ثقافة وفن

رصد الحراك المسرحي بين عامي 2007 و2020 … المسرح العالمي قطع أشواطاً في تكريس الفن المسرحي كصناعة ثقافية

| مايا سلامي

صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب دراسة بعنوان «الفصل الرابع-رؤى مسرحية»، تأليف جوان جان، تقع في 287 صفحة من القطع الكبير، وفي هذا الفصل يتابع الكاتب رصد الحراك المسرحي فيتناول الحركة المسرحية السورية من العام 2007 حتى العام 2020 بما حفلت به من عروض ومهرجانات، بالإضافة إلى التطرق لتجارب بعض رموز المسرح السوري، وتناول بعض قضايا المسرح العربي في واقعه وآفاقه.

ويمكن عد كتاب «الفصل الرابع» جزءاً ثالثاً من كتابي الكاتب السابقين «وراء الستار» و«مسرح بلا كواليس» الصادرين عن وزارة الثقافة في العامين 2000 و2006 على التوالي وفيهما رصد الحراك المسرحي في سورية من العام 1993 حتى العام 2006.

صناعة ثقافية

وفي البداية يتحدث الكاتب عن المسرح العالمي الذي قطع أشواطاً مهمة في إطار تكريس الفن المسرحي كصناعة ثقافية نظراً لامتداد التراث المسرحي العالمي عميقاً من وجهة النظر التاريخية.

ويشير إلى أن التجربة العربية في تكريس المسرح كصناعة ثقافية تبدو خجولة بالمقارنة مع التجارب العالمية المتقدمة فنياً ومسرحياً.

ويبين أنه في سورية يمكن تقسيم الحركة المسرحية إلى مرحلتين أساسيتين، فيذكر: «المرحلة الأولى تمتد من سبعينيات القرن التاسع عشر مع ولادة مسرح الرائد المسرحي السوري والعربي أحمد أبو خليل وما رافقها من ظروف اقتصادية واجتماعية سيئة أدت إلى وأد هذا المسرح بعد أن أثبت وجوده لسنوات عدة، المرحلة الثانية تبدأ في العام 1960، عام تأسيس المسرح القومي، أي عام دخول الدولة على خط الإنتاج المسرحي بعد أن كان حتى ذلك العام حكراً على التجمعات الفنية الخاصة، وما زالت المرحلة الثانية مستمرة حتى يومنا هذا، وأهم ما ميزها أنها أوجدت حالة من استقرار عملية الإنتاج المسرحي وتوجيهها باتجاهات ذات طابع ثقافي تنويري بعد أن كانت جل توجهاتها في المرحلة الأولى تتمحور حول القدرة على كسب أكبر عدد ممكن من الجمهور وبالتالي زيادة الغلّة الاقتصادية للفرق المسرحية».

رحلة إبداعية

ويتطرق الكاتب في دراسته إلى رحلة أبي خليل القباني المسرحية الإبداعية التي بدأها في أحياء دمشق ومقاهيها عندما راح يتردد على هذه المقاهي ويتابع عروض خيال الظل، فتأثر بها وبقيت تفاصيلها في ذاكرته، ولما لاحت ميول القباني جلية في اهتماماته طرده والده من المنزل بضغط من بعض الشخصيات الدينية.

ويبين جوان أنه في مرحلة لاحقة شكل القباني تجمعاً فنياً درامياً موسيقياً مؤلفاً من أصدقائه وبعضهم من المنشدين المعروفين، وفي العام 1871 أكمل إنجاز أول عروضه المسرحية «ناكر الجميل» وكان ذلك بطلب وتشجيع من الوالي صبحي باشا، كما لقي القباني رعاية لمسرحه وفنه في فترة لاحقة من الوالي مدحت باشا وقد انعكس هذا الدعم إيجابياً على مسيرة القباني المسرحية.

وفي حديثه عن المسرحيات المهمة التي قدمها القباني، يقول جوان: «من المسرحيات المهمة التي قدمها القباني كانت مسرحية «وضاح» التي قيل إنه أنجزها في ثلاثة أيام وتم تقديمها في كازينو الطليان في منطقة باب الجابية، وقد تنقل القباني في عروضه المسرحية في أحياء دمشق القديمة ما بين كازينو الطليان وخان العصرونية وخان الجمرك».

ويكشف في دراسته أن القباني اعتمد في مصادر النصوص المسرحية التي كتبها على حكايات الكتاب الشهير «ألف ليلة وليلة» وعلى أشعار الشعراء القدامى مثل البحتري وقيس بن الملوح وعنترة بن شداد، وعلى كتب الأدب المختلفة مثل «اللطائف والظرائف» و«مقامات الحريري» و«وفيات الأعيان»، كما اعتمد على شخصيات الحكام والأمراء والوزراء، وعلى موضوع الحب بشكل أساسي وكان يقوم بنفسه بمهام الكتابة والإخراج والتمثيل والتلحين والغناء وتصميم المناظر والملابس.

الوجود الأنثوي

ويستعرض الكاتب في دراسته الدور المهم الذي لعبته المرأة في الفن عموماً والمسرح تحديداً والذي جعلها تتفوق على زملائها الرجال أحياناً بل على نفسها أيضاً في حالة من حالات التحدي للنفس والمجتمع.

ويبين أن للوجود الأنثوي المبدع في المسرح السوري قفزتين نوعيتين على مدى تاريخه، الأولى كانت عام 1960 حين تم إنشاء المسرح القومي وأصبحت للفنان المسرحي قيمته ومكانته التي لا يمكن لأحد انتزاعها منه، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتقاء الحالة المسرحية اجتماعياً. أما القفزة الثانية للوجود الأنثوي كانت عام 1977 بتأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية الذي شكل مناسبة للتأكيد على أن الفن ليس موهبة واجتهاداً وإصراراً وتضحية فحسب بل هو علم ودراسة واكتساب للمعرفة.

المسرح السوري والمصري

ويسلط الكاتب الضوء على العلاقة التي جمعت بين المسرح السوري والمصري على الرغم من المساحة الجغرافية التي تفصل سورية عن مصر، فيبين أن جمهور المسرح السوري كان منذ سبعينيات القرن الماضي على اطلاع على العروض المسرحية التي يقدمها المسرح المصري من خلال مشاركة هذا المسرح في فعاليات مهرجان دمشق المسرحي الذي كان أول مهرجان مسرحي عربي وقد انطلق في أواخر الستينيات ليحتل مكانة رائدة بين المهرجانات المسرحية العربية.

ويشير جوان إلى أنه بالإضافة إلى اطلاع الجمهور السوري على العروض المسرحية المصرية كان له اطلاعه الواسع على الرؤى النقدية والبحثية المكتوبة بيد منظري المسرح المصري ومؤرخيه ونقاده.

ويوضح أن جمهور المسرح السوري تعرّف على عدد من الكتاب المسرحيين المصريين من خلال الأعمال المسرحية التي قدمها مخرجون مسرحيون سوريون كمسرحية ألفريد فرج «علي جناح التبريزي وتابعه قفة»، ومسرحية علي سالم «الملوك يدخلون القرية».

ويذكر أهم الأعمال المصرية التي عرضت في دمشق في سبعينيات القرن الماضي ومنها: «عودة الغائب»، «حفلة على الخازوق»، «أوديب».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن