سورية

رووا كيف تمّ تحريرهم من خلال العملية النوعية للجيش…أبطال حامية مشفى جسر الشغور لـ«الوطن»: لا نهاب الموت بل رفضنا الاستسلام

 اللاذقية- عبير سمير محمود:

لم يتوقف أبطال الجيش العربي السوري على طول سنوات الأزمة في سورية عن ترجمة المعنى الحقيقي للفداء، واضعين نصب أعينهم أمن الوطن والمواطن، ليكون صمود أبطال حامية مشفى جسر الشغور الوطني أمام حصار وهجمات المجموعات الإرهابية لأكثر من شهر، إحدى هذه الملاحم وليس آخرها، وتحول خلالها المشفى ومن فيه من ضباط وعناصر الجيش ملاذاً للعشرات من المدنيين الهاربين من بطش الإرهاب، ليتقاسموا مع أبطال الجيش من الطعام والشراب وما توفر من مواد طبية.
والتقت «الوطن» مع عدد من الجنود الجرحى الأبطال الذين خرجوا في العملية النوعية الأخيرة للجيش التي أمن خلالها غطاء نارياً جوياً من أجل خروج الحامية ومن معهم من المدنيين، مؤكدين أنهم ما كانوا ليخرجوا لولا تأكدهم بأن الإرهابيين على بعد ساعات من تفجير المشفى بنفق يحفرونه تحتها.
وفي المشفى العسكري باللاذقية يروي لـ«الوطن» ثلاثة من أبطال الحامية وهم الرقيب أول نوار صالح المصاب برصاص قناص بفخذه الأيسر، والمجند محمد محمد مصاب بيده وساقه، الرقيب علي قاسم مصاب برصاص قناص بيده، تفاصيل شهر الحصار في المشفى وتصديهم وإفشالهم هجمات وعربات الإرهابيين المفخخة، حتى الوصول لقرار الخروج بعد التنسيق والتخطيط مع القيادة العسكرية لتأمين الخطة والتغطية النارية، مروراً بمخاطر رحلة الخروج والإصرار على إخراج رفاق السلاح من المصابين والشهداء حملاً على الأكتاف، حتى الوصول إلى نقاط الجيش الآمنة.
ويقولون: منذ اليوم الأول للحصار في 24 نيسان الماضي لم يدخل الخوف قلوبنا ونحن نحو 300 عنصر من القوات المسلحة و150 مدنياً «احتموا بنا» بعد هجوم الإرهابيين على مدينة جسر الشغور فتعاملنا مع بعضنا كالإخوة الذين يعيشون في بيت واحد، فمن الجانب العسكري قمنا نحن كعسكريين بتوزيع المهام على بعضنا بالتناوب لحراسة كامل المشفى وصد كل أنواع الهجوم الذي تعرضنا له، موضحين أن البداية كانت حين رصدنا بالعين المجردة اقتراب سيارة قمامة من جهة الجبل الشمالية للمشفى وبالتأكيد هي مفخخة فأطلق عليها أحد أبطالنا قذائف آر بي جي لتتفجر على بعد 100 متر من المشفى، وبعدها حاول الإرهابيون التسلل من سطح المشفى فتصدينا لهم وقتلناهم جميعاً، كما عاودوا إرسال عربات من نوع بي إم بي مرة من جهة العيادات ومرة أخرى من الجهة الغربية للمشفى محاولين الدخول بها إلى داخل المشفى فكنا لهم بالمرصاد وفجرناهما قبل اقتراب أي منهما ناحية المشفى، كما قتلنا أعداداً كبيرة منهم في محيط المشفى.
وحول عملية الخروج يقول الأبطال: إن قائدهم العقيد محمود صبحة وزع المهمات على ثلاث مجموعات الأولى -بقيادته- تقوم بتمشيط الطريق لتأمين خروج باقي المجموعات، والثانية تضم المدنيين وتحمل الجرحى، أما الثالثة فكانت مهمتها الحماية من الخلف.
وأوضحوا «خرجنا تحت التغطية النارية من الطيران والمدفعية فجر الجمعة اليوم الذي كان معداً لتفجير المشفى فقد كنا نسمع أصوات حفر تحت المشفى وصوت صاروخ لمقص الحديد ومولدة، لذا قرر العقيد صبحة بعد التنسيق مع قيادة الجيش الخروج بعملية استباقية قبل تنفيذ المسلحين لمخططهم.
وعما واجهوه أوضح الأبطال، خرجنا وخضنا معارك قاسية دامت لساعات طويلة وأدت لإصابة بعض رفاق السلاح بعد نصب المسلحين لكمين بين المنازل لنسير وبعضنا «يزحف بسبب الإصابة» لمسافات طويلة بين الأراضي، وأضافوا عبرنا نهر العاصي ومشينا فوق جسر الكفير حيث كانت النقطة العسكرية للفرق المؤازرة لنا تشعل النار وتلقي الخطاطة لنستدل طريقنا مع حلول الظلام ومنها إلى مشافي اللاذقية حيث نتلقى العلاج، مؤكدين أن الأمل مازال بداخلهم بالعودة لساحات المعركة بأقرب وقت لتطهير وطننا الغالي من رجس هؤلاء التكفيريين.
وعن الجانب الآخر بأيام الحصار يحكي أبطال الحامية كيف أن الروح المعنوية التي يتمتع بها كل شخص داخل المشفى سواء العسكري أم المدني تغلبت على كل الضغوط وعلى كل لحظة قاسية مرت عليهم، فقد كانت النساء من المدنيين يقمن بإعداد الطعام وبعضهن كن ممرضات ساعدن في علاج الجرحى من العسكريين، في حين كانت مجموعة من العناصر تقوم بتأمين المياه بعد أن انقطعنا منها والتي كانت تكفي لولا تفجير المسلحين لخزانات المياه في الجهة الجنوبية من المشفى التي يستخدمها عناصر الحامية، مؤكدين أنه لم يبق سوى خزانين اثنين وعند نفادهما اضطر كل من في المشفى إلى شرب مياه غير صالحة للشرب تارة من خزان غسالة المشفى وبعدها من مياه الشوفاجات وبعض الأنابيب، «بحيث قمنا بتخصيص كل لتر ونصف لـ15 شخصاً ولم يعرف اليأس طريقه إلى أي منا».
وعن الطعام أوضح الأبطال أن البرغل والأرز كانوا بنكهة السكر والزيت لطهوها بالسيرومات السكرية الموجودة بالمشفى بدل الماء، وحتى الشاي حضر «بالسيروم المختلط»، ملتزمين بتوزيع الأكل والشرب بكميات متساوية بين الموجودين «بعد أن صرنا عائلة واحدة وهو ما سنرويه للأجيال القادمة كيف سقينا قلوبنا بالإيمان وقتلنا الخوف لنعود ونقول إننا لا نهاب الموت بل نرفض الذل والاستسلام».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن