ثقافة وفن

صورة الشهيد في الدراما والسينما … محاولة التقاط مفردات الحرب والشهادة لإعادة تقديمها

| وائل العدس

يتوقف الإنسان ملياً أمام يوم يختصر تاريخ شعب بأكمله، تاريخ شعب امتلأت لحظات وجوده الطويل على هذه الأرض المباركة، بمرارات وعذابات لا حصر لها، غزوات واحتلال، أطماع وحروب إرهابية.

في السادس من أيار، علق السفاح التركي جمال باشا رقاب الأحرار من نخبة المثقفين والسياسيين السوريين والعرب في دمشق وبيروت على أعواد المشانق، ولكنه لم يتمكن من أن يطفئ حمية هذا الشعب وشعلته الملتهبة، فإذا به ينتفض في كل مكان مطلقاً صرخة الحرية، وما هي إلا أشهر معدودة حتى أطيح بالمستعمر العثماني.

هكذا تحولت ذكرى هذا اليوم لتشمل جميع شهداء الوطن الأبرار، جميع أولئك الذين ضحوا بدمائهم وحياتهم، على أمل حياة جديدة أفضل للجيل القادم.

فالشهيد نجمة الليل التي ترشد من تاه عن الطريق، وتبقى الكلمات تحاول أن تصفه ولكن هيهات، فهذا هو الشهيد.

وما يحصل حالياً على الأرض السورية ما هو إلا انعكاس للماضي، فمنذ اثنتي عشرة سنة حتى اليوم انضمت قوافل من الشهداء إلى قافلة السادس من أيار على الإرهاب في سبيل سيادة الوطن وتحريره من دنس الإرهابيين، حيث سطر الجيش العربي السوري ومازال يسطر بعزيمته وقوته وعقيدته أروع ملاحم البطولة والمجد والإباء والتضحية والشجاعة والثبات على الموقف والإصرار على المبادئ العليا.

وكان السعي من الفنانين محاولة التقاط مفردات الحرب والشهادة لإعادة تقديمها ضمن أعمال فنية تترجم اللحظة بحميميتها وعمق صدقها وتفاعل الناس بها والتفافهم حولها، فكان المزج ما بين الخط السياسي والنضالي والخط الإنساني الصفة شبه العامة للأعمال الدرامية المقدمة.

إن ارتقاء الشهيد كما الفن إبداع وعبقرية، فالشهيد في ممارسته لفن الشهادة أعظم فنان، لأنه يبدع صور استشهاده في الشكل الفني الرائع، متجاوزاً التسميات البدهية ليسمو فوق أبعاد الحروف ورموز الألوان وزوايا المساحات الضوئية، فهو الذي يعتلي قبة السماء مقيماً فيها دائماً، وهذه القبة لا يصل إليها إلا النخبة المختارة من خلق الله، فأي قيمة أعلى من قيمة الشهادة؟ وأي جنة أعز وأروع من تلك الجنة التي يفوز بها الشهداء بعد التضحية بالحياة التي لا تقارن بما نالوا؟

اختراع مسجل

من المؤكد أن «إخوة التراب» واكب عذابات الشعب السوري على يد المحتل العثماني الذي تفنن في القتل والتنكيل والظلم والاستبداد.

العمل تاريخي ملحمي يعرض أحداث بداية القرن الماضي، ويروي قصة الثورة العربية في سورية التي اندلعت في وجه الاحتلال العثماني بعد أن رزحت البلاد تحت حكمه أربعة قرون من الزمان.

يتناول الجزء الأول منه نهاية الدولة العثمانية والحرب الأولى إلى دخول الجيش العربي دمشق، على حين يعرض الجزء الثاني منه تطور الأحداث منذ دخول الجيش العربي سورية عام 1918 حتى قدوم الاستعمار الفرنسي عام 1920 ونهاية ثورتي إبراهيم هنانو وصالح العلي ضد الفرنسيين، وهو قصة وحوار حسن م يوسف وإخراج نجدة أنزور.

وواضح أن هدف المسلسل هو استعراض هذه الحقبة التاريخية من النضال ضد العثمانيين ثم الفرنسيين وعرض الثورة العربية، ومواقف الحلفاء والدولة العثمانية من العرب.

ووفقاً للعمل فإن الخازوق كان اختراعاً مسجلاً باسم الأتراك، حيث كان يدق بأسفل المقاومين حتى يخرج من كتفهم وربما رأسهم.

أدى أدوار البطولة في هذا العمل كل من: أيمن زيدان زهير عبد الكريم وسوزان نجم الدين وفايز أبو دان وجهاد عبدو وبسام لطفي وليلى جبر إضافة إلى آخرين.

الشهيد العريس

وتحضرنا في هذه المناسبة تمثيلية «العريس» عام 1975 تأليف خالد حمدي وإخراج شكيب غنام، ويدور محور الحكاية حول شاب يستعد لحفل الزفاف، وفي هذه الأثناء يدعوه الواجب الوطني فيلبي النداء، ويستشهد في المعركة.

القصة مستوحاة من بطولات حرب تشرين حيث يستدعى الشاب حسن المتزوج حديثاً إلى الخدمة في الجيش والحرب قائمة، ويقوم والده ببث قيم الوطنية والشجاعة فيه وإنه إذا استشهد وهو في مواجهة العدو فهو بطل، أما إذا قتل وهو هارب فليس بطلاً، ويذهب إلى الحرب ويكون تحت إمرة الرقيب إبراهيم، وفي إحدى المعارك ينجح بإصابة دبابة «إسرائيلية» بقاذف «آر بي جي» ثم يقوم بالهجوم على دبابة أخرى بوساطة قنبلة يدوية فيتقدم ويلقيها على الدبابة، فتصيبه طلقات العدو فيهرع إليه الرقيب إبراهيم ويسأله لِمَ خاطرت بنفسك فيجيبه: (خفت أن يسبقني أحد منكم) ثم يستشهد، وعندما يعلم والده بنبأ استشهاده يستقبل النبأ بافتخار ثم يذهب إلى المشفى ليبحث عن أحد رفاق حسن ليروي له قصة استشهاده، فيجتمع بالرقيب إبراهيم الذي يروي له قصة استشهاد ابنه والتي يتأكد منها أن ابنه استشهد وهو يقارع العدو وجهاً لوجه، فتقام جنازة للشهيد أشبه بعرس، وتنجب زوجة حسن طفلاً فيقرر جده تسميته على اسم والده الشهيد.

وهنا نشاهد تشوق الأم لمعرفة مصير ابنها ونرى كيف ترتسم على وجهها مشاعر الألم والصبر ولاسيما عندما يصر والد الشهيد على إقامة حفل شبيه بحفل الزفاف وسط الدموع، وأن يفرح أهله وجيرانه بهذا الاستشهاد، وتقام الحفلة في أجواء تلهب المشاعر وتؤكد أهمية الشهادة في سبيل الوطن وقيمتها ومعانيها الكبيرة، وهو من بطولة صلاح قصاص وهالة شوكت وسلمى المصري وهاني السعدي وأحمد عداس.

فداء للوطن

ومن الأعمال الدرامية التي صنعت عن الشهادة تمثيلية «شجرة الورد» تأليف وإخراج محمد الطيب، وقد عرضت عام 1981، حيث يوجد شاب في مقتبل العمر يُعنى بشجرة ورد في بيته العربي، وعندما تقوم المعركة يستشهد دفاعاً عن الوطن في المعركة. ‏

وكانت المسألة الأهم كيف استقبلت أم الشهيد نبأ استشهاد ابنها، حيث استقبل الأبوان الخبر استقبال الصابر الناذر أولاده فداء للوطن.

مقارعة الظالم

«الخوالي» مسلسل تلفزيوني سوري شامي، أنتج وعرض عام 1995، وهو من تأليف أحمد حامد وإخراج بسام الملا وبطولة: بسام كوسا وأمل عرفة وصباح الجزائري وهالة شوكت وسليم صبري وسليم كلاس وعلي كريم.

وتظهر شخصية البطل «نصار» الذي يقاوم الظلم، ويقارع من يمثله (الاحتلال العثماني) حتى ينال الشهادة بعد مسيرة طويلة من المقاومة إلى جانب رفاقه من شتى الطوائف والحارات.

عملية فدائية

في عام 2009 قدم نجدة أنزور مع الكاتب فايز بشير مسلسل «رجال الحسم» صورة مشرقة عن بطولات الجيش العربي السوري في حرب تشرين وتضحياته من خلال حبكة جاسوسية يقوم عبرها ضابط سوري بمتابعة شبكة للموساد في أوروبا، وهذه التوليفة الجديدة مكّنت المخرج من إبداع رؤية فنية لراهنية الشهادة والشهيد كقضية حاسمة في العيش اليومي للسوريين.

وتدور أحداث المسلسل حول مدرّس شارك في الحرب واكتشف بعد رجوعه إلى قريته أن والدته وأخاه قد استشهدا فيقرر بعد ذلك الانتقام بعملية فدائية في الأرض المحتلة.

وأدى أدوار البطولة: باسل خياط ومايا نصري وعبد الرحمن أبو القاسم ومنى واصف وتاج حيدر وأيمن رضا وميلاد يوسف ورامي حنا ونادين خوري، وآخرون.

سينمائياً

بعيداً عن الدراما، لا ننسى الشهادة في فيلم «ما يطلبه المستمعون» عندما ختم المخرج عبد اللطيف عبد الحميد فيلمه باستشهاد البطل فوق رشاش المضادات الأرضية على صوت فيروز «جايبلي سلام عصفور الجناين» أعقبه بموكب الجندي الشهيد يتقدم دروب الضيعة محمولاً على الأكتاف وملفوفاً بالعلم السوري وسط زغاريد وأهزوجات أهل قريته، فها هو العريس، ها هو البطل يجتاز دروبه عارجاً إلى سماء الخلود، ليدمج بأناقة عالية بين الأغنية الفيروزية ومشهد تشييع أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر.

ويتناول فيلم «دمشق يا بسمة الحزن» عام 2008 إخراج ماهر كدو تفاصيل حياة عائلة دمشقية منذ الاحتلال الفرنسي وحتى أواسط الخمسينيات واختلفت مواقف أفرادها تجاه الاحتلال بين مؤيد للكفاح وبين رافض له لكن المخرج أيَّد خيار النضال بمنحه شخصية «سامي» صفات لا يملكها إخوته كالرجولة والأفكار التحررية، ويلتحق بالثوار لينال الشهادة، كما تم إنتاج مسلسل درامي يحمل الاسم نفسه وهو من تأليف وإخراج لطفي لطفي عن رواية إلفت الإدلبي، وبطولة رفيق سبيعي ونجاح حفيظ ورنا جمول وزهير رمضان.

كما نذكر الفيلم الروائي «حتى الرجل الأخير» عام 1971 إخراج أمين البني إنتاج قسم السينما في الجيش وهو عن مجموعة مقاتلين يرفضون الاستسلام ويقاتلون حتى الرجل الأخير.

وفي فيلم «عواء الذئب» طاقة جيدة على دغدغة المشاعر الوطنية من خلال حكاية رجل يدعى «بو عمر» يعمل في التهريب ومتهم بقتل أحد رجال الجمارك يصادف أثناء اختبائه عن أعين الشرطة طياراً «إسرائيلياً» جريحاً بعد إصابة طائرته وتفجيرها بصاروخ طائرة سورية.

وتمكنت الكاميرا من تسجيل حوارات ذكية تدور بين «بو عمر» والطيار «الإسرائيلي» كاشفةً عن أصالة الإنسان العربي السوري وقدرته على المواجهة والمقاومة؛ كما عرض الفيلم مقاطع من إذاعة دمشق تبث أخباراً عن سقوط مدوٍّ لطائرات العدو «الإسرائيلي» وتدمير عشرات الدبابات على يد سلاحي الجو والبر السوريين؛ معشقاً ذلك بأغاني السيدة فيروز «خطة قدمكن عالأرض هدارة». ولتنتهي الحكاية بسوق «بو عمر» للطيار «الإسرائيلي» وتسليمه لمخفر القرية بعد أن يرفض «بو عمر» كل الإغراءات والمبالغ المالية التي يعرضها عليه الطيار «الإسرائيلي».

وكان لجملة الفنان الراحل صلاح قصاص «ألف حبل مشنقة ولا يقولوا بو عمر خاين ياخديجة» صدى يتردد نشيداً ليصبح صرخة دللت على تماسك المجتمع السوري بأكمله أيام الحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن