الشخصية الغنية في العمل مع طبيعتها الحياتية واليومية وكذلك ملابس الشخصيات الفقيرة، ولكن ما زال القائمون على العملية الدرامية لا يولون الاهتمام اللازم لتصميم الأزياء ولا تعامل على أنها جزء مهم في هذا العمل أو ذاك فاختيار الملابس على درجة عالية من الأهمية في صناعة العمل الفني ونجاحه لأنها تدخل في أعماق الشخصية وماضيها وانكساراتها ونجاحاتها ولعل العاملين في تصميم الملابس للدراما أهم الجنود المجهولين خلف الكاميرا فهو فن واختصاص يصطدم بجمال الممثل حيث لكل شخصية نمطها الخاص.

لمواقع التواصل شأن مهم

وعن رأيها في مواقع التواصل الاجتماعي توضح مخلوف أن لها دوراً مهماً في وقتنا الحالي من ناحية إمكانية تقديم الشخص وعمله ومهاراته وخبراته من خلال هذه الأدوات العصرية والحديثة باستخدام الشبكة العنكبوتية ولكن مخلوف لا تعتمدها دائماً، وتابعت أنها من الجيل الذي صنع نجاحاً وشهرة واسعة قبل أن توجد مواقع التواصل والمنصات الاجتماعية ولذلك لا توليها الاهتمام الكبير، ولكن لا يمكننا إنكار الدور المهم الذي تؤديه هذه المواقع لكونها طريقة مهمة لتوضيح بعض الأشياء التي ربما يجهلها الجمهور والذي بدوره أصبح اليوم محباً للاكتشاف والاطلاع ومتابعاً كواليس الأعمال فالكثير منهم بات ينظر للأعمال بعين الناقد ولم يعد المتابع مجرد متلق صامت وباتت تعنيه الصورة بكل عناصرها، وبينت أنها موجودة على مواقع التواصل بشكل مستمر لكنها لا تسمح لتلك الصفحات بالاستحواذ على وقتها فلعائلتها حق فيها كما لعملها ودراستها وأبحاثها ويبقى الكتاب والاستقصاء أهم من أي شيء، كما نوهت إلى أنه من الممكن أن تؤسس صفحات خاصة على مواقع التواصل لعرض تصميماتها وخطوات التنفيذ وبعض كواليس العمل.

شروط ومناخ خاص

وأشارت مخلوف إلى أن الأزياء والأدب والشعر جوانب متقاربة وليست متناقضة ولكونها تخرجت في الأدب الفرنسي لم يتناقض ذلك مع حبها وشغفها بالأزياء، وأوضحت أن الدراما أضافت لها الكثير والعمل للدراما شكل جوانب شخصيتها بشكل أو بآخر فهي عاشت وما زالت تعيش ضمن بيئة محاطة بالدراما والأزياء ونظرتها الجمالية للأشياء أصبحت أكثر عمقاً.

وفي الختام بينت أن العمل للدراما يختلف تماماً عن العمل في السوق التجارية ولكل منهما شروطه ومناخه المعين، فلتصميم ملابس للسوق العادية لا بد من دراسة المجتمع بكل بيئاته وتنوعاته ومعتقداته وظروفه الاقتصادية لكي نقدم منتجاً مناسب، على حين أن العمل للدراما التلفزيونية لها منطق مختلف بعض الشيء وهي تخص شخصاً معيناً ومكان محدد وتحمل معنى درامياً وجمالياً محاطاً بالكثير من العناصر التي تتوافق فيما بينها لتضمن نجاح هذا العمل أو ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن