ثقافة وفن

علي الراعي يكشف أسرار الجمال في المشهد التشكيلي السوري…لوحات ماري وإيبلا تقدم النموذج الراقي لحضارات السوريين في الفن

عامر فؤاد عامر: 

«كل العالم تعلّم من شرق المتوسط وليس من غربه، وتجاربهم الإبداعية أقل من تجاربنا وليس العكس، حتى إن كل التجارب التشكيلية المدهشة في هذا الكون، لها جذورها الشرقية، من يصدق أن الهجمة الفرنسية جاءت بعد زيارة الفنانين الفرنسيين لبلاد الشام.!». هذه من مقدمة المؤلف علي الراعي من كتابه دروب في المشهد التشكيلي السوري والتي تلخص إصراره في هذا الكتاب لتبيان لوحة تشكيلية ذات جذور أصيلة وقديمة لا يضاهيها في المستوى أي لوحة في العالم، ومن أجل هذه الذاكرة التاريخية في اللون والصورة يبين كاتبنا بواعث إنجازه للكتاب فيقول منها اثنين: الأول أن معطيات كثيرة تشير لوجود لوحة سورية قديمة في العمل التشكيلي وذلك إذا ما بحثنا في الأرض السورية القديمة وليس فقط على مستوى النحت بل في مختلف نواحي الفنون، أما الباعث الثاني فثمة حركة تشكيليّة سورية لها إرهاصاتها القديمة وجدت منذ أكثر من قرن، لكن قراءته النقدية لم تتوافر كما يجب، بل اقتصرت على كتابات ارتبطت بعدد من الصحفيين ومثلهم من الفنانين التشكيليين النقاد فقط.

في كتاب «دروب في المشهد التشكيلي السوري» الصادر عن وزارة الثقافة لهذا العام 2015 الهيئة العامة للكتاب، قراءة في تجارب فنية لا تزال حيّة، ولم تختم مشروعها الفني بعد، فالتجارب هذه لا تزال في مرحلة العطاء والتقديم ولم تصل لخواتيمها حتى اليوم، فرافق الكتاب واحد وعشرون فنانة وفناناً تشكيلياً من سورية وختم ببحث عن فن الكاريكاتور وآراء لسبعة من فناني هذا النوع في سورية.
يشير الكتاب إلى أصالة هذه الثقافة لدينا من خلال رسم الوجوه فثمة من يؤكد من النقاد بأن لحضارة الوجه جذورها الأولى في اليمن والبتراء وحوران وتدمر وقبلها ماري وإيبلا. ويبدو أن هذه الطريقة في الرسم لها جمع استدلالي في قراءة الفنان السوري لملامح الوجه بطريقة عميقة لها دلالات أصيلة لتثير كل لوحة لوجه المزيد من الأسئلة والاستفسارات وصولاً إلى إجابات ترضي القارئ، فكلّ له أسلوبه المميز الذي لا يتشابه مع زميله الفنان الآخر على الرغم من تناول الحالة نفسها، فكان لبعضهم خصوصية مهما تقاطع في الفكرة مع غيره ستبقى متفردة في طريقة تشكيلها وقراءتها الخاصة من الفنان عينه، فهناك إيحاءات فيزيولوجيّة ونفسيّة بعيدة المدى.
كانت البداية في الكتاب مع الفنان كاظم خليل «صوت سوري صارخ في أوروبا» وهو الفنان الذي حقق تفرداً في حضوره منذ المعرض الأول 2012 الذي حمل عنوان تحولات الذي شغل 6 قاعات رئيسة في متحف ممونبرناس في باريس، مدّة شهر كامل، ليعود بعدها بمعرض 2013 بعنوان حلال الذي حمل تهكماً من الثورجيّة القتلة الذين جزوا الرؤوس وقطعوا البشر باسم الدين، وجاء ذلك في معرض «فنون العاصمة» باريس الذي يقام منذ العام 1636 وهو من أكبر التظاهرات التشكيلية العالميّة. وكانت لوحة «المذبح: خشبة التقطيع» هو عنوان اللوحة التي فاز من خلالها الفنان كاظم خليل بالميدالية البرونزية وقد منحت لأول مرة لفنان تشكيلي عربي في صالون «باريس فنون العاصمة» من بين 1500 فنان من معظم دول العالم، ومما جاء من أسباب منحه الجائزة فيما ذكره كتاب لجنة التحكيم: «… نحن أمام عمل استثنائي متعدد الينابيع أنجزه فنان من سورية حاضنة الفلاسفة الأولين- الغنوصيين والرواقيين- وكما في أنوارها سكن الأنبياء، وتماهى الصوفيون في سماءاتها العالية، ومن موشورات فضاءاتها وأنهارها تناسل الضوء ألواناً، وتلألأت أساطير الإنسانية».
ينتقل الكتاب إلى لون آخر في اللوحة التشكيلية السوريّة وإلى التأويل والمواربة في غنى لوحة الفنانة «ريما سلمون» ويقول الكاتب علي الراعي فيها: «…للوهلة الأولى ستعطي متلقي لوحتها إحساساً بالاقتصاد اللوني، والتقشف، بل الاقتصار على لون وحيد، هو اللون البني، لكن الفنانة هنا، استطاعت أن تفجر الطاقات الكامنة في هذا اللون، وتخلق من تدريجاته أواناً متعددة متناسبة، وأو معادلة للحالات الانفعالية، والتعبيرية لتكوينات اللوحة…» توحي لوحة الفنانة ريما سلمون بأسلوب النحت وحضور هذه الحالة أي إيحاءً للبعد الثالث من خلال لوحتها، خطوطها قوية يمكن تكثيفها في ثلاثة هي العيون وحركة الأيدي وتشبث القدمين، وترسم الفنانة كائنات هي نحن تتقاطع معنا في تأملاتها ومعاناتها، وجوهها متشحة بالحزن، فيها عيون تراقب وشفاه فاضحة ومن خلال لوحتها تؤكد بحثها في العلاقة بين الإنسان ومجتمعه، تلك العلاقة التي تلعب دورها في التحكم بمصائر الشخوص وتشكيل عوالمهم الغنية على ضيقها واتساعها.
في الكتاب أيضاً إلقاء ضوء على أسماء كثيرة مهمّة في اللوحة التشكيليّة السوريّة وقد تميزوا بغناهم في التجربة وبأسمائهم اللامعة بين التشكيليين على مستوى المقارنة وغنى وعمق التجربة، ومنهم نزار صابور، وسموقان، وعلي مقوص، وآمال مريود، وابراهيم الحميد، ووائل الضابط، وطلال معلا، ووليد محمود، وأكسم السلوم، ووليد محمود، وعلي سليمان، وبولس سركو، وأيمن السليم، وزياد دلول، وعمار الشوّا، وغادة دهني، وخالد الساعي، وبثينة علي، ومجدي الحكمية. وقد اخترنا تجربتين منهم كسبيل لإلقاء الضوء على ما قدماه وعلى الجهد الذي بذله الكاتب علي الراعي في جمع إيقاعات لوحاتهم في كتاب واحد «دروب في المشهد التشكيلي السوري».
ولابد من الحديث عما أشار له الكتاب وحال الكاريكاتير الملتبس لدينا، فهناك ملاحظات في فقرات أورد ذكرها وأشار إليها بقوة ومنها: «كل الخشية أن تكون مدرسة الكاريكاتير السورية بمعلم وحيد لا تلاميذ فيها…» وأيضاً: «… لا إبداع شخصياً لصانع الكاريكاتير سوى بمدى مهارته باستخدام تقنيات الكومبيوتر من فوتوشوب وغيرها، قد تكون هذه الشاشة وسيلة للتوصيل، أي من خلال النت، أما أن تقوم بمهام الرسام فهذه المشكلة التي أفرزت اليوم عشرات الصنّاع لإنجاز فنون الكاريكاتير!!» ومن التعليقات أيضاً: «صانع آخر للكاريكاتور في ورشة أخرى لديه هوس نيل الجوائز، حتى شكل هوسه هذا حالة كاريكاتورية نادرة، إذ يعتبر مجرد مشاركته بمهرجان ما «جائزة» هذا «الفطحل» الكاريكاتوري لا يمر أسبوع إلا ويسعى للصحف لتعلن عنه أن الفنان السوري الكبير قد نال جائزة جديدة، أو مشارك بمهرجان جديد… « وهناك المزيد من الملاحظات الحرجة والمقلقة التي أوردها الكاتب الراعي التي تتلاءم وذكرها لمن يعتدّ بفن الكاريكاتير ويخاف عليه في بلدنا، وقد عرّج على أسماء كثيرة مهمة سنعود إليها لاحقاً كونها تستحق الإضاءة والذكر دائماً، ومنها فارس قره بيت، وعبد الهادي الشماع، وحميد قاروط، وعبد اللـه بصمجي، وعصام حسن، ونضال خليل، وياسين خليل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن