ربما من المستغرب أن يقال إن واشنطن تخشى من مواجهة محتملة مع الصين، إلا أن المحللين والمقربين من الاستابلشمنت الأميركي يؤكدون ذلك، ففي الآونة الأخيرة تدرس لجان خاصة في الكونغرس سيناريوهات محتملة للحرب الأميركية الصينية، وفي كل مرة تكون النتيجة كارثية على الجميع وخاصة على الولايات المتحدة وحلفائها، إذ قالت العضو في لجنة الكونغرس بيكا واسير أن «ما نراه في كل سيناريو محتمل للحرب هو خسائر كبيرة لكل الأطراف، ووقع هذا على مجتمعنا كارثي»، لكن ما الذي جعل الأمور تصل إلى هذا الحد في واشنطن؟
ظهرت المشكلة بشكل واضح بعد الحرب الأوكرانية التي استنزفت مخزون الذخيرة الأميركي وتصعيد الصين بشكل كبير من إنفاقها العسكري وخطابها تجاه تايوان، ففي العام الماضي خصصت الولايات المتحدة ما يقارب 50 مليار دولار مساعدات أمنية لكييف، يقول العديد من الخبراء العسكريين إن الفشل في الانتصار في أوكرانيا وضغط ذلك على القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية يجب أن يكون بمنزلة إنذار حول الموقف العسكري الأميركي من مسألة تايوان، ويُحمّل النقاد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المسؤولية لأنها كانت بطيئة في الاستجابة لما هو مطلوب لمنع كارثة في المحيطين الهندي والهادي، يقول المسؤول الدفاعي السابق في عهد الرئيس الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما كيث جونز إنه «من الضروري بناء رادع أفضل بسرعة عن طريق بناء مخازن جديدة للذخيرة التي من شأنها أن تقنع الصين بأن مهاجمة تايوان ستكون مكلفة جداً».
يُرجع المحللون عدم قدرة واشنطن على الاستجابة السريعة لأي تهديد محتمل، هو تقلص جزء كبير من قاعدة التصنيع العسكرية الأميركية منذ انتهاء الحرب الباردة وذلك لأن واشنطن كانت تعتبر حقبة التسعينيات الماضية حقبة انتصار أميركية عملت خلالها على التقليل من إنفاقها العسكري، هذا إضافة إلى أن واشنطن أدركت متأخرة، على ما يبدو، أن الكثير من الأجزاء والقطع من الذخيرة والطائرات والسفن الأميركية أصبحت تصنع في الصين والهند، بسبب انخفاض سعر العمالة في هذين البلدين.
إضافة إلى ذلك تعاني أميركا نقصاً شديداً في الأيدي العاملة المجاهرة، وقال رئيس الرابطة الوطنية للصناعات الدفاعية ديفيد نوركويست إن «الولايات المتحدة خفضت عدد عمال مصانع الدفاع إلى ثلث ما كانوا عليه في عام 1985 وشهدت مغادرة نحو 17000 شركة مجال الصناعات العسكرية»، هذا إضافة إلى تأجيل المناقشات في الكونغرس حول القاعدة الصناعية الدفاعية بسبب مشروع سقف الدين والميزانية.
يقول الطيار السابق في الحرس الجوي وكبير زملاء معهد ميتشل لدراسات الفضاء هيذر بيني إنه «على عكس الحرب العالمية الثانية، لم تعد الولايات المتحدة تمتلك قاعدة التصنيع الماهرة لتدوير ودعم الإنتاج في زمن الحرب».
بالمقابل تعمل الطغمة المسيطرة على الصناعات العسكرية على دفع الحكومة لإعادة بناء إنتاج عسكري قوي، ويؤمن الخبراء العسكريون الأميركيون أن الحل الوحيد لدى واشنطن للخروج من هذا الوضع والانتصار على الصين هو العمل على توسيع القدرات العسكرية الأميركية، ويقول كبيــــر مسؤولــي الإستراتيجيـــة فـــي مصانـــع اندوريـــل العسكريــة كريستيان بروز إن «الطريقة الوحيدة للفوز هي من خلال توسيع نطاق استثماراتنا في القدرات العسكرية غير التقليدية مثل الأنظمة المستقلة المخفضة التكلفة».
بما أن الولايات المتحدة تخشى من المواجهة العسكرية مع الصين، فهل سينتصر العقلاء في واشنطن، ما يعني حل المشكلة سلمياً؟ أم إن الآلة العسكرية الأميركية ستخرج من تحت الرماد وتحرق الأخضر واليابس؟!