لم أصنف أنني كوميدية ولا أهتم لذلك فأنا فنانة شموليّة…هدى شعراوي لـ«الوطن»: سورية الأمّ التي ربتني وجعلتني نجمة فلا يمكن أن أغادرها في أزمتها
عامر فؤاد عامر:
تعدّ من أوائل الأسماء التي اشتغلت في الدراما الإذاعيّة في سوريّة، وتميّزت بأنها كانت أصغر صوت إذاعي من بين الممثلين حينها، إذ إنها بدأت في عمر السنوات التسع، وهي من مواليد مدينة دمشق– حي الشاغور 1938، ومن المؤسسين الأوائل لنقابة الفنانين السوريين، عملت في المسرح والسينما والتلفزيون، فرسمت في أدوارها ملامح المرأة القويّة، والعفويّة، والصادقة في ذاكرة المتلقي، ودخلت البيوت بمحبّة، ومن الأفلام التي شاركت بها «نساء للشتاء»، و«أوراق اللعبة» و«حارة العناتر»، ومن أعمالها التلفزيونيّة «الزعيم»، و«رجال العزّ»، و«أهل الراية»، و«بيت جدي»، و«الحصرم الشامي»، و«زوج الست»، و«هومي هون»، و«بطل من هذا الزمان»، و«أحلام أبو الهنا»، و«خان الحرير»، و«نهاية رجل شجاع»، وما زالت تقدم وتشارك في الأعمال التلفزيونيّة الجديدة. وفي السنوات الأخيرة ارتبط اسمها بشخصيّة (أم زكي) وأجزاء مسلسل (باب الحارة). الفنانة القديرة (هدى شعرواي) في ظهورٍ خاصّ لجريدة «الوطن»؛ تسرد لنا مجموعة من التفاصيل حول مسيرتها الفنيّة، وما ستقدّمه من جديدٍ سيراه المشاهد خلال شهر رمضان المقبل.
البداية من الإذاعة
تميّزت الفنانة «هدى شعراوي» بدخولها الخاصّ في الدراما الإذاعيّة التي شكلت خطوتها الأولى في طريقها الفني، وعن هذه الذكريات الأولى تقول: «كنت أول صوتٍ نسائيٍّ دخل الإذاعة السوريّة؛ كان عمري حينها تسع سنوات، فقد كانوا سابقاً يوكلون مهمّة تقليد النساء لرجل، وأذكر أن الفنان «تحسين صدقي» كان من الأسماء التي تقلّد الدور النسائي في الإذاعة، إلى أن دخلت الوسط الإذاعي، وذلك بسبب أنني أمتلك موهبة التقليد، وصوتي من النوع القوي، وميزته أنني به أستطيع تأدية أصوات في أعمار مختلفة، وهذا فعلاً ما ميّزني، وجعل من المخرجين يتكلون عليّ في مزيد من الأدوار، وقد قدّمت الكثير من الأعمال الإذاعيّة، أذكر منها مسلسل «صرخة بين الأطلال» من تأليف «نجاح السمان» ومن إخراج «تيسير السعدي»، وفيه قدّمت دوراً لفتاةٍ بعمر 9 سنوات، وأخرى بعمر 17، وأيضاً بعمر 27 سنة». بالمقارنة مع الدوبلاج حالياً، وهو الموضة السائدة، وأداء الأصوات من قبل الممثلين السوريين للشخصيات في المسلسلات التركية، تقول الفنانة «هدى شعراوي» بملاحظة فيها الدقة والعتب: «إن البعض منهم يؤدي جيداً في الدوبلاج من خلال مراقبتي لقسم من المسلسلات المدبلجة لاسيما التركيّة منها، ولكن البعض الآخر منها فلا يؤدي جيداً هذه المهنة، وهناك عيوب واضحة في الأداء الصوتي لبعض الشخصيّات».
إضاءة على المسرح
للمسرح تجربة مهمة في حياتها فلها العديد من المشاركات لكن أبرز محطة كانت فرقة «هدى شعراوي» المسرحيّة، والتي خصتها بالذكر فقالت: «كانت أول فرقة مسرحيّة حملت اسماً نسائيّاً في سورية، وأسستها عام 1984، وقدّمت من خلال هذه الفرقة ثلاثة عروض مسرحيّة».
كوميديّاً… وأمّ زكي
على الرغم من اشتغالها في أعمال كوميديّة كثيرة، إلا أن الفنانة «هدى شعراوي» لم يتمّ تصنيفها على أنها فنانة كوميديّة، وفي ذلك تردّ: «لا أعلم لماذا؟! وأنا عموماً لا أهتم للتصنيفات كثيراً، لكن ما يهمّني هو أنني شموليّة في فنّي، أي يمكنني إتقان جميع الأدوار، ومنها الكوميديّة، وأعتقد أن ذلك أفضل، لأنه لا يؤطرني ضمن الكوميديا فقط». أمّا عن الارتباط بشخصيّة الداية «أم زكي» والتي تكرست من خلال مسلسل «باب الحارة» بصورةٍ قويّة، ولدرجة أن الكثيرين أصبحوا ينادونها بهذا الاسم، فعلقت: «فعلاً هذه الشخصيّة التصقت بي تماماً، والبعض يعتقد أنني فعلاً أتقن ما تمتلكه الداية من مواهب في التعامل مع توليد النساء، ومواليد الأطفال، ومشكلاتهم، وفي إحدى المرّات اتصلت بي امرأة من أميركا، قالت لي يا «أم زكي» أنا بحاجة مشورتك، فأنا لي 7 سنوات متزوجة، ولم أنجب، ولكن مؤخراً نجح الحمل، ولي 3 أشهر؛ لكنني متعبة كثيراً… إلخ، وفوجئت بكلامها، ودخولها المباشر فيه، فسألتها من أين أنت، فأجابتي من الولاية الفلانية، فضحكت وأوضحت لها بأنّني لست بقابلة، ولا بطبيبة، وضحكتُ كثيراً واستغربت، وقد لبسني هذا الدور بقوة وفي كل مكان أحضر فيه لا بد من تعليق على الأقل يخص شخصيّة «أم زكي»، ويبدو أن اختيار المخرج «بسام الملا» لي لتأدية هذا الدور كان بمكانه تماماً، وفي الحقيقة كنت أرافق والدتي مع صديقتها الداية «أم طاهر» في حارتنا، وعمري 5 سنوات، وكنت أراقب ما تقوم به هذه الداية، وأسمع ملاحظاتها، وطريقة كلامها، وعلاقتها مع الناس، وكلّ ذلك بقي في الذاكرة إلى أن جاء دور الداية «أم زكي»، فاستحضرت هذه الذاكرة، وما حفظته لتظهر الشخصيّة الأخيرة، وبتوجيهات المخرج «بسام الملا» طبعاً.
البيئة الشاميّة أولاً
من الملاحظ غياب الفنانة «هدى شعراوي» عن الأعمال الدراميّة الاجتماعيّة على حساب حضورها في أعمال البيئة الشاميّة، وعلى هذه الملاحظة تردّ: «هذا من اختيار المخرجين، إضافة إلى أنني أحبّ أدوار البيئة الشاميّة، وعلى الرغم من إتقاني لمعظم الأدوار الدراميّة الأخرى، إلا أنني استمتع أكثر في أدوار البيئة الشاميّة، فأنا من الشاغور، وفي الحقيقة قدمني المخرج في «باب الحارة» بطريقة مختلفة، فهو يتركني أتحدث بما يتناسب مع المشهد، ويمنح لي المساحة الوافية في تقديم نفسي حسب خبرتي وما يتلاءم مع الدور، وبالتالي هذه الثقة جعلت من الضوء يتسلط علي أكثر فيما يتعلق بالبيئة الشامية. أمّا عن تعدد الأجزاء في «باب الحارة»، واعتبار ذلك مأخذاً غير إيجابي، مع المزيد من الأخطاء الإخراجيّة فتقول: «ربما للمخرج رؤيته الخاصّة، ولا يمكنني الرد عن ذلك، فهذا السؤال جوابه لدى المخرج بالتأكيد، وكذلك المؤلف، لكن هذا المسلسل حقق شهرة واسعة، وأنا شخصيّاً تأتيني اتصالات من كندا، ومن أميركا، وأحدهم قال لي في سنة سابقة؛ كيف سنقضي رمضان ولا يوجد باب الحارة، وهذا يدل على أن باب الحارة أصبح تقليداً واعتياداً خاصاً بشهر رمضان».
التمثيل إيجابيّات وسلبيّات
تعليقاً على مهنة التمثيل والتعامل مع الوسط الفني تقول ضيفتنا «هدى شعراوي»: «مهنة التمثيل حلوة في البداية لأن الممثل يملك الشهرة، ومحبّة الناس الكبيرة، لكنها مهنة مرّة في نهايتها فأنا نسيت موضوع إنجاب الأطفال ولدي فتاة وحيدة فقط، وأفكر بيني وبين نفسي لو كان لدي عدد كبير من الأولاد، فسأكون أيضاً في سعادة كبيرة، إلا أن طريق الفنّ أخذني، وضحيت لأجله على حساب الإنجاب ومرت السنوات بسرعة، على الرغم من أنني لا أنكر نعمة المحبّة التي أجدها في عيون الناس، وتعاملهم واحترامهم أينما كنت». وبين رضاها وعدم قناعتها حول الشخصيّات المؤاداة من الآخرين، وما الذي تحلم به أيضاً كانت إجابتها: «أنا راضية عن كلّ الأدوار التي قدّمتها، ولكن أحياناً، وأنا أتابع المسلسلات أتضايق لبعض الأدوار التي تُمنح لفنان ما، فأقول بيني وبين نفسي لو كان هذا الدور لي لقدمته بطريقة مختلفة، وبقوة أكبر وجماليّة مختلفة».
بين جمال وموهبة
جمال الفنان في الوصول إلى الساحة الفنيّة، هو إحدى الوسائل التي فرزتها هذه الساحة، والتي سببت الكثير من المتاعب في نتيجة العمل وبين الفنانين، وعن هذا الجانب تعلّق: «هذا الأمر غير كاف، فالموهبة هي أساس في إقناع المشاهد، وإلا فلن تنجح، وعموماً يجب أن يكون الممثل المناسب للدور المناسب، وفي الدراما السوريّة لدينا موهوبون كثر، ولكن لدينا جميلات من دون موهبة، فعبر تجربتي في الدراما وجدت بعضهن يرغبن في صف الكلام وقوله بسرعة للانتقال للمشهد الذي يليه وهكذا، وبعضهن يعاني من الحفظ ولا يقدرن على الإحاطة بالدور كما يجب، لكن قناعة المخرج تلعب دوراً اليوم في إغفال هذه النقاط على حساب نقاط أخرى بديلة، عموماً لا يمكننا إطلاق كلمة الموهوب على أي شخص، فلدينا الفنان ولدينا المتفنن والفرق كبير بين الاثنين، وعموماً توزيع الأدوار لا إنصاف فيه والعلاقات والشلليّة أصبحت قاعدة، فكل شيء ممكن، وبالمقارنة مع السابق كانت الأجواء أفضل بكثير، فلا يمكن لأي كان أن يدخل الوسط الفني، في حين اليوم نظلم على حساب دخول أشخاص لا علاقة لهم في الفنّ، وفي مرّة كان لي دور لم أرضَ في الأجر، فكان الاستبدال بممثلة أصغر مني بعشرين سنة، وتكرر الموضوع أكثر من مرّة، وكذلك في القطاع العام لم ادعَ لعملٍ منذ سنوات ولا أعلم ما سبب ذلك، ولكن علي بالصبر ففي يوم من الأيام سيحتاجونني بالتأكيد».
الأمّ وسورية
لدى سؤالنا عن الفنانة التي أدت دور الأم بقوة اختارت «هدى شعراوي» الفنانة «نجاح حفيظ» وأضافت: إنها قدمت دور الأم ببراعة، وكذلك «أنطوانيت نجيب» و«منى واصف» و«نبيلة النابلسي»، لكن «نجاح حفيظ» كانت الأقوى. أمّا عن السفر والعمل خارج سورية كان للفنانة شعراوي تجربة وحيدة خلال سنوات الأزمة السوريّة، وبعدها قررت البقاء في سورية وعن ذلك تقول: «لم أسافر خارج بلدي إلا في مرحلة تصوير مسلسل «حمام شامي» في «أبو ظبي»، وهناك ذرفت الكثير من الدموع لدى تلقي أخبار البلد وأنا خارجها، بالتالي قطعت وعداً على نفسي بعدم مغادرة سورية أبداً ما دامت في أزمة، فسورية هي أمّي التي ربتني، وجعلتني نجمة، فلا يمكنني إلا أن أبقى فيها، وهذا أقل ما يمكن أن أقدمه».
قريباً في رمضان
عن جديدها قالت: «شاركت في مسلسل «مقاسي عقياسي» من إخراج «فادي غازي»، وسترونني في «باب الحارة» في الجزء السابع الجديد، وأيضاً لدي مشاركة في «بقعة ضوء» وجزئه الجديد».