تكريمنا المبدعين هو دلالة على استمرار الحياة في سورية … المكرمون في جائزة الدّولة التقديريّة: «الثقافة العربيّة رداء الرحمة الذي يحتضن التراث لكلّ الأمّة»
| عامر فؤاد عامر – تصوير طارق السعدوني
تتوافد أسماء المبدعين السوريين، فنراها في كلّ الميادين حاضرة ومتألقة، وكوادرنا نفخر بها وبرصيدها المؤثّر في المجتمع ورفده بالمزيد من جوانب العطاء. تأتي جائزة الدولة التقديريّة اليوم لتكرّم هؤلاء، وتمنحهم التجدد والأمل، ليكونوا مضرب المثل للأجيال. وفي مكتبة الأسد الوطنيّة تمّ منح أسماء الدورة الجديدة جوائزهم، وتكريمهم كأسماء لامعة متجددة في دورة جديدة من هذه الجائزة، التي تعدّ الأرفع على مستوى الدولة في جوائز الأدب والإبداع الثقافيّة، والفنيّة، والنقديّة.
بدأ الحفل الذي عرّفته المذيعة «أنسام السيّد»، بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء الوطن الأبرار، والنشيد العربي السوري، لتتمّ مراسم التكريم، وبدايتها بكلمة من وزير الثقافة: «… والمبدعون عطور الحياة، ومطر الروح، يرممون الأنفس العطشى، فتخضرّ الأحلام، ويتفتّحُ العقل على مشارق الضوء، طالعاً من يُتمّ الليل إلى عائلة الفجر. وحدهم يبصرون الحياة بأوجاعهم، فلا تجد سنابل يابسةً في حقولهم، ولا أكواخاً مهجورةً في غاياتهم، لأن من يبصر بالوجع، يرسم إشارات المرور بالأمل واللهفة والإيمان بالخلاص… ».
تكريمنا المبدعين هو دلالة على استمرار الحياة في سورية، فهؤلاء الأشخاص أعطوا الكثير بعد أن تميزوا بحضورهم وإبداعهم، وهذا ما يدل على انتمائنا إلى وطن عريق وإلى ثقافة أصيلة أثبتت نجاحاتها منذ القدم فولدت الحضارة بين أحضانها، وفي احتفال التكريم هذا كان النصيب أن تكون الأسماء الثلاثة لهذا العام هي الباحث الدكتور «محمد القجة» عن فئة النقد والدراسات، والأديبة الدكتورة «ناديا خوست» عن فئة الأدب، والفنانة النجمة «سلمى المصري» عن فئة التمثيل والفن.
ألقى الباحث «محمّد القجّة» كلمةً، باسمه وباسم المكرّمتين، شكر فيها الحضور ووزارة الثقافة بامتنانٍ، وقال إن الثقافة العربيّة هي محورنا في تحفيز المثقفين والمبدعين للنهوض، والعودة بالسلام إلى هذا الوطن، ومما جاء في كلمته أيضاً: «الثقافة هي الوعاء الأشمل الذي يستوعب النظرة إلى سائر القضايا التي تمثّل الأبعاد الفكريّة والمعرفيّة والاجتماعيّة والفنيّة والتربويّة، بما ينبثق عن ذلك كلّه خصوصيّة حضاريّة تتبلور من خلالها شخصيّة الأمّة بثقافتها المتميّزة، والثقافة هي رداء الرحمة الذي يحتضن التراث لكلّ الأمّة. التراث بشقّه المادّي وغير المادّي. التراث المتمثّل في العمارة وفي العلاقات الإنسانية، وفي التقاليد والرؤية المجتمعيّة المتفاهمة الواعية الناضجة، هذه الثقافة بتراثها العريق الذي يحتضن التراث بحضوره الحيّ يواجه اليوم تحديات جمّة يهدد وجودها وحيويتها، تحدياتٌ سياسيّة تتمثل في دعوات الشرذمة والتفرقة والتفتيت، وتحديات حضاريّة تتمثل في مواجهة العولمة الطاغية بأدواتها وبالرؤية الأحاديّة للكون والحياة، وتحديات التقوقع اللغوي أمام هجمات اللغات العالميّة، التي حوّلت لغتنا العربيّة الوطنيّة إلى لغة ثانية في بعض أقطار المشرق والمغرب العربي، وتحديات الصراع بين الفصحى والعاميّة، وتحديات لغة موقع التواصل الاجتماعي التي تهشّم اللغة والثقافة، وتحديات البحث العلمي الذي يكاد يختفي من حياتنا العلميّة العربيّة…».
بعد هذه الكلمة تمّ توزيع الميداليات على المكرمين ومنحهم شهادات التقدير بحضور الوفود الإعلاميّة والضيوف والمهتمين.
«ناديا خوست»
كاتبة وأديبة سورية ولدت في دمشق عام 1935، تلقت تعليمها في مدارسها العريقة، ودرست الأدب في جامعة دمشق وأكملت اختصاصها في جامعة موسكو بالأدب العالمي، وحصلت على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن من الاتحاد السوفييتي بعد حصولها على بكالوريوس الفلسفة من جامعة دمشق، وكانت أطروحتها بعنوان (أدب تشيخوف وأثره في الأدب العربي). ساهمت ومنذ مطلع حياتها في الكثير من الأنشطة الأدبية، منها تأسيس ناد ثقافي، وساهمت في إصدار مجلة مدرسية، عملت مع آخرين في تأسيس رابطة الكتّاب الشباب. بدأت كتاباتها في الستينيات وأصدرت أول مؤلفاتها وهي «أحب الشام» عام 1967، وهي عضو مؤسس في هيئة دمشق القديمة وعضو في لجنة البناء للجنة دمشق القديمة التاريخية، عملت على الحفاظ على العديد من المباني التاريخية في دمشق، شاركت في مؤتمرات سورية ومؤتمرات عالمية عن قضايا المرأة وعن السلام. تنتمي لجيل الستينيات في الأدب، هذا الجيل الذي اهتم ببناء شخصيته الذاتية والموضوعية، فحمل مسؤولية إثبات الهوية الوطنية والقومية، وأدرك أهمية دوره في العمل على تغيير الواقع وإعادة بنائه بصورة جديدة، وقد مثلت ومازالت إحدى الدعائم الأدبية والفكرية في سورية. لها الكثير من المؤلفات، ومن مجموعاتها القصصية «أحب الشام» عام 1967، و«في القلب شيء آخر» 1979، و«في سجن عكا» 1984، ومن رواياتها «الهجرة من الجنة» 1989، و«الإمكان للغريب» 1990، و«حب في بلاد الشام» 1995، و«مملكة الصمت» 1997، و«أعاصير في بلاد الشام» 1997، ولها دراسة أدبية بعنوان «كتّاب ومواقف» عام 1983. مجموعتها «في القلب شيء آخر» ارتبطت بأجواء معبأة بالحرب الأهلية اللبنانية، و«سجن عكا» ارتبطت بأجواء الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، وهناك مجموعات قصصية أخرى ارتبطت بأجواء أخرى.
«سلمى المصري»
نشأت في أسرة فنيّة دمشقيّة، فجدها هو عازف العود الشهير عمر النقشبندي، بدأت طريق الفن من خلال برامج الأطفال، بعدها انتقلت إلى أدوار الفتاة المراهقة وبعد مرحلة الثانوية كانت النقلة النوعية فقامت بأعمال أكثر نضوجاً، وبدأت بعدها البطولات المطلقة. بعد أن تخرجت في كلية الحقوق من جامعة دمشق دخلت عالم الأضواء والشهرة عام 1976 وانتسبت إلى نقابة الفنانين، وفي العام نفسه شاركت بالتمثيل في العديد من الأعمال. وفي رصيدها ما يقارب مئة عمل درامي، إضافة إلى أعمال في المسرح والسينما، ومن أبرز المسلسلات الدرامية التي شاركت فيها: «الفصول الأربعة»، و«حمام القيشاني»، و«الطير»، و«مذكرات عائلة»، و«مرايا»، و«عائلتي وأنا»، و«أبناء القهر»، و«ذكريات الزمن القادم»، و«أشواك ناعمة»، و«بقعة ضوء»، و«كسر الخواطر»، و«حارة عالهوا»، و«الخبز الحرام»، و«نساء من هذا الزمن»، و«الجمل»، و«صلاح الدين»، و«العشق الحرام». ومن مسرحياتها «كاسك يا وطن»، و«شقائق النعمان»، و«الملك لير»، و«زواج على ورق طلاق» و«لأ». في الإذاعة شاركت في العديد من الأعمال التي لا يمكن حصرها، ولها في السـينما أفلام «مقلب من المكسيك»، و«الاتجاه المعاكس»، و«المتبقي»، و«الآباء الصغار»، و«العشاق»، و«الهوية». حصلت على الكثير من الجوائز، منها جائزة أفضل ممثلة في مهرجان اتحاد الإذاعات العربية في تونس، وجائزة التميز والإبداع الذهبية من نقابة الفنانين في سورية، ونالت في مصر جائزة أفضل ممثلة في مهرجان القاهرة التلفزيوني عن دورها في مسلسل «الجمل»، وفي أميركا جائزة العطاء من النادي السوري الأميركي في ولاية لوس أنجلوس، إضافة إلى جائزة كركلا التكريمية في مهرجان الجزائر السينمائي، وجائزة مهرجان دمشق السينمائي، وتكريم من اتحاد المنتجين العرب.
«محمد قجة»
ولد في عام 1939 في مدينة حلب لعائلة عريقة، عاش طفولته كمعظم الأطفال في تلك الأحياء الشعبية، وكان الكتاب مدخله الأول لنهل العلم والمعرفة من خلال دروس تحفيظ القرآن، ومن ثم تدرج في تحصيله العلمي متنقلاً بين حلب ودمشق والجزائر، فنال شهادة دراسات عليا في تاريخ الأندلس وبلاد الشام من جامعة الجزائر، وإجازة في الأدب العربي، ومؤهلاً تربوياً من جامعة دمشق، قبل أن ينخرط في الحقل التربوي بين مدرس للغة العربية ومدير لعدد من المدارس الثانوية الحكومية والخاصة، وفي عام 1974 انتسب إلى جمعية العاديات التي أسست في عام 1924 وهي أقدم جمعية في العالم العربي تهتم بالتراث والآثار وفي عام 1994 انتخب رئيساً لهذه الجمعية وما زال رئيساً لها حتى يومنا هذا، إلا أن المحطة الأبرز كانت عمله مديراً لثانوية المأمون العريقة. انطلق في حقل الإعلام والصحافة، حيث كان له العديد من المشاركات من كتابات ومقالات في عدد من الصحف والدوريات وإعداد برامج في عدد من الاذاعات والتلفزيونات المحلية والعربية. يعد الدكتور قجة من أهم الباحثين والدارسين للتاريخ العربي والإسلامي وهو أيضاً مفكّر وشاعر وأديب. شغل عمره بخدمة قضايا الثقافة العربية الأصيلة والدفاع عن ثغورها المهددة، وتسلم عدة مناصب منها: «الأمين العام لاحتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية»، و«رئيس لجنة السجل الوطني للتراث الثقافي غير المادي»، و«رئيس جمعية العاديات في سورية»، و«المستشار الثقافي لمحافظة حلب»، و«رئيس التحرير والمدير المسؤول لمجلة العاديات الفصلية وكتاب عاديات حلب- السنوي». له مئات الدراسات والبحوث في الدوريات، إذ تحوي مكتبته المنزلية ما يزيد على اثني عشر ألف عنوان، عدا مؤلفاته التي تجاوزت العشرين كتاباً في الدراسات الفكرية والتاريخية والأدبية عن «بلاد الشام والأندلس». ألقى العديد من المحاضرات في أكثر من 46 دولة حول العالم، إضافة إلى نشر الكثير من الدراسات والمقالات والأبحاث في مختلف المجلات والجرائد السورية والعربية. ومن مطبوعاته من الكتب والدراسات: «الظاهر بيبرس»، و«طارق بن زياد»، و«معركة المنصورة»، و«محطات أندلسية»، و«الحياة الفكرية في حلب في العهد الأيوبي» و«المتنبي في حلب».