ثقافة وفن

كيف نربّي الجيل على قيم المواطنة ومن يقوم بتربيته؟!

| طرطوس : مكتب الوطن

لعلّ التربية الجادة على قيم المواطنة وحبّ الوطن من الأهمية والضرورة بمكان كبير أولاً للمساهمة في الخروج من الأزمة التي نعيشها منذ خمس سنوات، وثانياً للتخفيف من حدة تداعيات الحرب التي نتعرض لها، وثالثاً لمعالجة الكثير من الأسباب الداخلية التي ساهمت في تنفيذ المؤامرة على وطننا.. الخ. في ضوء ما تقدم التقينا الأديب غسان كامل ونوس
يقول ونوس: الوطن هو القيمة الأصيلة، والمعنى الإيجابيّ، والمعيار الأصليّ والعلاقة بالوطن ليست طارئة، ولا عارضة، ولا ظرفيّة، ولا مصلحيّة، ولا شرطيّة… ولا يُفاضَل بينها وأيّة علاقة أخرى؛ لأنّها الأفضل؛ ولا تتعارض مع أيّ علاقة شرعيّة أخرى؛ بل تتضمّنها؛ وليست جامدة أو رتيبة أو تقليديّة، ولا تنوس بالتقادم؛ مع أنها مزمنة؛ بل إنها حيويّة متجدّدة، عفويّة ومقصودة، عاطفيّة وواعية، روحيّة وبدنيّة، معنويّة ومادّيّة، متوارَثة ومكتسبة، فطريّة ووجدانيّة، ومصيريّة… تلك هي ملامح علاقة الكائن بوطنه؛ أيّ وطن؛ فكيف إذا ما كنّا نعني وطناً بعينه هو سوريّة؟! وقد قيل فيها: «لكلّ إنسان متحضّر في هذا العالم وطنان، وطنه الأصليّ وسوريّة»؛ (الاسكندر المقدوني، اندريه بارو مكتشف مدينة ماري على الفرات، الفيلسوف رينان، شارل فيرنو قارئ الرموز المسماريّة الأوغاريتيّة، الأبجديّة الأولى في التاريخ الإنسانيّ)؟!

المواطنة
وتابع: أما المواطَنة فهي الوطنيّة الممارَسة، أو الآليّة التي تجسّد الوطنيّة أو تحقّقها، وتوطّدها، وتحميها؛ من خلال الانتماء، والحقوق، والواجبات، والمشاركة؛ وهي آليّة، مع ما يكتنفها من عاطفة ومشاعر ألفة واحترام ومواكبة، تعتمد على الدستور والقوانين المنبثقة عنه، ومبادئ المساواة والعدالة، والمسؤوليّة الاجتماعيّة، ولها أبعاد: البعد القانونيّ، والبعد السياسيّ، والبعد الإداريّ، والبعد الاجتماعيّ، مع شروط التوازن بين الحقوق والواجبات، وبين العام والخاصّ، بلا أيّ تمييز في الدين أو الجنس، أو اللون، أو المستوى الاقتصاديّ، أو الانتماء السياسيّ، أو الموقف الفكريّ. ولا يتوقّف مفهوم المواطنة على العيش في الوطن؛ بل يتّسع ليشمل التعلّق بالبلد، أو التوق إليه، والاعتزاز بتراثه ورسالته الحضاريّة الإنسانيّة، والاستعداد للدفاع عنه، والتضحية في سبيله.

أولادنا- الجيل
وعن الجيل وتربيته على المواطنة قال ونوس: حين تتعثّر «أكبادنا التي تمشي على الأرض»، تهتزّ كياناتنا، ويختلّ توازننا، ويضطرب المشهد، وتتضبّب الرؤية؛ وحين تسقط، نفقد الرصيد، وإمكانيّة الاستمرار المُجدي؛ أمّا حين تشذّ، أو تضيع، وتتحوّل إلى عثرات في مسارات المجتمع والوطن، و«حدوداً» في ظهورنا وظهور الآخرين، وأشواكاً في عيوننا؛ فعلينا أن نراجع أنفسنا، ما فعلناه بهم، أو من أجلهم، بماذا قصّرنا تجاههم، ولمن تركناهم؟! لأن الخسارة حينئذٍ مضاعفة، والنتيجة كارثيّة؛ فقد فقدنا الرصيد المتمثّل بالإمكانيّات التي كانت لديهم، والمواهب والطاقات، التي كان من الممكن أن تُنمّى وتُستثمَر، وسنفقد، ويفقد الوطن، إمكانيّات أخرى، وقدرات غير محدّدة؛ كي نعيدهم إلى المسار الصحيح، أو نرمّم الأفكار والآمال؛ والزمن لا ينتظر، والتاريخ لا يرحم، والجغرافيا تُنتهك، والفضاء يتعكّر؛ أمّا المستقبل فسيذهب إلى «أكباد» أخرى وأحضان أخرى!!
وتابع: هناك سؤال بسيط في كلماته، خطر في مكنوناته ومَدَياته: من الذي يربّي الجيل؟!
نحن الأهل في البيت والحارة، أو الأسرة التعليميّة في المدارس والمعاهد والجامعات، أو المسؤولون في المؤسّسات والنقابات والمنظّمات والجمعيّات والأحزاب والمنتديات، العامّة منها والخاصّة، الاجتماعيّة والمهنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة… من دون أن ننسى الآخرين الأبعد، الذين صاروا الأقرب، في هذا الفضاء الافتراضي، وكائناته كلّها، التي هبطت علينا في مختلف أوقاتنا حتّى الحميميّة منها، وأماكن وجودنا الأشدّ خصوصيّة، وشاغلونا، وألهونا عن الكثير ممّا هو مهمّ، من دون صحون طائرة، أو كائنات ملوّنة مغايرة، وبلا استشارة أو استخارة أو استئذان!
وأكد وجود نوعين من التربية:
1- التربية المباشرة
2- التربية غير المباشرة
ورأى أن التربية غير المباشرة أكثر جدوى، ولا سيّما على المدى الطويل؛ كما يأخذ النبات ما يستطيع من بخار الماء في الهواء، أكثر ممّا يشرب من ماء متدفّق، قد يأخذ معه التراب وعناصر مهمة أخرى!!!
ومن هنا، ولكي نستطيع أن نجعل الجيل متمثّلاً قيمَ المواطنة الحقّة، لا بدّ من:
أن نكون القدوة الحسنة في القول والأداء:
• الاهتمام بالشأن العام.
• الاهتمام بالعلم وتشجيع التعلّم.
• تغليب المصلحة العامّة على المصلحة الخاصّة.
• تعزيز فكرة العمل الجماعي.
• الالتزام بالقوانين والأنظمة، والقواعد السلوكيّة والأخلاقيّة.
• عدم التعامل بما يثير التمايز الاجتماعيّ أو الدينيّ.
• تثمين الحالات الإيجابيّة.
• تقبّل مبدأ الربح والخسارة واستلام المهمّة وانتهاؤها، وتفهّمه.
• الاهتمام بالملكيّات الجماعيّة، وضرورة المحافظة على المال العام…
بناء الشخصيّة المكتنزة المتماسكة المتوازنة، القويّة المحصّنة ضدّ التهديد والإغراء والشائعات والأفكار المخرّبة المضلّلة.
• الاكتناز الثقافيّ والمعرفيّ.
• تأمين مصادر المعرفة المُجدية ووسائلها، مع الإشراف والمراقبة بلا قسر أو قمع.
• تعميم ثقافة الاختيار.
• إتاحة التعبير عن الرأي واحترام الرأي الآخر.
• التعوّد على ثقافة الحوار والاختيار.
• تقبّل النقد والنقد الذاتيّ.
• تحويل مفهوم الطاعة إلى القناعة.
• إشاعة جوّ الاحترام والاهتمام بدل الخوف والإهمال.
• بثّ روح المبادرة والجدّية.
• التشجيع والتحفيز والمساعدة.
• تشجيع الانتساب إلى مؤسّسات النشاط العام؛ رسميّة أو أهليّة؛ سياسيّة كانت، أو اجتماعيّة، أو اقتصاديّة…
• إتاحة الحصول على المعلومات، والشفافيّة، والمصارحة والمصداقيّة.
• ضرورة أن يكون للفرد دور في مجتمعه الصغير، ومن ثمّ في المجتمع الكبير، فالأكبر: الوطن.
• أهمية العطاء والعمل التطوّعيّ.
• الحرّيّة مسؤوليّة.
• احترام الآخرين وقبولهم رأياً ومشاركة.
• الدقّة والموضوعيّة في الحديث، وعدم إلقاء الكلام والتقويمات والاتّهامات جزافاً.
• التعميم ضارٌ ومدعاة للتقصير والانكفاء، وتسويغ العجز والاستسلام، ولاسيّما حين تناول الحالات السلبيّة، التي لا يخلو منها مجتمع وأوان.
• الانتباه إلى خطورة الاختلاء الزائد والاختلاط الزائد.
• الانتباه إلى أيّ تغيّر في الأفكار والسلوك نحو ما هو غريب ودخيل.
• تعزيز القيم الإنسانيّة في المجتمع (ثمانينيّة رفضت قبل أيّام أن تنشر الغسيل؛ لأن في القرية عزاء؛ بينما لا يتورّع شخص متحضّر عن تربية حيوانات مُصوِّتة بين البيوت، أو استخدام أجهزة أو آلات تحرم الجيران الراحة…).
وعن كيفية غرس الأفكار الوطنيّة في النفوس، وتعميقها وإنمائها قال ونوس:
• تجذير فكرة الانتماء إلى الوطن؛ كلِّ الوطن.
• التدريب على الوطنيّة: زيارة المواقع التي لها إشعاعات وطنيّة: المتاحف- المواقع الأثريّة- مواقع المعارك المظفّرة- المشاريع الاقتصاديّة المهمّة، زيارة حواجز الجيش العربيّ السوريّ، ومراكز الشرطة، وأماكن العمل العام..
• تعميم الرموز الوطنيّة القديمة والحديثة، وزيارة مواقع نشاطها أو أضرحتها.
• الاهتمام بالقضايا الوطنيّة، والتعامل معها بجديّة واحترام.
• التعاون بين مختلف الوحدات الاجتماعيّة، من دون تبادل الاتّهامات وتحميل الأوزار بين البيت والمدرسة والمؤسّسة…
• التعاون مع وسائل الإعلام بحيويّة وجرأة وموثوقيّة.
• تدعيم عناصر الحصانة وسبل الوقاية، قبل وقوع الخلل، والاضطرار إلى الترميم والعلاج.
•استثمار الخطاب السياسي والديني وطنيّاً؛ من دون هيمنة، أو تكفير أو تخوين.
• اعتماد الحلّ الثقافيّ للأزمات.
•احترام الخصوصيّات الاجتماعيّة والدينيّة.
• الإنسانيّة تنطلق من الوطن، وتتمثّله، ولا تهمله أو تقفز فوقه.
• الفساد والوطنيّة لا يجتمعان!
حتىّ إن بالغ المرتكب بالاحتفاء والتزيين والمساعدات؛ لأن السؤال يجب أن يظلّ قائماً: من أين لك هذا؟!
فالوطن لأبنائه جميعاً، وفي أيّ ظرف وآن…

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن