بينما تحاول واشنطن استحداث بؤر صراع ونار جديدة في مختلف أنحاء العالم، هناك من يقوم بتأسيس بنية تحتية جديدة اقتصادية وسياسية لنظام دولي متعدد الأقطاب، هذه البنية التحتية السياسية تجلت بشكل واضح من خلال رد الهند القاسي على الاتحاد الأوروبي الذي حاول عبر رئيس دبلوماسيته جوزيب بوريل، الضغط على نيودلهي واصفاً توريد «الديزل أو البنزين» المنتج «باستخدام النفط الروسي» من الهند إلى أوروبا بالالتفاف على العقوبات، ليكون الرد اللائق على هذه اللهجة الغربية الاستعمارية على لسان وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار بالقول: إنه يجب على رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل أن يقرأ لوائح الاتحاد الأوروبي بعناية أكبر قبل الدعوة لمحاربة المنتجات النفطية الهندية من المواد الخام الروسية، مضيفاً: «انظر إلى قرارات مجلس الاتحاد الأوروبي، النفط الروسي الذي خضع لمعالجة عميقة في بلد ثالث لم يعد يعتبر روسياً، أقترح أن تنظر إلى قرار المجلس رقم 833/2014».
الرد الهندي يعكس تفاهماً عميقاً لتكتلات سياسية اقتصادية ليست جديدة، هي مجموعة دول «بريكس» ومنظمة شنغهاي التي تعمل تحت أهداف سياسية واقتصادية موحدة وضمن رؤى واسعة مشتركة ذات مصالح وطنية وجماعية.
الأمر الآخر الذي يلفت الانتباه، هو الخبر الذي يتحدث عن توقيع إيران وروسيا اتفاقية لاستكمال بناء سكة حديد من شأنها أن تضمن التشغيل الكامل لممر النقل «شمال-جنوب» والذي يشكل أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية، حيث تبدأ روسيا وإيران العام المقبل في بناء آخر جزء من السكة الحديدية والبالغ طوله 162 كيلومتراً من خط سكة حديد يربط شبكة سكك الحديد الإيرانية بشبكتي سكك الحديد الأذربيجانية والروسية، والذي سيمكّن من نقل البضائع مباشرة من ساحل بحر البلطيق إلى ساحل الخليج العربي والمحيط الهندي، وبالتالي سيجري تقليص زمن تسليم البضائع من بومباي إلى سان بطرسبورغ إلى عشرة أيام، في حين يستغرق الطريق عبر قناة السويس 30-45 يوماً.
الخروج من التسلط الأميركي على العالم ومن أدواته، والتحرر من سطوة الدولار، أمر ليس بالسهل، ويحتاج إلى خطوات واقعية اقتصادية تستند إلى غطاء سياسي نابع من تكتلات جيوسياسية واقتصادية قوية قادرة على اتخاذ منحى قائم على المصالح المشتركة لشعوب بلدانها بعيدا عن الإملاءات والتبعية لأجندات عدوانية هدفها الهيمنة على مقدرات العالم بمصالح أنانية، خطوات بدأت العديد من الدول باتخاذها فعلياً لفرض الواقع الجديد البعيد عن الهيمنة الأميركية بكل أشكالها.