الأولى

سورية وتخاذل بعض «السوريين»!

كلما طرح موضوع التقسيم انزعج السوريون لا بل غضبوا، لأنه ما من أحد، بحسب قناعاتهم، قادر على تقسيمهم جغرافياً أو طائفياً أو اجتماعياً، وهم يستندون بذلك ليس فقط إلى قوة مناعتهم ووعيهم بل نتيجة إرثهم الثقافي والحضاري وهويتهم الوطنية والقومية التي جعلت منهم شعباً لا يقبل التفريط بأي ذرة من تراب سورية بل يرفض تقسيم أي دولة عربية.
ولكن، وعلى الرغم مما سبق، يجب ألا نختبئ خلف أصابعنا ونكتفي بالكلام عن مناعة السوريين وقوتهم ووحدتهم، فمشروع تقسيم البلاد قائم، كما مشروع تقسيم العراق وقبلها السودان وكذلك اليمن وليبيا، ولاحقاً الحجاز، وكل ذلك، بهدف ما بات معروفاً للجميع، وهو تفتيت المنطقة وجعلها دويلات تحكمها طوائف وأحزاب وإلغاء مفهوم الدولة والسيادة والقرار المستقل، وحتى لا تبقى فكرة الدولة اليهودية العنصرية التي يتم العمل على تشكيلها، نشازاً عن المنطقة.
اليوم قد نكون في أوج هذا المشروع، فتركيا ومعها آل سعود وآل ثاني من جهة يعملون لإغراء مناطق الشمال السوري، وواشنطن تمهد وتدعم وتعبد الطريق أمام داعش، وتوفر له الحماية ليؤسس دولته في العراق والشام من البادية حتى الموصل، أما الأردن فيتحالف مع تنظيم القاعدة لاحتلال جنوب سورية والسطو على الثروة المائية وغيرها.
أمام هذه الهجمة الشرسة، يبقى الجيش السوري متماسكاً وقوياً ويقاتل في أكثر من 500 نقطة حفاظاً على السوريين وحماية لوحدة أراضيهم، يؤازره عدد كبير من المتطوعين السوريين ويسانده كل الشعب السوري الذي يرى فيه الضامن الوحيد للحفاظ على سورية الموحدة، سورية المحبة والتسامح، وسورية مهد الحضارات.
ورغم كل الانتكاسات التي حصلت مؤخراً، ورغم إدراك السوريين لحجم وطبيعة العمليات العسكرية والتضحيات التي يقدمها أبناء سورية في مواجهة أشرس الإرهابيين العالميين المدربين والمسلحين من قبل دول باتت معروفة وتعترف علناً بدعمها للقاعدة وداعش والتنظيمات الإرهابية العاملة معهما، رغم كل ذلك، يدرك السوريون تماما أن الحرب ليست خسارة معركة والعبرة بالنتائج ومما يقال إن نابليون وصل بجيوشه يوماً إلى أسوار موسكو لكن الحرب انتهت أخيراً في عقر داره بباريس.
منذ أيام بدأ تنظيم داعش هجوماً عنيفاً على مدينة الحسكة مستخدماً كل أساليب الإرهاب من انغماسيين وانتحاريين ودبابات وصواريخ أميركية ومدفعية ثقيلة، في محاولة لاحتلال المدينة وضمها إلى «أراضيه»، ولكن واجه الجيش وبجهد وبسالة استثنائيتين تلك الهجمات وصد غالبيتها، يؤازره نسور الجيش السوري الأبطال بهدف حماية الأرواح والممتلكات والأراضي التي باتت هدفاً لداعش والقاعدة في مناطق الشمال السوري.
كل ما سبق يجري تحت أنظار ومراقبة المدمرات والمقاتلات والأقمار الصناعية الأميركية التي تدعي «محاربة» داعش لكنها في الحقيقة لا تفعل إلا حين يلبي ذلك مشروعها التقسيمي، والمفاجأة في الهجوم الأخير على الحسكة لم تأت من هجوم داعش المتوقع، بل من تخاذل بعض «الأشقاء» الأكراد بالدفاع عن الحسكة وهم مما يسمى «وحدات حماية الشعب» ذات الأغلبية الكردية ويقودها الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتزعمه صالح مسلم.
في كل هجمة لداعش على مدينة سورية لهم تواجد فيها، تبعث «حماية الشعب» برسائل دعم للجيش السوري ويؤكدون تصميمهم على القتال إلى جانب الجيش السوري، لكن على أرض الواقع وحين تتعرض المدن لهجمات داعشية، لا يحركون ساكناً! علماً وبالوثائق، فإن السلاح المتوافر لديهم قدمته الدولة السورية ليدافعوا عن أنفسهم ومناطقهم، وها هو هذا السلاح يرتد علينا نحن السوريين من خلال امتناع مقاتلي «وحدات حماية الشعب» عن مؤازرة الجيش، الأمر الذي يؤكد أطماع بعض الأكراد السياسية والاقليمية وعمالتهم مع الأميركيين والأوروبيين لتأسيس إقليم أو ما يسمى «إدارة ذاتية» تخولهم لاحقاً تأسيس دولة على الأراضي السورية والعراقية، وهذا ما يفسر ويثبت الجهد الاستثنائي الذي قامت به واشنطن وحلفاؤها لهزيمة داعش في عين العرب ولم تحرك ساكناً في تدمر أو الرمادي.
يهدف المشروع الأميركي إلى قيام كيان كردي في شمال سورية، ومرحلياً تشن داعش هجومها على الحسكة وبعد احتلالها تأتي طائرات التحالف بحجة حماية الأكراد ومؤازرتهم، ليحتل هؤلاء بدورهم الحسكة ويبدؤوا مجدداً عمليات تطهير عرقي تحت عنوان «محاربة فلول داعش» ليستبيحوا المنطقة، وتماماً كما يجري حالياً في محيط تل أبيض شمال محافظة الرقة، فباتت داعش ووحدات حماية الشعب فعلياً منفذين مخلصين لواشنطن في عملية تقسيم سورية، وخاصة أن للأكراد أطماعاً كبيرة في هذه المناطق تعود إلى عقود من الزمن.
إذاً هو مشروع مشترك لتقسيم سورية، والشركاء ليسوا فقط الولايات المتحدة والدول الغربية، بل هناك وللأسف سوريون من الذين عشنا وتربينا معهم وقاسمناهم خبزنا وماءنا ومصيرنا.
الكل يريد النهش في الجسد السوري، والحرب في سورية ليست بين موالاة ومعارضة، وبين الجيش السوري ومرتزقة وإرهابيين من كل جنسيات العالم، إنما الحرب هي على سورية ودورها وموقعها الجغرافي وحضارتها وهويتها، وعلينا اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن نتوحد ونؤازر جيشنا لأنه الضامن الحقيقي لوحدة أراضينا، وهو قادر مع حلفاء سورية، على إجهاض مشروع التقسيم والأطماع المحلية والدولية.
إن من يتوهم بأنه قادر على تقسيم سورية والسوريين عليه أولاً أن يقرأ التاريخ وأن يدرك أن ما من قوة استطاعت فعل ذلك مهما زجت ومهما وظفت من عملاء، فسورية ستبقى موحدة والأيام والأشهر القليلة ستثبت ذلك، وخسارة معركة أو مدينة في أي مكان في الجغرافية السورية لا تعني أن سورية أو الجيش السوري سلم أو استسلم للمشروع الغربي، فالقليل من الصبر والكثير من الإيمان بجنودنا الأبطال وحلفائنا كفيل بإحباط كل مخططات الغرب وأزلامه في المنطقة.. وإن غداً لناظره قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن