ثقافة وفن

سلاف.. وأداء يدرّس

إسماعيل مروة:

 

سنوات مرت، وفي كل موسم تقدم سلاف فواخرجي شخصية فيها الكثير من الخصوصية، سواء كانت هذه الشخصية تاريخية مثل كليوباترة وأسمهان، أم اقتربت من التراث مثل حدث في دمشق وياسمين عتيق، أم اقتربت من رمزية ترتفع مكانتها بمدلولها مثل مريم والأم.. وفي كل هذه الحالات استطاعت سلاف أن تخرج بالتميز، وأن تنجو بالعمل كله، وقد كان معرضاً للسقوط، فبعد سنوات من التردد انتشلت أسمهان، وخرجت بقامتها وتشخيصها لتجعل منه عملاً ملحمياً لا يجارى، وجعلت من أسمهان شخصاً محبوباً مقرباً حتى في أخطائه، وفي كليوباترة، وعلى الرغم من كل ما قيل حول النص والإخراج بقيت سلاف الحامل الأساسي للعمل، وإن بقي شيء في الذاكرة فإنه يبقى لبصمة متميزة لها.. وفي مريم كانت المفصل، وفي الأم كانت الأرض والانتماء.
وإن كان من أحد قد راهن على تنميط سلاف في أعمال ذات مواصفات تاريخية أو عمرية محددة، فقد أخطأ الذي راهن، لأنه لم يأخذ في حسبانه تلك الخبرة العبقرية في التشخيص، والتي لا تدانى، مع الحفاظ على ما نطلق عليه الأكابرية في الأداء.
ومن بعد بكرا أحلى اشتقنا للشخصيات الطازجة التي كانت فيها سلاف (خجو) اشتقنا للأدوار التي تستنفر داخلها، ولا تجبر الممثل على أن يجاريها بكل تفاصيلها، وفي «حارة المشرقة» عن نص أيمن الدقر وإخراج ناجي طعمي ظهرت سلاف فواخرجي في دور هو الأكثر تميزاً في أدائها، فقد أخذت من روحها لتعطي العمل، وتلغي كل التقاطعات التي يشترك فيها العمل مع أعمال أخرى.
تؤدي سلاف دور امرأة لعوب، وإن كان كثيرون لا يرونه لائقاً بها، إلا أن متابعة العمل تثبت أنها امرأة لعوب، ولكن بثوب سلاف، لا إسفاف ولا ابتذال، ولكن غوص في تفاصيل روح المرأة اللعوب حتى أقنعت وتماهت، وفي أحايين كانت تسرق منا ابتسامة الرضا، وربما التعاطف مع امرأة تلعب على الجميع، وتنصب حبائلها، وتؤدي ببراعة دوراً مميزاً سيبقى في الذاكرة، ولست أدري إن كان الجزء الثاني قد تم تشخيصه، والخشية أن يتغير الممثلون في الجزء الثاني، فيبهت العمل.
سلاف فواخرجي في كل عمل تثبت أنها ممثلة من النسق الأعلى، وأنها ليست نجمة مكتفية بنجوميتها، بل هي امرأة عجنت بإبداع وتألق وقدرة على الإقناع والإبهار، وهي التي تضيف إلى ما تقدمه، وتصبغه بنكهتها.
شكراً سلاف على ما أمتعتنا من شخصية جعلتها بقدراتك المتفوقة نموذجاً يدور بيننا ونتعاطف معه ونحبه أيضاً، لأنه نموذج لوّن بأدائك المميز ونكهتك التي تحولت إلى مدرسة في الأداء.
وأزعم أن ظهور سلاف أكثر من مرة بدور الأم يؤهلها للاستمرار، ولن تكون مكتفية بالمرأة الجميلة الآسرة، لأن أداءها هو الآسر إضافة لشخصها، وهذا الأداء يمكن أن يقدم سلاف من جديد في أدوار تبقيها في دائرة التأثير، فلنستثمر هذه الطاقة بأدوار تجدد حضورها إلى زمن ممتد.. والشواهد كثيرة.. من تألق إلى تألق ستبقى سلاف حاضرة وسلافة للفن والأداء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن