قضايا وآراء

لماذا تناور أميركا بـ«الإرهاب الساخن»؟ وإلى أين؟

| عبد السلام حجاب 

منطقياً، فإنه لا يخفى على الرئيس الأميركي باراك أوباما، عندما يمعن النظر بالهاوية، التي يقود إليها مشروعه الدامي بوساطة الإرهاب وتقسيمه وفق ثنائية مصلحية براغماتية بين إرهاب سيئ وآخر جيد، فإنه يدرك بلا ريب أن الهاوية تنظر إليه، وهو ما وصفه الرئيس الروسي بوتين، بأنه أمر خطر وغير مقبول وقال: «من الخطر محاولة استخدام المجموعات الإرهابية والمتطرفة لتحقيق مصالح سياسية أو جيوسياسية».
وإذا كان ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي أوضح أن أميركا ليست مستعدة لعملية فصل الإرهابيين عما سمته «المعارضة المعتدلة» في سورية، فقد دعت زاخاروفا وسائل الإعلام الغربية لكسر الصمت عن جرائم من تصفهم واشنطن «بالمعارضة المعتدلة» في سورية والخسائر البشرية بسبب ضربات تحالف أميركا.
والسؤال؟ هل كان ممكناً اعتبار المحادثة الهاتفية بين الوزير لافروف ونظيره الأميركي كيري خطوة إلى الأمام حيث ناقش الوزيران خطوات تنفيذ قرار مجلس الأمن بشأن سورية؟ وقد حث لافروف نظيره الأميركي بحسب الخارجية الروسية، على ضرورة محاربة الإرهابيين في سورية ولا سيما بعد سقوط ذريعة «المعتدلة» بجريمة الكيماوي في حلب على حين إن المؤشرات تفيد بأن واشنطن اتخذت خطوتين مثيرتين للدهشة هما:
1- نفي وجود اتفاقات مع موسكو ووصف ما جرى في محادثات الجانبين الروسي والأميركي بأنه مجرد تفاهمات، وما تبعه من ادعاءات مناورة تشكك بنزاهة الموقف الروسي من سورية.
2- تفعيل مركز موك الاستخباري الدولي الذي تديره واشنطن في العاصمة الأردنية بهدف زج من تصفهم «بالمعارضة المعتدلة» في معارك يجري التحضير لها على الورق في الجنوب السوري.
ما يعني استنتاجاً، أهي سياسة مصالح انتخابية أميركية، أم إنها سياسة مستمرة تناور بـ«الإرهاب الساخن» لتحقيق مكاسب للتخفيف من حجم الإخفاق قبل أن تحط الانتخابات الرئاسية رحالها في تشرين الثاني القادم؟ وعليه أعلن الرئيس أوباما «أن العلاقة الصعبة والقاسية مع روسيا لن تمنع من إيجاد حلول سياسية للأزمتين في سورية وأوكرانيا، مؤكداً في الوقت نفسه عدم ثقته بالرئيس بوتين ولا بالتوجهات السياسية الروسية في سورية» وهو موقف يعكس سياسة الكيل بمكيالين، أي إنها أقل من حرب في مكان، وتواصل الاستثمار بالإرهاب في مكان آخر، وذلك بما يرضي قوى الحرب في الداخل ومن يتحالف معها في الخارج. ولا يصل إلى حد القطيعة أو التفريط بالعلاقة مع الجانب الروسي باعتباره الشريك في صياغة قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالحل السياسي للأزمة في سورية ولا سيما القرار 2253 لمحاربة الإرهاب وإلزام الأطراف الداعمة والمشغلة له بتنفيذ مندرجاته بصرامة. والقرار الدولي 2254 القاضي بحق السوريين بتقرير مستقبلهم من دون تدخل خارجي أو شروط مسبقة.
فضلاً عن القرار الدولي 2268 الناظم للاتفاق الروسي الأميركي لوقف الأعمال القتالية في سورية الذي لاتزال إدارة أوباما تماطل لاستدراك ما يمكن تجييره سياسياً لمصلحة التنظيمات التي تبدل أسماءها ولن تستطيع الخروج عن طبيعتها الإرهابية.
لا شك في أن أميركا لا تحتاج لمزيد من تفسير أو تبرير لوسائل إعلام دعائية لتتأكد من أن الإرهاب لن يكون جيداً أو سيئاً منذ أن قامت بتصنيعه بحسب اعترافات الوزيرة كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية. وقد خبرته بأسمائه الإرهابية المختلفة من «القاعدة إلى داعش إلى جبهة النصرة» أو العناوين المصنعة حديثاً كمشتقات إرهابية عن تلك التنظيمات التي يتواصل اختبار قواها الإجرامية في سورية والعراق واليمن وليبيا.
فإذا كان المطلوب أميركياً أن يكون الإرهاب ورقة ضاغطة لفرض شروط أو المناورة بها لتحقيق مكاسب سياسية فإنه رهان فاسد سرعان ما يخرج عن السيطرة والأمثلة التي تعرفها المخابرات الأميركية والمتحالفة معها أكثر من أن تحصى، بل إن العالم أصبح أقل أمناً واستقراراً إلا في حال كان الهدف المطلوب محاولة تحقيق غرضين يخدمان الإستراتيجية الأميركية بما أطلقت عليه الفوضى الخلاقة في سورية والمنطقة عامة وهما:
1- توفير بيئة إستراتيجية أمنية وسياسية للكيان الإسرائيلي تسهم فيها أنظمة حكم في السعودية وقطر وتركيا ومن يدور في فلكها ويخضع القرار الأميركي وما تشهده حلب وريفها من تصعيد إرهابي غير مسبوق برعاية أميركية يشكل الفصل قبل الأخير.
2- محاولة تحويل الإرهاب إلى قوة سياسية على الأرض بهدف تقسيم سورية إلى خيم متناثرة لمجموعات ما قبل الدولة الوطنية لحساب الكيان الإسرائيلي في الشرق الأوسط الجديد، ما يعني انتزاع الصمود الوطني السوري من محوره المقاوم من إيران إلى حزب اللـه مروراً بالعراق ووصولاً إلى روسيا والصين، ولم يكن الرئيس بوتين رومانسياً حين أعلن أننا نحارب الإرهاب في سورية دفاعاً عن أمن موسكو وشعوب العالم ومبادئ الأمم المتحدة وقراراتها.
لكن السؤال: أليست خيارات أميركية صعبة والمناورة بها قد تؤدي إلى إنزلاقات غير مضمونة بحسب الوقائع وتطوراتها أم هي رؤية إستراتيجية تفترض تحقيق أهدافها بحكم التقاتل الذاتي في المنطقة وفق الشروط الأميركية ما يجعل المراهنين والتابعين يتموضعون على حواف الهاوية؟
إنه لا غرابة أن تمعن أميركا النظر في مصالحها التي تتراجع لحساب مصالح الإرهابيين وداعميهم فتستعيد علاقاتها مع روسيا على قواعد من التوازن لا الانتقائية. وهو توازن لا يتوقف عن حدود أوروبا وحلف الأطلسي وما يحدث من توتر وعدم استقرار على حساب الشعوب بل يجاوزه إلى آسيا والصين التي أعلنت أن العالم لن يعود إلى الوراء. إذ لم يعد من الممكن احتكار أميركا القرار فيما يتعلق بمصير البلدان الأخرى. كما لم يعد من الممكن تجاهل حقيقة أن إصرار بعض الدول على مواصلة دعمها للتنظيمات الإرهابية ساهم في تفشي ظاهرة الإرهاب وزعزعة استقرار المزيد من الدول. حيث أصبحت واضحة تداعيات سياسات عقد الصفقات مع الإرهاب وكيف تتحول الادعاءات والمناورات السياسية إلى أعباء إضافية قد تعرقل الاتفاقات لكنها لا تستطيع أن تكون حاسمة في رسم منافذ جديدة للإرهاب في سورية.
لقد أكد الرئيس بشار الأسد للمسؤول الإيراني بروجردي والوفد المرافق له: «إن مستقبل المنطقة سترسمه الشعوب التي وقفت بوجه الإرهاب وقدمت التضحيات للحفاظ على بلدانها واستقلالية قرارها».
ولعلها الحقيقة اليقينية عن صمود السوريين الوطني، والانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري لتحويل ما سموه «ملحمة حلب» إلى مقبرة للإرهابيين والغزاة وأحلام مشغليهم. وما النصر الحاسم إلا صبر ساعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن