إن التطورات الكبيرة التي شهدها العالم من فيروس كورونا، إلى اندلاع الحرب الأوكرانية، انعكست على الاقتصاد العالمي وعلى سعر صرف الدولار الأميركي مقابل العملات الأخرى.
يرى المحللون أن مسببات ارتفاع الذهب تتنوع في تفسيراتها بين ما تؤكد على «أفول شمس» الدولار ونهاية الهيمنة المالية للولايات المتحدة، وتلك التي ترجع ذلك إلى التقلبات في أسعار الذهب تبعاً للدورات الاقتصادية، والوقائع تشير إلى أن اللجوء للذهب من جميع المستثمرين والبنوك المركزية عادة يقابله تراجع في قوة الدولار، وقد بلغ الدولار قمته السعرية قرب 115 نقطة في أواخر أيلول 2022، ومنذ ذلك الوقت والدولار يواصل النزول إلى مستويات 101 نقطة حالياً.
سجل الدولار انخفاضاً ملحوظاً في 22 آذار 2023 بعد قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة ربع نقطة مئوية، في ظل توقعات بانخفاض أكبر، حال تخلف واشنطن عن سداد ديونها الخارجية.
انخفضت نسبة الاعتماد على الدولار الأميركي في احتياطيات البنوك المركزية إلى ما دون 60 في المئة، وذلك لأول مرة منذ أكثر من 25 عاماً.
كما يُلاحظ تراجع قوة الدولار كعملة احتياطيات من جهة، وتراجع في الاعتماد عليه كعملة رسمية للتبادل التجاري بين الدول.
وترافق ذلك بمؤشرات لتحالفات دول كبرى لقصر تعاملاتها التجارية على عملات غير الدولار الأميركي، من جانب آخر نجد أن أحد مسببات ارتفاع الذهب هو تنامي مشاعر الخوف تجاه احتمالية عدم قدرة الحكومة الأميركية على مواصلة الاقتراض بسبب تحجيم الدين الأميركي من الكونجرس، لأن مثل هذه التطورات تضعف من قوة الدولار، وتجعل المستثمرين يلجؤون إلى ملاذات آمنة غير الدولار.
مع تزايد العقوبات الغربية على روسيا بعد الحرب الأوكرانية، بدأت روسيا بتغيير قواعد التمويل التجاري واستبدال التعامل بالدولار واليورو في تجارتها الخارجية.
على أن يستكملوا الأرضية اللازمة لاعتماد اليوان الصيني والروبل الروسي، كعملتين بديلتين، وهذا يحتم على الصين وروسيا تأسيس نظام تمويل، يقلل من هيمنة الدولار على المعاملات التجارية بين الدول، في وقت تتسارع فيه خطوات عديد من الدول والتكتلات إلى الحد من هيمنة الدولار على التعاملات التجارية حول العالم، وبدأ ذلك من خلال التوجه نحو التعامل بالعملات الوطنية للدول على الصعيد الثنائي، ما يُسهم في تعريض الدولار لتحديات مستقبلية واسعة تتجدد معها التساؤلات حول بداية النهاية لهيمنة الدولار في ضوء تلك التطورات.
مجموعة «البريكس» تسير نحو التحول عن الدولار الأميركي إلى عملات بديلة، وقد كتب الاقتصادي المعروف والحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية البروفيسور الأميركي جوزيف ستيجليتز في «الفاينانشال تايمز» في نيسان 2023 أن لا ثقة بالاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي خسر ورئيسه المصداقية على كل الجبهات.. مع التضخم وضعف الدولار وتراجع هيمنته.
يرى المراقبون أن أي تخلف للولايات المتحدة عن سداد ديونها يؤدي إلى تغيير التصنيف السيادي لديونها، وبالتالي يؤدي للسيناريوهات التالية: الأول يتمثل في هروب المستثمر الأجنبي من حيازة الدولار الأميركي كعملة ادخار واستثمار، والثاني يتمثل في ارتفاع كلفة الاستدانة لاحقاً، إضافة إلى مزيد من العجز في الموازنات ومزيد من طباعة الدولار، والثالث، هروب الرساميل الأجنبية خوفاً من انهيارات كبيرة محتملة في عدة قطاعات بما في ذلك المصارف.
يؤكد الخبراء أن ثمة مخاوف إزاء أزمات السيولة التي تعرضت لها البنوك الأميركية، والتوقعات بتكرار الأزمة في بنوك أخرى، على غرار أزمة بنك «سيليكون فالي»، والآن بدأت سيطرة العملة الأميركية كعملة احتياط رئيسية في العالَم تهتز؛ حيث تبحث الصين وروسيا وفنزويلا والبرازيل ودول أخرى، عن طرق جديدة للتخلي عن الدولار لمصلَحة عملات أخرى مثل اليوان الصيني.
يتوقع الخبراء نهاية سيطرة الدولار على العالم في غضون العقدين القادمين، وسط التآكل البطيء لقيمته وضعفه كعملة احتياطية في العالم والزيادات في سعر النفط وتراجع الولايات المتحدة في إنتاجه مع احتمالية تخلف واشنطن عن سداد الديون وبالتالي استمرار تراجع قيمة وهيمنة الدولار، بالمقابل هناك تنامٍ ملحوظ للمشاعر السلبية ضد الهيمنة المالية والنقدية للولايات المتحدة التي تستخدم من الولايات المتحدة في فرض العقوبات المالية على الدول الأخرى.
الواقع يشير إلى بداية «أفول شمس» الدولار، مع تراجع الهيمنة المالية للولايات المتحدة، والتساؤل سيستمر عن البديل هل الذهب أو عملة أخرى أو عدة عملات في آن واحد؟