قضايا وآراء

العودة إلى المسار الصحيح

| منذر عيد

ربما لا يختلف اثنان بأن المشهد الجديد لعلاقات العرب مع سورية قد اكتمل بانتظار ترتيب صوره فقط، وبأن ثمة رغبة وجهوداً من المملكة العربية السعودية وبدعم من البعض الآخر مثل الأردن والعراق والجزائر والإمارات وتونس وسلطنة عُمان، لصياغة آلية جديدة تمحي سياسة السنوات العجاف الإحدى عشرة الماضية من العلاقات العربية- السورية، وتمهد لأن تكون القمة العربية المقبلة المقررة في التاسع عشر من الشهر الحالي بلا أي شغور بمقاعد الدول الأعضاء، بما يعيد الأمور والأوضاع إلى مسارها الصحيح.

ما تمخض عن اجتماع عمان التشاوري لوزراء خارجية سورية والأردن والسعودية ومصر والعراق، من تأكيد على دعم الحكومة السورية في بسط سيطرتها على كامل التراب السوري والقضاء على التنظيمات المسلحة والإرهابية، وإنهاء الوجود الأجنبي غير المشروع، يعكس الفهم الجديد للعديد من الدول العربية، ممن ابتعد سابقا عن سورية، بضرورة الوقوف إلى جانبها، وبأن سياسة القطيعة تنعكس سلبا على الجميع، وتفسح المجال لانتشار الإرهاب في سورية الذي يشكل خطراً بصورة مباشرة أو غير مباشرة على المجتمع العربي برمته.

أول أمس استُكمل في عمان ما بدأ العمل عليه في جدة في الخامس عشر من الشهر الماضي من نقاش عربي لإعادة خطوط التواصل مع دمشق، وإيجاد الطريقة المثلى لمن يصر على معاداة سورية لإعادة حساباته، عبر الحديث عن مبادرة أردنية من عشر نقاط تشكل خريطة طريق لإنهاء الأزمة السورية ترتكز على مبدأ خطوة بخطوة، يتم تطبيقها لاحقا بإشراف لجنة عربية مشتركة، وتساعد الدول المعارضة لعودة سورية إلى الجامعة العربية للخروج من سطوة الإدارة الأميركية التي تعمل جاهدة على عرقلة عودة العرب إلى دمشق ووحدة الصف العربي، مع جملة التغيرات الإيجابية في علاقات دول المنطقة، خاصة الإيرانية- السعودية، واصطفاف الأخيرة إلى جانب الحلف الروسي الصيني أقله اقتصاديا.

جدية الحراك العربي نحو دمشق، يعكسه توقيت الاجتماع التشاوري في عمان وانعقاده قبل أيام من انعقاد القمة العربية، وفي خضم تنامي المشهد الدبلوماسي لملف العلاقات العربية السورية، من خلال زيارة وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد إلى كل من السعودية والجزائر وتونس، وقيام الأخيرة بتعيين سفير لها في دمشق، وزيارة وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان إلى دمشق ولقاء الرئيس بشار الأسد، بعد قطيعة دامت اثني عشر عاماً، كانت فيها الرياض بالضفة الأخرى المواجهة للحكومة السورية.

من المؤكد أن العرب أدركوا جيداً ضرورة أن تكون سورية جزءا من منظومة العمل العربي المشترك، بما ينعكس ذلك إيجابا على الأمن القومي العربي، ويشكل توازنا كبيراً في المنطقة، خاصة وان العالم برمته مبني على التكتلات والتحالفات، من أوروبا إلى «بريكس» إلى «شنغهاي» إلى «G7»، وبأن بقاء العرب مشرذمين يجعلهم عرضة لأطماع الغرب وهيمنته، لتكون مقولة وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين في الخارج نبيل عمار أن فترة انقطاع علاقات بلاده مع سورية بمنزلة «خروج عن المسار»، لسان حال الجميع.

رغم تشاؤم البعض من نتائج الحراك العربي نحو دمشق، وتخوفه من ارتهان البعض للقرار الأميركي ورفضهم عودة سورية لمقعدها في الجامعة، إلا أن واقع المنطقة والعالم وإفرازاته السياسية والعسكرية، يوفر المناخ المناسب لترتيب العرب شؤونهم الداخلية بشكل أكثر اتزانا وقوة وحرية، لجهة أفول نجم القطبية الأحادية للولايات المتحدة الأميركية، وهزيمتها غير المعلنة حتى الآن في الحرب الدائرة في أوكرانيا في مواجهة روسيا، وبروز التحالف الاقتصادي والسياسي الروسي- الصيني، ولعب بكين أدواراً مهمة في المنطقة، على مستوى عودة العلاقات الإيرانية السعودية، وفي مسألة الوضع في اليمن، ذاك الدور الذي كان قوياً على حساب الدور الأميركي الذي كان سبباً للتوتر والاقتتال بين دول المنطقة لمصلحة هيمنة الكيان الصهيوني.

إلى جميع الأسباب والمؤشرات الدولية التي تساعد على نجاح التقارب العربي- العربي، ثمة سبب رئيس يضاف إليها، وهو صمود سورية وجيشها طوال سنوات الحرب عليها وهزيمة المخططات الغربية الهادفة إلى تفكيك بنيتها، وتقسيمها إلى دويلات وكنتونات تحكمها مجموعات مسلحة، وتنظيمات إرهابية مرتهنة في رمتها للخارج.

قد يكون حضور سورية القمة العربية في الرياض مهماً لدمشق من حيث الشكل، إلا أن حقيقة الأمر سورية تعي جيداً أن الأهم من الشكليات، مضامين العلاقات العربية العربية، وهذا الأمر يتجسد ويظهر أكثر في العلاقات الثنائية، لارتكازها على رؤى وقرارات واضحة وحرة، بعيدة كل البعد عن مزاجية وحسابات البعض الآخر، الأمر الذي أكدت عليه دمشق مراراً وتكراراً أن الأولوية الحالية في سياستها تقوية العلاقات الثنائية، وهذا ما تعكس زيارات المقداد إلى العديد من العواصم العربية، حيث ستكون بغداد محطته المقبلة يوم السبت القادم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن