قضايا وآراء

عادوا بخفيّ حنين

صياح عزام: 

 

من شاهد حكام الخليج العربي في بعض الصور التي عرضها بعض الفضائيات وهم صاغرون/ أمام الرئيس الأميركي يشعر فعلاً بشيء من الذّل، وكأنهم أطفال صغار أمام أستاذهم يصغون إلى كل كلمة ينطق بها حتى ويرقبون حركاته وإيماءاته باهتمام… شيء مُعيب، ولكنهم على ما يبدو اعتادوا على هذا الأمر وارتضوا المهانة منذ زمن بعيد، حفاظاً على عروشهم ومشيخاتهم المتعفّنة.
لقاء كامب ديفيد الأخير لهؤلاء الحكام مع الرئيس الأميركي يحمل بين طيّاته مخاطر كبيرة على الأمة العربية لا تقلّ عن مخاطر كامب ديفيد السادات عام 1979، إنْ لم تكن أكبر، إذ إنه كرّس وعلى الملأ خروج السعودية وبقية إمارات ومشيخات الخليج /ما عدا عُمان/ من الصف العربي الذي كان حضورهم فيه بالأساس شكليّاً.
ولكن مع هذا الإذلال الفاضح يمكن القول بأنهم عادوا إلى بلادهم «بخفيّ حنين» كما يقال، ولم يتحقّق لهم ما ذهبوا من أجله متوهّمين أن المال يصنع كل شيء، والسؤال لماذا؟
– لقد سمعوا من الرئيس أوباما ما لم يُرضِ غاياتهم الشريرة عندما اعتبر أن الإرهاب هو أخطر مما يسمّونه التهديد الإيراني في المنطقة وله الأولوية في جدول أعماله.
– الشيء الآخر أن أوباما أوضح لهم بأن الولايات المتحدة غير راغبة بعقد معاهدات دفاعية أو توقيع اتفاقات أمنية مع دولهم.
– الأمر الثالث أن الولايات المتحدة مستمرة في مفاوضاتها مع إيران للوصول إلى اتفاق بشأن ما يسمى الملف النووي الإيراني، ولا عودة إلى الوراء في هذا المجال.
– أما الأمر الرابع فهو أن واشنطن ماضية في إيجاد حلّ سياسي للأزمة في اليمن، وإن كانت قد قدّمت الدعم الاستخباري والسياسي واللوجستي لعاصفة الحزم.
– الأمر الخامس التأكيد الأميركي أن واشنطن لن تخوض بعد اليوم الحروب عنهم.
– الأمر السادس التأكيد أن مصلحة أميركا هي فوق كل شيء.
بطبيعة الحال، هذا الكلام الذي سمعوه من الرئيس أوباما لم يَرُقْ لهم، ولم يطفئ ظمأهم للأمان والاطمئنان الذي ينشدونه حسب مزاعمهم، بل راح بعضهم يُسرب بعض العبارات التي تتهم الولايات المتحدة بازدواجية الولاء، مرة مع دول الخليج ومرةً مع إيران، وتمتزج بالعتب وأحياناً بالإحساس بالصدمة، وكان صاحب هذه العبارة يعتقد بأن الولاء الأميركي لدول الخليج يتقدم على المصالح الأميركية، وبأن بريق المال يخطف جميع العقول ويصنع المُستحيلات!
بطبيعة الحال، ومع هذا فإن الرئيس الأميركي /أوباما/ وغيره من المسؤولين في إدارته لم يبخلوا بعبارات الترحيب بالقادة الخليجيين، وبالثناء على العلاقات الوطيدة بينهم وبين الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس الأميركي «روزفلت» إلى جانب إبداء الرغبة الأميركية في توسيع تجارة السلاح مع دول الخليج، ولكن بشرط الإبقاء على التفوّق النوعي العسكري الإسرائيلي.
باختصار، يمكن القول: إن السطوة الأميركية على ملوك وأمراء الخليج ومشيخاته ستصبح أكثر قوة وعمقاً، بحيث يستمر الأميركيون في الهيمنة على القرار الخليجي في مختلف المجالات، ولا يُستبعد أن ينصب الأميركيون درعاً صاروخية في دول الخليج بعد الإخفاق في تركيع روسيا، بحيث تتحول هذه الدول إلى ثكنة صاروخية أميركية وتبقى العائلات والأُسر الحاكمة مجرد «دُمى» و«ديكور» فقط كما كانت دائماً.
وأمام هذا الفشل لدول الخليج في تحقيق رغباتها بجرّ واشنطن إلى حرب ضد إيران، وتغطية الفشل السعودي في العدوان على اليمن، يتوقع المراقبون السياسيون أن تُمعن المملكة السعودية وحلفاؤها من دول الخليج في الانفتاح أكثر على جبهة النصرة ودعم جرائمها في سورية بالمال والسلاح وتدريب ما تُسميه مع الولايات المتحدة المعارضة السورية المعتدلة، مع ازدياد وتوسيع وتعميق التنسيق مع إسرائيل لكونها غدت غير عدو للعرب- حسب التصور السعودي بل العدو هو إيران وشعب اليمن، وأيضاً بالتنسيق مع العثماني /أردوغان/ الذي يضع ثقله ضد سورية، آملاً أن يُوصل «الأخوان المسلمين» إلى السلطة في سورية، بما يساعده- كما يحلم- على تحقيق أطماع أجداده التاريخية في الشمال السوري وفي أراض عراقية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن