في ميزان واشنطن الإستراتيجي ترجح كفة تايوان على حساب كفة أوكرانيا، وخاصة أن العالم كله يعي تماماً أن الميزان الأميركي قائم على المصالح الأميركية وفرض أجندات الإدارة الأميركية على حساب الجميع من شركاء أو حلفاء أو أي صفة مقابلة لهم.
المقارنة بين تايبيه وكييف أطلت على الأوساط السياسية الأميركية والأوروبية بعد أن نشرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستتوجه قريباً إلى الكونغرس لطلب تمويل تسليح تايوان على حساب الأموال المخصصة لأوكرانيا، وسرعان ما ظهرت تقديرات تقول إن أوكرانيا تتحول إلى الصف الثاني، وإن تايوان والصين ستحتلان مكانتها في المقدمة، ويقولون إن النيجر بالنسبة لأوروبا الآن بعد طرد الفرنسيين منها، أهم بكثير من أوكرانيا.
الأمر منطقي جداً بالنسبة لإدارة بايدن التي لم تحقق أي تقدم إستراتيجي اقتصادي أو سياسي أو عسكري في أي مكان في العالم، وعليها أن تجرب في تايوان ما فعلته في أوكرانيا إضافة إلى الثقل الاقتصادي لتايوان عالمياً وحساسيتها بالنسبة للصين التي تنافس الولايات المتحدة الأميركية في شتى المجالات.
وإذا كان هناك مجال للمقارنة فالأمر بعيد في أوكرانيا عن حسابات واشنطن التي تنظر للأوكرانيين كمرتزقة وعليهم أن يحققوا الأهداف الأميركية في روسيا حتى آخر أوكراني، ناهيك عن أن الاقتصاد الأوكراني متهالك ومقيد وأرهق الدول الداعمة له.
واشنطن تعمل لإدخال تايوان كمستفيد في حزمة أوكرانيا، لذلك يعتزم فريق بايدن كسب الأصوات الإضافية اللازمة، كي لا يمكن لأحد أعضاء الكونغرس طرح سؤال: إما تايوان وإما أوكرانيا، وإضافة إلى ذلك، فإن الحاجة إلى مساعدة تايوان تحظى في الكونغرس بدعم أكثر بكثير من مساعدة أوكرانيا، حيث إن تقليد التعاون ذي التاريخ الطويل والضمانات الأمنية للجزيرة الصينية هو أكثر وضوحاً وأكثر إلزاماً، ولدى واشنطن أسئلة أقل بكثير لتايبيه حول إنفاق المساعدات مما لكييف.
الآن تحضّر واشنطن كل ما يلزم لذبح النعجة الأوكرانية، والدليل على ذلك ما قاله مدير مكتب رئيس أوكرانيا، أندريه يرماك، عن أن بلاده ستبدأ مفاوضات مع الولايات المتحدة الأسبوع المقبل بشأن اتفاقية ثنائية حول ضمانات أمنية، وبحسب يرماك، فإن الضمانات ستكون سارية المفعول حتى الانضمام إلى الناتو، وحول ذلك أشار محللون إلى أن «الضمانات الأمنية محاولة لإيجاد صيغة لحل القضية الأوكرانية يمكن للولايات المتحدة تقديمها لاتباعها، حيث كانت واشنطن تأمل في أن تتمكن القوات المسلحة الأوكرانية، بدعم من الناتو، من هزيمة الجيش الروسي، لكن ذلك لم يحدث».
حراك أميركي واضح للتملص من الأزمة الأوكرانية وترك كييف لمصيرها أمام القوة الروسية، ولعل المشاورات بشأن أوكرانيا التي عقدت في جدة تصب في الاتجاه ذاته، ليكون الرئيس الأميركي جو بايدن من جديد أمام تبعات سيناريو الانسحاب المفاجئ من أفغانستان في حالة أوكرانيا.