من دفتر الوطن

السمكة الذهبية!

| عصام داري

أمضيت بعض الوقت وأنا أراقب سمكة ذهبية تسبح في«قفصها الزجاجي» الذي يسمونه: حوض السمك والذي لا يتجاوز طوله المتر وعرضه سنتمترات قليلة.

حركة دائمة: تتجول من اليسار إلى اليمين، ومن الأعلى إلى الأسفل، وكأنها في سعي دائم لتغيير مسار حياتها، أو هي تريد إضاعة الوقت بالرياضة -مثلاً- أو ملء الفراغ الذي تعيشه في هذا الصندوق الزجاجي الجميل!

سالت نفسي: ما الفرق بيني وبين هذه السمكة؟ بل ما الفرق بينها وبين مئات آلاف الناس الذين يدورون ويلفون ويسعون في كل الاتجاهات طوال عمرهم؟

أنا -على سبيل المثال- أخرج من غرفة النوم إلى الصالون، وربما من هناك إلى المطبخ لإعداد فنجان من القهوة، وأعود إلى الصالون، لكنني أشعر أن الشرفة هي المكان الأفضل لتناول القهوة، وهكذا.

المساحة المسموح لي بالتجول فيها قد تعادل مساحة حوض السمك، هذا إذا أخذنا بالحسبان الفرق بالحجم بيني وبين سمكتي الذهبية، فهي -مثلي- لكنها لا تمتلك غرفة نوم ولا صالوناً ولا شرفة، لذا هي تقوم بجولة دائمة بين الناعورة الصغيرة التي تطلق فقاعات الهواء في الحوض وبين الأصداف والحصى الملوّن، وتهبط أحياناً نحو الأعشاب الصناعية الموجودة بغرض تزيين الحوض، لكنها لا تلقي التحية على سمكة «الزبال» الموجودة في أسفل الحوض، فهي سمكة ذهبية والأخرى مجرد زبال ليس إلا! هل يوجد غرور وتنمر أيضاً حتى في عالم الحيوان؟

هل تعرف سمكتي الذهبية أنها في سجن من زجاج، كما أننا في سجون من إسمنت وحديد وطين وصفيح؟

كلنا في سجون واسعة نعيش، نستجدي لحظة حرية، لكننا لا نعرف أين تصرف، ولا نعرف ما إذا سنفعل لو حصلنا على تلك اللحظة؟

نسعى من أجل كسرة خبز وحبتي زيتون، والستر من الله، بينما تسعى الأسماك في معتقلاتها الزجاجية إلى نتفة طعام نلقيها لها ونراقب نهمها وسرقة تلقفها للفتات، نحن نتسلى بالمشهد، وهي تعيشه بكل حواسها ومشاعرها، فهو حياتها كلها.

تصوروا.. السمكة مثلنا تحتاج إلى الكهرباء لتشغيل أجهزة تزويد الماء بالأوكسجين، ونحن نحتاج إلى الكهرباء لتزويد حياتنا بالطاقة والدفء وتشغيل جملة آلات عدة نستخدمها في كل دقائق حياتنا.

متطلبات السمكة بسيطة جداً، وطلبات المواطن بسيطة وصغيرة كذلك، فهو يحتاج إلى خبزه كفاف يومه، وبعض الضروريات لحياة كريمة تليق بمواطن في دولة محترمة، ولأنها كذلك فهي تحترمه!.

ليست معجزة أن يحصل المواطن على ما يحتاج إليه من دون أن يشعر بالضغوط، ويبذل جهوداً فوق طاقته، وهناك من تبرع بالعمل من أجل هذا المواطن، لكننا نشعر أحياناً أن السمكة تحصل على ما تحتاجه أكثر مما يحصل المواطن، ونحن لا نريد سوى المساواة!

أخذ التفكير بالسمكة مني وقتاً طويلاً، لكن أن أتحدث عن السمكة الذهبية ووضعها الاجتماعي والاقتصادي والفكري أفضل مليون مرة من الحديث عن معاناة الناس وعن الكهرباء والمحروقات والخبز والغلاء والبلاء، فقد ملَّ الناس من هذا الحديث الذي أصبح يسيطر بالمطلق على ما سواه من الأحاديث.

وما الفائدة من الكلام إذا كان يذهب أدراج الرياح ولا يسمعه أحد؟

لذا، أنصحكم بالعناية بأسماككم وعصافيركم وحماماتكم والابتعاد عن كلام الناس والوسواس الخناس، ونقطة آخر السطر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن