بعد أحد عشر عاماً من تعرض سورية لأبشع أنواع الظلم والافتراءات وتشويه الحقائق، المرفقة بسيل جارف من الأكاذيب والفبركات والتضليل الإعلامي، وزرع الإرهاب الدولي فيها بشراكة مع شياطين الأرض، الذين تفننوا بأشكال القتل والذبح، مخلفين آلاف القتلى والشهداء وملايين النازحين، تتفيذاً لقرار أميركي غربي عربي مشترك، بهدف إسقاط آخر قلعة عربية وهي سورية، لم تتوقف المؤامرة عند هذا الحد، بل أوغل المتآمرون في سعيهم لعزل سورية عن أشقائها العرب، ومنعهم من تقديم العون لها، وأيضاً بتوجيه أميركي، فكان القرار العربي الجائر والخاطئ بحق سورية والمخالف لنظام الجامعة العربية الذي قضى بتعليق عضوية سورية في الجامعة، وإغلاق سفارات وسحب سفراء معظم العرب من دمشق.
أحد عشر عاماً من الظلم والآلام واجهتها سورية العروبة بثبات وبصمود تاريخي وبشجاعة المقاومة النادرة، وبقدرة دبلوماسية هائلة، على التحمّلِ والصّبرِ، قدمت سورية خلالها التضحيات الجسام، وفي مختلف المجالات وعلى جميع المستويات.
ما ذكرناه آنفاً، ليس ادعاء، أو مجرد افتراءات أو تركيب أفلام، أو فبركات إعلامية، بل إنها اعترافات صدرت عن متعهد تنفيذ المؤامرة على سورية، وزير خارجية قطر الأسبق حمد بن حاسم بن جبر آل ثاني، الذي أفصح عما دُبر في الغرف السود، بأن بعض العرب، سعوا إلى تبوّؤ منصب قيادة المؤامرة، للانقضاض على الجمهورية العربية السورية، وإسقاط الرئيس بشار الأسد، تنفيذاً لقرار أميركي غربي عربي مشترك، وأن أكثر من 80 دولة وعلى رأسها قطر وتركيا أردوغان تعهدوا للأميركي بإنفاق المليارات، والتزام تتفيذ المؤامرة الكونية لاصطياد سورية ودورها المحوري، وإسقاط هويتها العربية، لكن وبعد وقوع الخلاف بين المتآمرين على مركز القيادة وتحديد الحصص، «شردت الصيدة»، وهذا الكلام مثبت وسبق للمتآمرين أنفسهم ذكره وعلى ألسنتهم.
إذاً بعد رحلة معاناة قاسية من الظلم والمخاض العسير، ها هو المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية، وبحضور جميع وزرائه العرب، يتخذ قراراً تاريخياً، قضى بالعودة عن الخطأ الفادح الذي ارتكب بحق سورية العضو المؤسس، وبتوجيه الدعوة الرسمية إلى سورية الدولة، للبدء بالمشاركة بأعمال الجامعة وبكل مؤسساتها، وللمصادفة فإن قرار دعوة سورية، تم إعلانه من المقر نفسه الذي سبق واتخذ فيه قرار تعليق عضويتها عام 2012.
ومع تأييدنا ومباركتنا لسورية قيادة وشعباً ومؤسسات بهذه الخطوة المهمة، إلا أن استكمالها من خلال العمل العربي المشترك والجاد، لرفع الحصار الاقتصادي الجائر عن سورية وشعبها، والبدء بانطلاق عملية إعادة الإعمار، وتأمين عودة النازحين إلى الوطن السوري، أمر ملحاح وأكثر من ضروري، وذلك لترجمة العودة العربية الحقيقية إلى قلب العروبة النابض.
هنا علينا التحلي بالواقعية وعدم المبالغة، كون الخطوة العربية بحد ذاتها المتمثلة بعودة العرب إلى قلب العروبة، ستكون عبارة عن خطوة في مسار طويل ومملوء بألغام أميركية، لكنها خطوة مهمة ومتقدمة يجب استكمالها وترجمتها فعلياً، وعدم الاكتفاء بعودة السفارات والسفراء العرب إلى دمشق، بل إن الترجمة الفعلية لرفد مسار العودة العربية يكمن بالعمل العربي المشترك، لمكافحة الإرهاب الذي زرع في سورية، وإزالة كل مسببات وأدوات المؤامرة السياسية والعسكرية والاقتصادية، وذلك حفاظاً على وحدة سورية وشعبها ومجتمعها.
من الضروري الإشارة إلى أن عودة العرب إلى قلب العروبة، لا تعني أن الحرب الكونية على سورية قد انتهت، ولا تعني أن مليارات الدولارات المخصصة للبدء بعملية إعادة الإعمار، ستصل إلى سورية خلال أسابيع، ولا تعني أن سورية ستخرج من الضائقة الاقتصادية في الغد، بل علينا الاستعداد لمرحلة تحرير ثروات سورية النفطية والمائية والغذائية، من خلال استمرار مقاومة الاحتلالين الأميركي والتركي، في مناطق شرق الجزيرة السورية وشمال غرب البلاد، وأيضاً تحرير الجولان السوري من الاحتلال الصهيوني، ولكن ماذا تعني عودة العرب إلى قلب العروبة؟
أولاً: الاعتراف الرسمي بانهزام مشروع المؤامرة وبلوغ سورية مرحلة الانتصار السياسي بناء على الرؤية الإستراتيجية وعلى المواقف الثابتة للقيادة السورية، الممثلة بشخص الرئيس بشار الأسد، الذي أظهر شجاعة نادرة وصموداً تاريخياً، مزخراً بإيمان راسخ بانتصار سورية العروبة، ولم يبدل تبديلا.
ثانياً: التأكيد على أن صمود الشعب السوري وتضحياته العظيمة وتحمّله كل أنواع القهر والظلم والعذاب والتشرد، لم تذهب هباء منثورا، بل أنتجت اعترافاً عربياً ودولياً بانتصار سورية، وأن الشعب السوري بكل أطيافه وتلاوينه هو الجهة الوحيدة المُخوّلة برسم مستقبل سورية.
ثالثاً: دعوة الجامعة العربية لسورية بشخص الرئيس بشار الأسد إلى العودة لشغل موقع سورية في الجامعة، جاءت بهدف تصحيح لخطأ فادح، ارتُكب بحق سورية وشعبها، ولتجاوز مرحلة أليمة، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية بين سورية وأشقائها العرب، وخاصة مع مشهد تقديم أوراق اعتماد سفراء دول الأشقاء العرب للرئيس الأسد شخصياً.
رابعاً: إن عودة العرب إلى قلب العروبة هي بداية نهاية الحرب على سورية وليس نهايتها، وهي نتيجة صمود وثبات القيادة السياسية والدبلوماسية والعسكرية السورية، وأيضاً نتيجة إيمان الشعب السوري المطلق، بأن سورية لم ولن تهزم مهما بلغت التضحيات.
خامساً: سقوط الأقنعة عن وجوه غادرة، في الداخل كما في الإقليم والخارج، ليس نتيجة قرار الجامعة العربية، بل نتيجة الأبعاد الدبلوماسية والسياسية، لقرار الجامعة، الذي برهن بأن سورية كانت على حق في رؤيتها الإستراتيجية، وبأن الحق سينتصر ولو بعد حين.
سادساً: إن توصيف البعض لعودة سورية إلى الجامعة العربية بالمشروطة، هو توصيف مستهلك، وصلاحيته منتهية، استعمل للتغطية على الفشل والإقرار بالخطأ، وهو توصيف فيه إجحاف وتبخيس مقصود بأهمية انتصار سورية، فالمنتصر هو الذي يضع الشروط وليس العكس، ولا نذيع سراً إذا قلنا إن سورية المنتصرة، هي من وضع مطلب التصويت وبالإجماع، كشرط لقبول سورية بالعودة إلى الجامعة العربية.
اليوم نستطيع القول: ها هم عادوا إلى قلب العروبة، وأن الصمت الأبدي لشهداء الجيش العربي السوري وشهداء حزب اللـه وشهداء إيران وروسيا، جميعهم، قُرّت أعينهم تحت التراب السوري، لأنهم صنعوا ضجيج النصر الذي يليق بسورية وبعروبتها.
لكل الذين وقفوا على ضفة النهر، وانتظروا مرور الجثة نقول: حتى ولو بلغت الحلقوم، فإن فيض نهر العروبة الحقيقية من سورية قد بدأ، وبأن هذا الجرف الهادر، كفيل بجرف المنتظرين.