من دفتر الوطن

مشعل الحرائق

| حسن م. يوسف

«متواضعٌ كالرّمل، صاخبٌ كالبحر، عالٍ كالسّماء، حرٌّ كالرّيح».

على جدار مكتبة الروائي حيدر حيدر الضخمة ثمة لوحة صغيرة معلقة منذ سنوات، كتبت عليها هذه الكلمات، ويقال إن الروائي الذي ارتقى لملكوته صبيحة أول أمس الجمعة، كان يعتبر هذه الكلمات بمنزلة هوية له، وأنه أوصى بكتابتها على شاهدة قبره.

كتب الكثير عن الروائي حيدر حيدر، لقبه أحد النقاد بأنه: «أديب من فصيلة النسور» وعندما انخرط في المقاومة الفلسطينية أثناء حصار بيروت في مطلع ثمانينيات القرن الماضي كانوا ينادونه بـ«الفلسطيني السوري» ويلقبونه بـ«الثوري الرومانسي الحالم». غير أن حيدر حيدر كان يرى أنه واقع في ورطتين لعينتين: «ورطة الحياة وورطة الكتابة».

خلال حياته الإبداعية الطويلة لم يكتف حيدر حيدر يوماً بالمُراقبة أو لعب دور الشاهد، بل كان مثقفاً عضوياً منغمساً في حياة أمته وهموم شعبه. وقد عرّف نفسه يوماً بأنه «كاتب اليأس والقسوة، والنّهار المهزوم بالظّلمة»، وأعلن بكل صراحة انحيازه للمقهورين لأن «الحياد في زمن الصّراع تواطؤ».

مارس حيدر حيدر التدريس لعقد من الزمن عقب تخرجه في معهد المعلمين التربوي في مدينة حلب، وفي مطلع ستينيات القرن الماضي انتدب إلى الجزائر ليشارك في معركة تعريب التعليم هناك. غير أنه عاد في عام 1974 إلى دمشق، وسرعان ما انتقل منها إلى بيروت عازماً أن يكرس نفسه للأدب بعد أن استقال من سلك التعليم، ليعمل مُصحّحًا ومُدقّقًا لغويًّا في بعض دور النشر هناك.

نقطة التحول الجوهرية في مسيرة حيدر حيدر كانت أثناء وصول جيش الكيان السرطان إلى بيروت عام 1982، ولأنه منحاز لقضية الحرية والعدالة في العالم ويؤمن أن القضية الفلسطينية هي «عصب الوجود العربي»، فقد كان من الطبيعي على حد قوله أن يرى نفسه في خندق الشعب الفلسطيني.

خلال الحصار عمل حيدر حيدر في جريدة المعركة التي كانوا يوزعونها على المقاتلين، وقد كتب فيها مرة مناشداً المثقفين: «أضربوا عن مقاهيكم وخماراتكم وأنديتكم واخرجوا في شوارعكم احتجاجاً ولو صامتين. « من بيروت خرج إلى قبرص حيث عمل محرّراً ثقافيّاً، وبعدها عاد إلى حصين البحر حيث بنى بيتاً في السهل استقر فيه حتى وفاته. يعتقد الروائي حيدر حيدر أن نقد البنية الاجتماعية والفردية إحدى المهام الأساسية للأدب، وقد اقترب في سرده من اللغة الشعرية لاعتقاده بأن «هذا الأسلوب اللغوي هو القادر على التعبير عن أعماق الشخصيات الواقعية ـ المتخيلة وإنارة ظلماتها‏».

يرى حيدر حيدر أن «الكاتب العميق والجذريّ هو مشعل الحرائق في غابة منخورة ومسوّسة الجذور». لذا يتحفظ (بعضهم) على آرائه ومقولاته الفكرية، ويحاول بعض الموتورين إلصاق صفاتهم به، لكن الأمر الحاسم هو أن حيدر حيدر عاش ومات مخلصاً لنفسه ولشعبه وقد كرس حياته للدفاع عن الحق والإنسان في كل مكان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن